دولة الوطن والمواطنة مخرج اليمن الوحيد من حروبه وأزماته.
منهج الله لبناء الإنسان مجتمعه ودولته.
خلق الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض، وخلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا لا ليتصارعوا ويتحاربوا، وذلك ليقوم الناس بدورهم، في العبادة والاستخلاف، واستعمار الأرض، وأَمَّنَهُمْ ومَكَنَهُمْ بكل احتياجاتهم ليقوموا بهذا الدور، بخياراتهم الحرة ودون إكراه، من خلال المنهج الرحماني للتمكين والحماية والمتمثل بما يلي:
١- علمهم الله أسماء كل شيء في الوجود، بنفخة الروح، الحاوية لأوامر قوانين وجود الأشياء، وذللها لهم بسلطان المعرفة، لاكتشافها والتحكم بها، وتوظيفها لمساعدتهم على القيام بدورهم المنوط بهم.
٢-أطعمهم الله من جوع، حيث قدر الله لهم الأقوات في الأرض، للسائلين منهم، مسلمهم ومجرمهم، مؤمنهم وكافرهم ومشركهم، وجعل لهم رزقهم في السماء، وخيرات الأرض، ومما تعمل أيديهم، ليضمنوا تأدية دورهم على الوجه الأكمل.
٣-أَمَّنَهُمْ الله من خوف، حيث حذرهم من عدوهم المبين، إبليس وشياطينه، وأنفسهم الأمارة بالسوء، وزودهم بكافة وسائل الدفاع والانتصار.
٤- زودهم الله بمنهجه الذي هو خارطة الطريق، التي تخرجهم من الظلمات للنور، وتهديهم إلى صراط الله المستقيم، بكتابه الحق الهدى والنور، والمحتوي على دين الله الحق، وبه منهجه الذي لم يفرط به من شيئ، وبه تفصيل كل شيئ، ولم يتركه للناس ليعبثوا فيه ويحرفوه، ويبدلوه ويتقولوا عليه، لقد تولى سبحانه وحده، جمعه وقرآنه، وقرأه على رسوله وعَلَّمَهُ قرآنه، وأمره باتباع قرآنه، فما عليه غير البلاغ، وتولى إبلاغه للناس، مبشراً لهم بهديه، ومنذراً لهم بمخالفتهم له، وتولى سبحانه وحده، بيانه، وتبيانه، وتفصيله، فمن اتبعه لا يضل ولا يشقى، ومن خالفه فله في الدنيا معيشة ضنكا، ويحشره يوم القيامة لجهنم أعمى.
وفي هذا المنهج بَيَّنَ الله للناس كيف يبنوا مجتمعاتهم وشعوبهم ودولهم، ليعيشوا بسلام وتناغم ومحبة، دون حروب وكراهية، ليتجهوا دون معوقات، لتأدية دورهم الذي خلقهم الله له، ووضع بهذا المنهج السبيل والطريق لذلك وفق ما يلي:
١- أمر الله بإقامة مجتمع الأخوة الإيمانية، فالمؤمنون إخوة، وحرم قتل المؤمن لأخيه المؤمن، وقتل النفس أي نفس إلا بالحق.
٢- أمر الله بإقامة مجتمع الأخوة الإنسانية فقد خلق الناس من نفس واحدة.
٣- جعل الله معيار التفضيل للخلق عند الله التقوى، وليس العنصر واللون والمعتقد.
٤- أمر الله بإلغاء العصبية بكل مسمياتها وأشكالها، وأمر رسوله بجمع كل قبائل مكة وبطونها، بتسميتهم الإيمانية الجديدة "المهاجرون"، وكل قبائل يثرب وبطونها بتسميتهم الإيمانية الجديدة "الأنصار".
٥- أمر الله نبيه الخاتم محمد عليه الصلاة والتسليم، بإقامة دولة الإنسان، دولة الأخوتين الإيمانية والإنسانية، دولة الوطن الواحد، والمواطنة الواحدة المتساوية، وغير إسم يثرب إلى المدينة، وصاغ دستور المدينة، به أسست أول دولة مدنية إنسانية في التاريخ، مستلهما المنهج الرحماني، بقراءته لكتاب الله -وفق زمانه ومكانه ومعارفه- لإرساء النموذج والأسوة الحسنة، التي ينبغي على الناس اتباعها.
سبب الأزمات والحروب.
والمتابع لكل أزمات ومشكلات اليمن، ودورة الحروب المستمرة في اليمن، عبر تاريخه القديم والحديث، منذ دخول الإمامة لليمن في القرن الثالث الهجري حتى اليوم، يجد أنها نشأت لغياب دولة الوطن والمواطنة، وفق المنهج القرآني الذي أسس به نبي الله نموذجه في دولة المدينة.
البعض قد يقول أنه كانت لدينا دول وطنية جامعة، سواء في شمال الوطن وجنوبه، قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وقبل الوحدة أو بعدها، لكن الواقع وأزماته وحروبه، التي نشأت في شمال الوطن، او في جنوبه، أو بين الدولتين قبل الوحدة، وحروب ما بعد الوحدة، وحروب تداعيات ثورة الشباب عام ٢٠١١، وحروب الإنقلاب الإمامي على الثورة والجمهورية عام ٢٠١٤، يؤكد أنه لم تكن لدينا دولة وطنية حقيقية، بمشروع وطني ثقافي وسياسي معبراً عن الشعب اليمني والوطن اليمني، وفق دولة المنهج النبوي، المستلهم من كتاب الله، دولة تبني الأخوة الإيمانية والإنسانية والوطنية، فلو كانت هذه الدولة موجودة لما نشأت هذه الحروب والانقلابات والأزمات في اليمن.
منهج الدولة الوطنية.
الدولة الوطنية الحقيقية تقوم وفق منهج الإسلام الحق، المستلهم للزمان والمكان ومعارفهما ومشاكلهما، ولا تُنتج ثقافة عصبية، وكراهية، وفساد، وانفصال، بل تنتج عدل، ومساواة، وأخوة، وتنتج ثقافة تمنع نشوء مظالم الناس أو ظلمهم، فهي دولة مواطنة لكل ابناء الوطن، بغض النظر عن لون المواطن ومعتقده وأصله، دولة تستلهم قراءتها المعاصرة، لنموذجها التاريخي، الذي لم يتكرر، وقدمه خاتم الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والتسليم.
دولة تدفع مواطنيها للاحتماء بها، وبمظلة عدلها ومساواتها، يلجأ لها المواطن بدلا من عنصريته وعصبيته، وحزبه ومذهبه، وقبيلته ومنطقته، ولا تدفعهم للاعتصام بمسميات خارج إطار الدولة الوطنية، فدولنا جميعها كانت وما تزال، تستلهم دولة العصبية، أيا كان اسم عصبياتها، مذهبية، عنصرية، قبلية، حزبية، ومناطقية، وحروبنا جميعها كانت وما تزال حروب هذه العصبيات.
المخرج الوحيد.
اليوم مخرجنا الوحيد من هذه الحروب وعصبياتها، هو استلهام النموذج النبوي في المدينة، لبناء دولة الوطن الواحد والمواطنة الواحدة والمتساوية، والتي تكون فيها دولة الوطن والمواطنة، فوق الانتماء والولاء المذهبي والعنصري والقبلي والطائفي والمناطقي والحزبي، وهذا المخرج أساسه مشروع مخرجات الحوار الوطني بدولته الاتحادية، وسلام استعادة الدولة، بمرجعياتها الوطنية والإقليمية والدولية المتفق عليها، وعلى راسها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وعلى رأسها القرار الأممي 2216.
-->