لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. بل!

د.مروان الغفوري
الثلاثاء ، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٣٤ مساءً
 
تسلل الحوثيون إلى غرف نوم الخصوم السياسيين، واستلقوا على الأسرّة، وربما قلبوا ألبومات الصور العائلية. يقول هاشتاغ شهير على الفيس بوك إنهم سرقوا السراويل الداخلية، الكلسونات. لا توجد سورة في القرآن، بحسب علمي، تمجّد الدخول إلى غرف النوم والتقاط الصور. القرآن الذي لا يخجل من اقتحام غرف النوم ليس كتاباً سماوياً. فالقرآن السماوي شيء آخر، فالسماوي لا يصغر على هذا النحو. السماوي كتاب، والكتاب كلام الإله الكبير. لقد جاؤوا بإله أدخلوه إلى غرف النوم، ولا يعلم أحد أي إله هذا الذي قبل أن يكون صغيراً على هذا النحو. إنه ليس الإله الذي تمجّده كل البشرية، بل عبد الملك الحوثي. ذلك الصغير هو من يقوم بالأعمال الصغيرة، والقذرة، لا الإله.
 
لم يجد متحدثٌ باسم الحوثيين من كلمة يقولها دفاعاً عن لصوص المسيرة القرآنية سوى "إنهم لم يأتوا من المدينة الفاضلة". لا يشترط في المرء، كي يدرك أساسيات الأخلاق الإنسانية، أن يكون قادماً من مدينة أفلاطون الفاضلة. فقد أخبرونا أنهم قادمون من القرآن، وأنه أكثر وضوحاً بالنسبة لهم من جمهورية أفلاطون!
 
لدى منظمة وثاق تأكيدٌ آخر. فقد رصدت خلال عامين في محافظة حجّة حوالي 14 ألف انتهاكاً للحقوق، الحريات، الحق في العيش، والممتلكات. كان ذلك منجزاً مدوّياً للحوثية في حجّة. لا توجد منجزات أخرى. ما الذي يدفعنا، إذاً، للقول إن الحوثيين سقطوا أخيراً.
 
ليست المشكلة الجوهرية في الحركة الحوثية في أنها لم تأت من المدينة الفاضلة، بل في أنها لا تحمل أي فضيلة بالمرّة. فقد أخبرني مدير منظمة "مواطنة" أن تعليقَ أبو علي الحاكم، القائد العسكري للحوثيّة، على ما سمعه حول الأخلاقيات والقوانين التي تمنع تجنيد الأطفال بالقول إنها تخص الكفّار. بالنسبة لأبو علي الحاكم فالقرآن كتابٌ مكتف بذاته، ولا يكشف أسراره السياسية والأخلاقية سوى لجينة محدّدة، هي الجينة الأنانية القادرة على تفسيره وتشغيله.
 
لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. كل الشواهد تقول إنهم لم يعرفوا الأخلاق قط.
 
مندهشاً كتب الناقد عبد السلام الربيدي عن قافلة المنهوبات التي سار بها الحوثيون من مخازن "مؤسسة اليتيم". أكلوا مال اليتيم، يقول الربيدي. أما قناة الجزيرة فقالت إنهم نهبوا مخطوطات المكتبة الصوفية. شوهدوا وهم يسرقون التاريخ، أيضاً. غير أن رضية المتوكل، كما نقل عنها موقع يمن نيوز، كتبت عن أمرٍ آخر، عن حصالة الطفلة عفاف. كانت عفاف، 10 أعوام، قد جمعت منذ رمضان الفائت 4700 ريالاً، لكن المسيرة القرآنية رأت أنه من الأفضل سرقة الحصالة. بكت عفاف. أكثر ما يخشاه والدها الآن أن تدرك ابنته أن المسيرة القرآنية هي من فعلت ذلك بحصالتها. يخشى أن يلحق ذلك العار بالقرآن، لكن الأطفال في الحي سيخبرونها قريباً.
 
بسخرية استثنائية كتب نبيل الصوفي على صفحته مخاطباً عبد الملك الحوثي. طلب منه سرعة تدارك الأمر وإرسال القرآن ليلتحق بالمسيرة. فحتى الآن لم ير سكان صنعاء سوى المسيرة فقط. الحوثي لا يمكن أن يلبي طلباً كهذا، فقد وصف اجتياح عمران، بكلفته البشرية المدمّرة والتي بلغت زهاء 635 ألف مشرّداً بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة، بأنه مجرّد مناوشة صغيرة. أو مشاكسة. الخراب البشري، في وعي الحوثي، مجرّد أخطاء جانبية. سيكرر الحوثي في خطابه تعبيراته التي تمجّد الشعب. وفيما يبدو فإن الشعب في وعي الحوثي هو شيء آخر غير البشر.
 
جمال خاشقجي، الكاتب السعودي المعروف، رأى شبهاً واضحاً بين المسيرة القرآنية إلى صنعاء و"المسير إلى روما" الذي نفذته الفاشية الإيطالية 1922 بقيادة موسوليني. بحسب خاشقجي فإن الحوثي لن يعلن نيته حكم اليمن كما فعل موسوليني، بل سيتنكر خلف هادي، ليحكمها عبر توقيعات وأوامر الأخير. الكلمات هي التي تطفو من جسد الحوثي أما حقائقه فتعبر تحت سطح الجليد. لا وجه له، ولا ملامح. إن سطحه الخارجي يتغير بسرعة وديناميكية أكثر خفة من فيروسات الشتاء. ليس ثمة من لقاح ضد الحوثي، فلا مرجعية أخلاقية له. يرى ما يريد من البحر، وحسب. ولا نرى سوى شراع سفنه.
 
من زاوية أخرى سخر المثقف الشاب أوراس الإرياني من المسيرة القرآنية. طبقاً للكلمات المرّة للإرياني فإن "الجرعة" كلمة فارسية تعني الدبابة. لم يكن الحوثي بحاجة إلى أن يسرق تحت عدسات الكاميرا ليقال إنه همجي ويحتاج لزمن طويل حتى يكون بمقدوره الاقتراب من الحضارة الراهنة.
 
لم يكن بحاجة إلى مخازن مؤسسة اليتيم، ولا إلى حصالة عفاف ليخبرنا، عملياً، عن طبيعته الأخلاقية، وعن مادته السوداء. لكنه فعل ذلك للتاريخ. فالتاريخ يحب سرد الأحداث بشواهدها المادية، لا استنتاجات الكتاب والمبدعين.
لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. كل الشواهد تقول إنهم لم يعرفوا الأخلاق قط.
 
يكتب سكّان أحياء مختلفة في صنعاء عن الحوثيين المتجوّلين بين البيوت، الحوثيين في حواجز التفتيش. يوجد في صنعاء أكثر من 220 حاجز تفتيش حوثي. الرقم 220 مهم، فهو إجمالي الحواجز الإسرائيلية في كل محافظات الضفة الغربية. يروي السكّان، وقد رويت لي أكثر من مرّة، عن جنود المسيرة القرآنية الذين لا يؤدون الصلاة. سبق، قبل شهرين، أن أخبرني برلماني يمني عن جنود أفرج عنهم الحوثيون في رمضان. يروي الجنود عن الحوثيين الذين كانوا يأكلون في نهار رمضان أمام الأسرى.
 
هذه الروايات مهمّة، وهي لا تندرج ضمن النقد الديني بل الأخلاقي. فالمسيرة القرآنية تستخدم أدواتٍ غير قرآنية لتحقيق غايات غير قرآنية. إنها تشبه حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح، حيلة الخصم التاريخي للحوثي. اقترب الحوثي من أخلاقيات خصومه التاريخيين، اقتبس أدواتهم، ثم طوّرها. أصبح في شكله الأخير بلا مرجعيّة أخلاقية ولا دينية.
 
كان الجابري، في كتابه الأخير مدخل إلى القرآن الكريم، قد ناقش فكرة الولاية. قال إنها تعني الرئاسة، وأن مساهمات مثقفي الولاية كانت على الدوام سياسية. الفكرة جوهرية، مركزيّة، فالخطاب الحوثي، المادة الحوثية، هي مادة سياسية صرفه.
 
السياسة عملية ذرائعية، تستند إلى الأخلاق بقدر الحاجة. فالإصلاحات السعرية، الجرعة، هي عملية تستحق النضال الأخلاقي لأن مثل هذا النضال سيفضي في الأخير إلى سقوط صنعاء. لكن سحابة الذعر "البشري" والنزوح الداخلي، وتدمير الاقتصاد الهش، وهروب الأموال، والعزلة الدولية، كل هذا ليس موضوعاً أخلاقياً، أي لا يتعلق بالمصداقية الأخلاقية فهي مواضيع لا علاقة لها بالغايات السياسية للحوثي. أي أن مراعاتها قد تحول دون سقوط صنعاء، وهو أمر يجعل من هذه المواضيع قصصاً هامشية، أو مشاكسات!
 
السياسة، بالنسبة للحوثي، هي من تمنح موضوعاً ما بعداً أخلاقياً أو تجرّده منه.
 
فالحقيقة أنه لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. كل الشواهد تقول إنهم لم يعرفوا الأخلاق قط.
 
في كل خطابات الحوثي قال إن حزب الإصلاح إرهابي.
 
ملحوظة: 
عدد البنادق التي يمتلكها الحوثي تساوي ثلاثة أضعاف، على الأقل، أعضاء حزب الإصلاح. أما الذين قتلوا وشردوا في حروب الحوثي فيتجاوزون ضعف ما حصل عليه الإصلاح من أصوات في آخر انتخابات برلمانية.
 
تمددت الحواجز العسكرية الحوثية على كل متر مربّع في صنعاء فاكتشف الإصلاحَ من جديد. قال الحوثي إن الإصلاح شريك سياسي، ولا بد من العمل معاً لأجل اليمن. حدث هذا الاكتشاف خلال 36 ساعة فقط، بينما لم تكن السنوات الطويلة الماضية كافية لذلك. لم يعد الإصلاح يهدد الحقيقة السياسية للحوثية، أي لم يعد إرهابياً.
 
تأخذ الأشياء، الجماعات، الأفكار معناها الأخلاقي من موقعها بالنسبة لسكّة عبور الجيوش الحوثية. الأخلاق لدى الحوثي عملية آلية، اصطناعية، متحوّلة تحددها غاياته السياسية. لا توجد لدى الحوثي أخلاق جوهرية، ولا طبيعة جوهرية للأخلاق. فهي، أي الأخلاق، ليست سوى قماشة تنكّرية في المسرح الكبير.
 
لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. كل الشواهد تقول إنهم لم يعرفوا الأخلاق قط.
 
ظهر الحوثيون في صنعاء كخراف بني إسرائيل الضالة، إذا استعرنا تعبيراً توراتيّاً. لم تكن صنعاء اختباراً أخلاقياً للحوثي. فلا يوجد اختبار أخلاقي، بالمطلق، يمكن أن يقيس درجة الوحشية لجماعة خاضت عشرات الحروب خلال ثلاثة أعوام. الحرب ليست نشيداً، هي عملية قتل جماعية للجنس البشري. ليس ثمّة، تاريخياً ومادياً، انهيار أخلاقي كلّي كالحرب، ولا جريمة أخلاقية أكثر رعباً من القتل، ولا ألماً بشرياً صافياً أشد ضراوة من الموت والفقد. هذه هي المدوّنة السلوكية للحوثي، بصرف النظر عن الكلمات التي يقولها.
 
"إنها كلمات، مجرّد كلمات، بعيدة كل البعد عن أفعاله" تصف شخصية روائية البطل "رودين" في واحدة من أشهر أعمال تورجنيف.
 
لا توجد شواهد على أن الحوثيين سقطوا أخلاقياً. كل الشواهد تقول إنهم لم يعرفوا الأخلاق قط.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي