حَرْ الرياض.. ودرسٌ ملهمٌ من شارع الوفاء في مكة

عماد جسار
السبت ، ٢٢ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٤ مساءً

في الرياض، الجو شديد السخونة، تركت سيارتي في الصناعية لدى مهندس الرديترات ليصلح مشكلة ارتفاع حرارتها، مرت على وجهي رياح ملتهبة جعلت من الصعب البقاء مع المهندس، بالإضافة إلى مشكلة أُعاني منها في الحلق بعد عودتي من مكة المكرمة، حيث أشعر وكأن سلسلة حديدية تمر عليه.

بحثت عن مكان يحميني من شدة الحرارة، فرأيت مطعماً خلف الورشة" مطعم المهرة" طلبت واحد شاي بدون سكر مع ليمون، لتهدئة ألم الحلق ولوقف شعور السلسلة المزعج.

جلست على الكرسي أحتسي الشاي، وأخذني التفكير إلى مكة المكرمة، حيث عمل رجل بكل تفانٍ وإخلاص ليؤدي حجاج بلادنا مناسكهم بكل سلاسة ويسر، فتحت جوالي لأنصفه بهذه الأحرف وبما يمليه عليّ ضميري لما رأيته.

لأول مرة التقي هذا الرجل، لا أعرفه من قبل، ولا يربطني به أي عمل عدا قراءتي لنشاطاته في نشرة الأخبار، في أول لقاء كان يرتدي معطًفا رسميًا بلون رصاصي فوق ثوبه الناصع البياض، على رأسه شالاً بربطة يمانية، كثيف اللحية لكنها ليست معفية، أجريت معه لقاءًا خاص بُث على الفضائية اليمنية، كان حريصًا على ظهور صورة فخامة الرئيس أعلى مكتبه، لم أُطلعه مسبقًا على اسئلتي، ولم يطلب مني ذلك، أكملت الحوار، ظننت بأنه سيطلب مني وقف بث اللقاء، لكنني تفاجأت لاحقًا بشكره على اسئلتي المباشرة والمركزة والتي قال عنها: إنها تخدم الحجيج وتوضح للناس ما يجري من تأويل للأحاديث والمواقف، بالطبع بعيدًا عن التلميع الذي اعتاد عليه مسؤولو السلطة. 

كان مثالاً للتفاني في خدمة الحجيج، يتجول بين الحجاج مبتسمًا، يقدم لهم المساعدة بكل حب واحترام، يسألهم عن احتياجاتهم، ويبحث عن القصور ليعالجه، يعتذر بكامل احترامه لهم، بفضل الله وبجهوده التي تمتد لعام كامل من حيث التجهيز والتخطيط والتنفيذ، تمكن حجاج بلادنا من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، في جو من الأمان والراحة.

وبينما كنت جالسًا في المطعم، أخذت أتأمل كيف يمكن للتفاني والإخلاص في العمل أن يحدثا فرقًا كبيرًا في حياة الناس.

تذكرت تفاصيل رحلتنا إلى مكة، وكيف كان هذا الرجل دائمًا موجودًا في كل مكان، يعمل بصمت وهدوء، ولكنه كان يترك أثرًا كبيرًا في نفوس الحجاج، رغم تعرضه لحملات تشويه لسمعته ومكانته ومنصبه، لم يكلف نفسه للرد عليهم، كان مُركّزًا على هدفه في انجاح موسم الحج، يقول لنا: أنا هنا بكل الأوقات في مكتبي هذا، لا أغادر إلا للقاءات تهم خدمة الحجاج أو لساعات معدودة للنوم. 

استطلعت بعض الحجاج، عنوةً لعلي أجد أحدهم يتحدث عن مشكلات أو قصور سأنقلها عنهم، سألتهم عن الخدمات التي تقدمها لهم البعثة اليمنية، فكانت اجاباتهم كلها شكر وتعظيم لفريق البعثة، والفيديوهات شاهدة على ذلك. 

لدى الرجل طموح عالٍ وهمة كالجبال في تطوير قطاع الحج والعمرة، وتقديم افضل الخدمات لحجاج ومعتمري اليمن، كان بالفعل الدينامو المحرك للوزارة والبعثة، يبحث عن الأخطاء ليصححها، ويطلب من الآخرين الملاحظات ليعمل بها، يحمل في يديه جهاز صغير دائما يشوش حديثنا معه، لكن تلك المشكلات تصله عبر هذا الجهاز، الذي يوجه من خلاله حل الإشكالية بأسرع وقت ممكن، وانصافًا للرجل فقد بذل جهودًا كبيرة في سبيل راحة الحجيج، ولكن لا يوجد عمل خالص الكمال، والكمال لله الذي لا كمال سواه، وإن كان هناك بعض القصور فيكفي الرجل أنه يسعى جاهدًا في معالجته، مخططًا للعام القادم كي لا تتكرر، ويرحب دائما بالنقد البناء أو أي ملاحظات لأي جانب سلبي. 

بعد فترة، هدأ الألم في حلقي بفضل الشاي والليمون، وشعرت ببعض الراحة، عندما انتهيت من الشاي، عدت إلى الورشة حيث كان المهندس قد أنهى إصلاح السيارة، وهمس لي محذرًا من ارتفاع حرارتها مجددًا أن أذهب بها إلى الميكانيكي، شكرته على عمله وعدت إلى المنزل، وأنا أفكر في تلك الشخصيات الملهمة التي تضيء حياتنا بتفانيها وإخلاصها، تمامًا مثل الدكتور مختار الرباش.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي