الاعتقاد الديني نوعان اعتقاد يقيني يقوم على البينة والحجة والدليل والعقل والمنطق والبحث والفكر والرغبة والقناعة والاقتناع ، واعتقاد وراثي يقوم على التقليد والوراثة والتلقين والتعصب والإجبار والإكراه والإلزام ، والاعتقاد العقلي يتأسس على الحرية الفكرية والاستقلال الذاتي والإرشاد العلمي والتوجيه المنهجي والرغبة الكاملة ، بينما يقوم الاعتقاد الوراثي على التلقين التعسفي والمعلومات المسبقة المتوارثة جيلا بعد جيل ، والاعتقاد العقلاني يفتح أمام الإنسان أفاق الحياة الواسعة ومجالات الفكر والبحث الشاسعة ، بينما الاعتقاد الوراثي يضع الكثير من القيود على تفكير الإنسان ويغلق في وجهه آفاق الحياة ومجالات الفكر الواسعة والمتعددة ، والاعتقاد العقلاني يتيح المجال للعقول البشرية أن تتشكل على شكل قوالب عقلية وفكرية متعددة ومتنوعة مفكرة ومبدعة ، بينما الاعتقاد الوراثي يضع عقول اتباعه في قوالب فكرية ودينية ومذهبية واحدة وجامدة ، غير قادرة على التفكير والبحث ومحصورة في زوايا فكرية ضيقة ، ليصبح إيمانها إيمان وراثي قائم على تقليد الآباء والأجداد ..!!
وبذلك فإن الإعتقاد اليقيني العقلاني والفكري والمنطقي هو الاعتقاد الذي يدعوا إليه القرآن الكريم في الكثير من آياته ، التي تخاطب العقل البشري وتحثه على التفكر والتدبر والبحث والتأمل والتبصر لبناء عقيدة قوية وصحيحة ، قال تعالى (( أفلا تتفكرون )) ، (( أفلا يتدبرون القرآن )) ، (( ما لكم كيف تحكمون )) وغيرها كثير ، وهي بذلك تدعوا إلى بناء الإيمان بالله تعالى على أسس عقلية وفكرية ومنطقية ، فالقرآن الكريم يدعوا إلى الإيمان القوي القائم على القناعة والاقتناع والرغبة والمبادرة ، بينما نجد أن الكثير من آيات القرآن الكريم تحذر من الاعتقاد القائم على التقليد والتلقين الوراثي ، ويعاتب الأمم السابقة التي كانت معتقداتها تقوم على الوراثة وما وجدوا عليه أبائهم وأجدادهم ، لأن منهج التقليد لا يمكن أن يؤسس داخل العقل البشري إيمان صحيح ، فإيمان التقليد ، وعبادات التقليد ، والفكر القائم على التقليد الحرفي للسابقين دون تبصر وتفكر وبحث ودراسة ومراجعة أمر غير مرغوب في الإسلام بأي شكل من الأشكال ..!!
وبذلك الموقف تتجلى حكمة وعظمة القرآن الكريم في هذا المجال ، فما نشاهده اليوم من تعصبات فكرية ودينية ومذهبية وطائفية وصلت حد التطرف والتشدد والتكفير والرفض للآخر والقتل والارهاب ، ما هي إلا النتيجة الطبيعية للاعتقاد الوراثي القائم على الوراثة والتقليد والتلقين الحرفي ، والبعيد كل البعد عن التبصر والتفكر والتدبر والبحث والعقل والمنطق ، ولن نبالغ إذا قلنا بأن الاعتقاد الوراثي هو من صنع ويصنع وسيظل يصنع في كل زمان ومكان ، أجيال متعصبة ومتطرفة ومتشددة ومقلدة ، عاجزة عن التفكير والبحث والتدبر وتفعيل العقل واستغلاله الاستغلال الأمثل ، وهذا للأسف الشديد ما تسعى إلى ترسيخه الجماعات الدينية والمذهبية والطائفية ذات النزعة السلطانية في كل زمان ومكان ، فهذا المنهج هو الذي يساعدها على تشكيل أجيال مفلسة عقليا وفكريا ، أجيال ضعيفة غير قادرع على التفكير والتمييز بين الصواب والخطأ بين الممكن وغير الممكن ، بين ما يتوافق مع الشرع والعقل وما يتناقض ويتعارض معهما ، أجيال خانعة مقلده تابعة من السهل استدراجها والتضليل عليها واقتيادها إلى مربعات التطرف والتشدد والتعصب والتبعية العمياء ..!!
وكم هي المجتمعات العربية والاسلامية اليوم في أمس الحاجة لبناء عقيدة أجيالها وفق الاعتقاد اليقيني العقلاني القائم على العقل والمنطق والعلم والتفكر في آيات الله تعالى المقروءة ( القرآن الكريم ) والمنظورة ( الكون ) ، الاعتقاد القائم على التحرر من التقليد والتعصب الديني والمذهبي والطائفي ، لبناء أجيال قوية مفكره وحرة ومبدعة ومتطلعة ووثابة ، ليس من السهل استغفالها او استغلالها أو الضحك عليها ، ( فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ، فالمؤمن القوي هو الذي يمتلك عقل مفكر ومتدبر ومتأمل وصاحب إرادة حرة وقرار مستقل ، والضعيف هو التابع والمأمور والمسلوب الإرادة والحرية والمقلد لغيره في كل شئون حياته ..!!
-->