الهروب من الحرية ..!!

ابراهيم ناصر الجرافي
الخميس ، ٠٩ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٧ مساءً

 

الأحداث التاريخية خلال مسيرة البشر على كوكب الأرض ، كشفت بأن العديد من البشر يعشقون العبودية والخنوع للظلمة والمستبدين ، بل إن هذا النوع من البشر هم بأنفسهم من يصنعون الطغاة ويشيدون عروشهم ويدافعون عنهم ويمجدونهم ويتلذذون بسياطهم وهي تلسع جلودهم ، وذلك تحت تأثير ثقافة العبودية التي تصنع في داخلهم نفسية العبيد ، تلك النفسية الخانعة التي تبحث فقط عن لقمة العيش التي تبقيها على قيد الحياة ، الحياة البائسة التي تسخرها في خدمة الطغاة والمستبدين ، والتكاثر لإنتاج أجيال جديدة خانعة ومستعبدة تعمل في خدمة أبناء الطغاة ( مصانع لإنتاج العبيد ) ، أناس قبلوا على أنفسهم الذل والهوان ولا طموح لهم في العيش بحرية وعزة وكرامة ، بل تراهم وهم يهربون من الحرية ويقفون في صف الجلادين والطغاة عند مواجهتهم لدعاة الحرية والتحرر السياسي والفكري ، وللأسف هذا النوع من البشر لهم حضور في كل مجتمع وزمان ومكان ..!! 

 

وهو ما جعل حياة البشر حافلة بالعبودية والظلم والطغيان والجبروت والاستبداد ، ودائما ما كان يقف هذا النوع من البشر في مقدمة الصفوف للدفاع عن الطغاة والمستبدين إذا ما قرر البعض مواجهتهم ووقف ظلمهم ، ودائماً ما كانت سيوف العبيد الخانعين هي من تدافع عن عروش الطغاة المتجبرين ، وهي من تذود عنها وتضحي من أجلها ، وهو ما يؤكد بأن للعبودية عشاق ومريدين في كل زمان ومكان ، عشاق لا يهنأ لهم العيش إلا تحت ظلال العبودية والخنوع ، عشاق لا يتوقفون عن تمجيد وتعظيم أسيادهم وجلاديهم ، عشاق يخافون من الحرية والتحرر ويهربون منها ويعادون كل من يرفع رايتها ويدعوا إليها ، لأنهم يفتقدون للثقة في أنفسهم وذواتهم وقدراتهم ، ويفضلون العيش تحت كنف غيرهم حتى وان مارسوا ضدهم الظلم والطغيان ، بل إنهم يشعرون بالامتنان والشكر لهم ..!! 

 

إنها ثقافة العبودية والإتكالية القائمة على الاعتماد على أصحاب النفوذ والجاه والسلطان ، لإدارة شئون حياة العبيد العاجزين والفاشلين بالطريقة التي يرونها مناسبة ، إنها ثقافة الذل والخضوع مقابل البقاء على قيد الحياة ، إنها ثقافة من لا طموح لديه بالعيش في هذه الحياة بعزة وكرامة ومساواة وعدالة ، إنها ثقافة مع القوي يا عون الله حتى وإن كان ظالما وطاغية ومستبداً وعنصرياً ومتكبراً ومتجبراً ، انها ثقافة الشعور بالنقص والدونية ، إنها ثقافة التمييز العنصري والطبقي بين بني الإنسان ، وبسبب هذه الثقافة السلبية دفع دعاة الحرية والتحرر الفكري والسياسي الكثير من التضحيات ، وهم ينشدون للبشر الحرية والعزة والكرامة والمساواة ، وهم يقارعون الطغاة والمستبدين ودعاة التمييز العنصري في كل زمان ومكان ، كل ذلك رغم أن التشريعات الدينية تدعوا البشر إلى العيش بعزة وكرامة ، وتؤكد بأن الانسان مخلوق مكرم كرمه الله تعالى . وليس من حق أحد أيا كان المساس بذلك التكريم الإلهي أو إنتقاصه بأي شكل من الأشكال ، قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم )) ..!! 

 

 إلا أنه للأسف الشديد لم يتم الالتزام بتلك الأوامر والتشريعات الربانية العظيمة ، فهناك العديد من البشر أبوا إلا أن هم يفرطوا في حريتهم ويهدروا كرامتهم بأنفسهم ، ويقبلوا على أنفسهم الذل والهوان والعبودية ، كل ذلك نتاج ثقافة العبودية وعشق العبودية والتعود على تمجيد وتعظيم الطغاة ، والتلذذ بظلمهم وطغيانهم وبطشهم ، وسطوة أعوانهم وهم يفرضون على العبيد المزيد من الأتاوات والجبايات الباهضة ، ويأخذون لقمة العيش من أفواه أطفالهم ، وهذه الثقافة هي أسوأ ثقافة عرفتها البشرية ، وهي الثقافة التي شوهت مسيرة البشر عبر الزمن ، وأفقدت العديد منهم الثقة في أنفسهم وطبعت على جباههم وشم العبودية المشئوم ، ورسخت في نفوسهم ثقافة الخنوع والذل ، ليستمر مشهد الحياة القاتم بحضور لافت لفئة العبيد الذين يسخرون وقتهم وجهدهم ، لنشر هذه الثقافة السلبية التي تتناقض مع الشرع والعقل والمنطق ، بل ويضحون بأنفسهم في سبيل تعميمها على بقية البشر ليكونوا عبيد أمثالهم ، ما أتعس وأقبح العبيد وهم يمجدون ويعظمون أسيادهم وجلاديهم ، وما أغباهم وأحمقهم وهم يهربون من نعمة الحرية والعزة والكرامة الإلهية ..!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي