الانسان بطبيعته استبدادي وأناني إلا من رحم الله ، تدفعه نزعته التسلطية إلى ممارسة الاستبداد والطغيان ضد كل من يعارض أطماعه وطموحاته ويقف في طريق إشباع نزواته وشهواته وفي مقدمتها نزوة وشهوة الملك والسلطان ، هذه النزوة الخطيرة والشريرة التي تدفع بالإنسان لممارسة كل صور الاستبداد والطغيان ضد المعارضين له وحتى ضد أقرب الناس إليه ، ومن يقرأ كتب التاريخ سوف يصاب بالذهول والدهشة من هول الآثار السلبية والكارثية لهذه النزوة على حياة المجتمعات البشرية ، ومن فداحة كل تلك المؤامرات والخيانات التي حدثت في بلاط الملوك والحكام والسلاطين عبر التاريخ ، ومهما إدعى البعض المظلومية والنضال في سبيل تحقيق العدالة والمساواة بين الناس ، إلا أنهم وبمجرد الاستحواذ على السلطة والجلوس على كرسي الحكم سرعان ما تظهر عليهم معالم الاستبداد والطغيان ، فكم سرد لنا التاريخ من قصص الاستبداد والقمع والارهاب التي كان أبطالها دعاة المظلومية ، ودعاة الفضيلة ، ودعاة التدين ، ودعاة الكفاح والنضال الثوري والتحرري ...الخ ، فقد مارسوا الاستبداد والطغيان تارةً بإسم المظلومية وتارةً دفاعاً عن الفضيلة أو دفاعا عن الدين أو دفاعا عن الثورة ...الخ ..!!
نعم فالكثير من الناس والسلطات والقيادات يصنعون المبررات والأعذار لممارسة الاستبداد والطغيان ضد الآخرين ، ومن النادر أن تشاهد إنسان أو سلطة تمارس الطغيان والاستبداد ضد الآخرين بإسم الاستبداد والطغيان نفسه ، لأن مثل هذه التصرفات لن تكون مقبولة ولن تجد من يناصرها ويدعمها ، فلا بد للقيام بممارسة مثل هذه التصرفات العدائية والسلبية من مبررات وأعذار ، ولا بد من تغليفها بغلاف قد يكون ديني أو طائفي أو قومي أو وطني ...الخ ، فلا تعدم الحيلة عند أرباب الاستبداد والطغيان في كل زمان ومكان ، في تشويه الحقائق وتزييف الوقائع وفبركة الأحداث عن طريق التضليل والتغرير واستغفال البسطاء من عامة الناس ، نعم إن أرباب الاستبداد والطغيان يراهنون دائماً على شريحة الحمقى والمغفلين والجهلة وحتى الحاقدين والمأزومين نفسياً واجتماعياً ومادياً وفكرياً وسلوكياً وأخلاقياً ، ومن يبحثون عن الظهور ( حب الظهور ) ولو على حساب التخلي عن كل القيم والمبادئ التي كانوا يؤمنون بها سابقاً ، فكل سلطة استبدادية جديدة تفتح الباب أمام من يعانون من العجز والغباء ويشعرون بالنقص ، الذين لم يكن لهم دور ولا حضور ولا مكانة ولا قيمة سابقاً ، مستغلة أوضاعهم النفسية والاجتماعية والمادية والسلوكية ، لتصنع منهم ذئاب حاقدة وناقمة لكل ما له علاقة بالزمن السابق والحكم السابق ، عن طريق تنمية نزعة الاستبداد والطغيان والحقد التي كانت مكبوتة في داخلهم ..!!
وكم سرد لنا التاريخ من المشاهد المأساوية والكارثية لحالات الإنتقام والبطش والطغيان ضد الخصوم السياسيين ، في صوره تعكس فداحة النزعة التسلطية داخل النفوس البشرية الضعيفة ، لأن المبالغة في الانتقام والبطش والتنكيل من الخصوم والمعارضين ليست من صفات الكرام والأحرار والثائرين الحقيقيين ضد الظلم والفساد والسلبية ، فهذا رسول الإسلام نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة ، وبعد أن تحقق له النصر الكبير على قبيلة قريش التي مارست ضده كل صور الظلم والعداوة ، لم يعمل السيف فيهم كما يفعل الكثير من الفاتحين والثائرين في خصومهم ، بل لقد أعلن العفو عنهم جميعاً وقال لهم قولته المشهورة ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، في صورة نادرة تعكس عظمة النفس البشرية وتسامحها وعفوها ، وعدم سقوطها في مستنقع الانتقام والبطش والطغيان والارهاب ، ولا غرابة في ذلك فنحن نقف أمام نفس عظيمة أرسلها الله تعالى رحمةً للعالمين ، قال الله تعالى مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام (( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )) ، فكبح جماح النفس عن ممارسة البطش والطغيان والاستبداد والقمع والارهاب والسلب والنهب لا يستطيع عليه إلا الأنبياء والمرسلين والصالحين في كل زمان ومكان ، بل إن هكذا تصرفات هي المقياس الحقيقي لإظهار حقيقية ونوعية النفس البشرية ، مهما حاول أصحابها تغليف تصرفاتهم الاستبدادية والطغيانية بغلاف الدفاع عن الدين أو الوطن أو المظلومية أو الثورة ، لأنه لا يوجد شيء أو مبرر يمكن أن يبرر الإسراف في الطغيان والاستبداد والقمع والارهاب والبطش والتنكيل بالآخرين ، فالشرع والقانون هما الحكم والفيصل في مثل هذه المواقف ، وما دون ذلك هو انتصار لنزعة النفس البشرية التسلطية وهو انتصار لاستبدادها وطغيانها نح9..!!
-->