من وحي المحاكاة لحركة الــ 13 يونيو التصحيحية!

د. علي العسلي
الخميس ، ١٣ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٢ مساءً

 

هذا اليوم هو تاريخ مميز عند الشعب اليمني ؛ ففيه قامت حركة الــ 13 من يونيو التصحيحية، 1974؛ وفي يومنا هذا، تمّ التواصل بين سكان تعز بعد حرمان دام تسع سنوات.. هذا اليوم، هو يوم "معياري"، كما وصفه المتآلق سامي غالب؛ يوم تاريخي عظيم.. تهانينا وتبريكاتنا بالمناسبتين وعلى الجميع!!

 

ونحن إذ نحتفي بالذكرى الخمسين لحركة الــ 13 من يونيو التصحيحية، فإنه يتوجب علينا لفت نظر وتذكير رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه ، ولو من باب المحاكاة البسيطة للحركة، وأتمنى عليهم إن أرادوا النجاح، التعمق في تفاصيل الحركة وقراراتها ومنجزاتها!

 

وأحب أن أذكر الجميع، بأن حركة الــ 13 من يونيو التصحيحية، ما كان لها أن تحدث، لو كان الوضع لا يستدعي قيامها؛ فهي جاءت في العام 1974 استجابة لتطلعات الشعب اليمني بعد أن حصل انحراف عن مسار أهداف ثورة الساس والعشرين من سبتمبر، 1962.

 

وعلى العموم يمكننا القول أننا في اليمن، اليوم نعيش الجمهورية الرابعة، والتني أتمنى أن تكون هي الجمهورية الخالدة والمستمرة!

 

فالجمهورية الأولى.. (خمس سنوات)؛ امتدت من 1962م إلى 1967م.. وترأس الجمهورية المشير البطل (عبد الله السلال) ، وتخلل تلك المدة حروب وصراع مرير بين الجمهوريين والملكيين في سبيل تثبيت الثورة والجمهورية، وانتهت برحيل المشير (السلال) من السلطة بانقلاب الــ5 من نوفمبر 1967م، في الوقت الذي كان خارج البلد، في زيارة رسمية للعراق.

 

أما الجمهورية الثانية ..(سبع سنوات)، حيث امتدت من الــ 5 نوفمبر، 1967 ولغاية الــ 13 يونيو 1974؛ ترأس المجلس الجمهوري فيها القاضي الرئيس (عبد الرحمن بن يحي الارياني) ؛ ويهذه المدّة وبسبب التسامح من بعض الجمهورين المعتدلين، كما يوصفون-، تغلغل إلى مواقع الأحزاب و الدولة الحساسة الإماميين بثوب جمهوري ؛ وحدث ما كان يخشى منه- ارتداد شبه كامل عن أهداف ثورة الــ 26 سبتمبر.. حيث تمّ افراغ الجمهورية من محتواها ومبتغاها.

إن الاعتدال والحكمة والوسطية عند الجمهوريين المنفتحين إيجابياً آنذاك، انتجوا لنا نصف جمهورية شكلاً، وملكية كاملة مضموناً ؛إذ تم استيعاب واحتواء الملكيين؛ ودائماً ما تكون سياسة الباب المفتوح، هذه نتيجتها.. أحذر.. لا ينفع التكرار مع الإماميين الحوثيين يا قادة الجمهورية الرابعة؛ فالتجريب بالمجرب خطأ!

 

والجمهورية الثالثة..( ثلاث سنوات وأربعة أشهر)؛ أمتدت من 13 يونيو،1974إلى 11 أكتوبر 1977؛ قامت حركة الــ13 يونيو التصحيحية العظيمة ، بقيادة ابن اليمن البار، الشهيد إبراهيم محمد الحمدي.. هذه الجمهورية، هي التي أرادها الشعب اليمني؛ ولذلك نحن نستذكرها باجلال كل عام. ونحن اليوم نحتفي بها في الذكرى الخمسين لها ، ومتمنيين استنساخها .. خمسون عام ولم ولن تمحى من ذاكرة الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل لنجاحها.. لقد لبّت وجسّدت تطلعات وأمنيات كل اليمنيين، وأهداف ثورة الــ 26 من سبتمبر 1962م؛

 

لم تقم هذه الحركة، إلا عندما انتشر الفساد وغيّب الأمن، وعطل الدستور القانون، وأزداد الخوف من القتل، وكثرت التقطّعات ؛ إلا عندما جيوش المنتفعيين المستمصلحيين كانت هي المهييمنة.

 

وبقيام الحركة اختفت العصبيات القبلية والنزاعات الطائفية والثارات والصراعات المسلحة، وتلاشت الوساطات والمحسوبيات والرشاوى، وتحقق الأمن والاستقرار.. فأنتج كل ذلك.. بناء أول دولة حديثة في اليمن وفق الدستور والقانون ، وتحققت التنمية، وأخرجت الطاقات الكامنة للمساهمة في بناء اليمن.. بذلك استطاع الحمدي وإخوانه تفكيك كل التحالفات التي كانت عائقاً لبناء الدولة الحديثة.

 

أما الجمهورية الرابعة..(من 1978ولغاية الآن)، ترأسها (الرئيس علي عبد الله صالح) الأطول حكما من بين رؤساء الجمهورية-؛ إلى أن قامت ضده انتفاضة تحولت الى ثورة الــ 11 من فبراير 2011م أفضت لرحيله من السلطة؛ ثمّ تمت تسوية سياسية سميت بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ،بموجبها انتقلت السلطة الى الرئيس عبدربه منصور هادي؛ إلى تلك النكبة(انقلاب) الــ21 من سبتمبر، 2014، من قبل الحوثيين ؛ والتي لا تزال فصولها مستمرة، ومقاومتها ومقارعتها تحت قيادة الدكتور رشاد العليمي مستمرة..

 

ولكي يتحقق النصر الناجز، فإنني أتمنى على الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه إن أرادوا النجاح في قيادة الجمهورية الرابعة؛ أن يدرسوا بعمق وتفصيل، كل مجريات وقرارات حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية، للاستفادة منها لحل التحديات والمشكلات التي نعيش! 

 

إن واقع اليمن بعد نكبة 21 سبتمبر ؛ هو نفسه الذي كان قبيل قيام حركة الــ13يونيو..

 ولذا أدعو رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه، أن يدعو لعقد مؤتمر شعبي عام يتم التناقش فيه؛ على ما اختلف فيه مما جاء في وثيقة مؤتمر الحوطني الشامل، مؤتمر شعبي عام يفضي إلى توقيع ميثاق وطني وبرنامج سياسي لمدّة انتقالية محدّدة. بغرض تهيئة الظروف والبيئة المناسبة والقانونية اللازمة للإنتقال للدولة الاتحادية المتفق عليها.

 

وأحث كذلك -من وحي المحاكاة- رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه؛ على استكمال هيكلة الجيش والأمن في أقرب الآجال.. فحركة 13 يونيوا حققت كل ذلك النجاح ؛ لأنها أعدّت مؤسستي القوات المسلحة والأمن -كماً وكيفاً-لتكونا أداة وحيدة بيد الشعب بعد أن كانتا صورة من صور التمزق، وميداناً للمنتفعين يتسابقون بهما وعلى حسابهما لمصالحهم الذاتية الضيقة..

 إذ لابد من بناء جيش وطني كأداة طيعة للشعب وحماية مبادئه ومكتسباته .. ولا يمكن تحقيق أي انتصار خارج مؤسستا الجيش والأمن.. لذا.. يتوجب بنائهما لتكونا هما الوحيدتان اللتان تملكان السلاح لحماية السيادة والدستور والقانون وجميع المؤسسات وكل المواطنيين.

 

وأناشد رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه ايضاً- في ظل الأوضاع الانسانية والغذائية والخدماتية المتردية، استحضار التجربة التعاونية الناجحة في فترة حكم الشهيد الحمدي؛ وأطالبهم بإعادة إحيائها وتبنيها؛ وخصوصا ونحن نشاهدها في معظم الأرياف اليمنية حاضرةً في غياب الدولة ومشاريعها الاستثمارية والخدمية..نعم! على مجلس القيادة الرئاسي ان أراد تحقيق نجاح ما؛ القيام بإعادة تنظيم هيئات التعاون الأهلي والتطوير.

 

ومن وحي المحاكاة ايضاً-.. فلا حلّ للمشكلات الاقتصادية، إلا باتباع التخطيط العلمي، بإعداد خطة خمسية لكل البلاد ولكل المناطق فيها "ريفاً وحضراً"؛ فاليمن بحاجة لإعادة الإعمار وتشييد البنى التحتية اللازمة لتنفيذ أي خطة اقتصادية أو تنموية طموحة.. ينبغي تحطيم الفوارق بين اليمنيين وفي مستوىات معيشتهم، إذ لا يجوز هذه الفوارق في سعر العملة وفي التحويلات وفي الرواتب كذلك..أيعقل أن يكون مثلاً- راتب واحد في المناطق المغتصبة، يساوي أربعة رواتب في مناطق سيطرة الشرعية؛ وينبغي في الخطة الخمسية التي ستقر؛ أن تقلص مؤشرات التضخم والبطالة والركود الاقتصادي، وكذا ينبغي أن تستوعب الخطة المقترحة، الصحة والتعليم والثقافة وشتى المجالات.. فالخطة الخمسية ، ليست إلا خطة علمية بدلاً من التخلف والتخبط، على طريق بناء اليمن الجديد.. يفضل إعداد حطة خمسية شاملة؛ تناقش تفاصيلها بمؤتمر دولي يدعى لهذا الغرض. للخروج من التحدي الاقتصادي الذي تواجهه الحكومة، وتحصن الجيل والشباب من تجريف عقولهم بأيدلوجية الكراهية الحوثية .

 

ومن وحي المحاكاة .. يستحسن من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه ؛العمل على إعادة تجربة حركة يونيو التصحيحية ، بتفعيل الرقابة الشعبية ، فأتمنى عليهم إحياء شعار التصحيح المالي والإداري، إذ يتطلب هذا الأمر إنهاء مراكز القوى والشللية من على مستوى المديريات وحتى رئاسة الجمهورية.. فإن لم يتم تبنّي اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري، فعلى الأقل- يمكن تفعيل هيئة مكافحة الفساد مع إدخال بعض التعديلات في هياكلها، بحيث تتضمن الرقابة الشعبية.

 

ومن وحي المحاكاة ؛فإنني كذلك أحث رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه؛ الاستمرار في اصلاح القضاء وتحقيق استقلاله، مع الإهتمام بإنشاء القضاء الاداري.. فمن وحي المحاكاة.. فإن حركة 13 يونيو، كانت قد أعادت تنظيم السلطة القضائية؛ فاستحدثت محاكم نوعية، واهتمت بالنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية.

 

 وأرغب بدعوة رئيس مجلس القيادة الرئاسي وإخوانه ايضاً، بالاهتمام بأمانة رئاسة الجمهورية ، أتمنى عليهم إعادة ترتيب رئاسة الجمهورية بأمانتها العامة بمكاتبها ودوائرها المتخصصة وبانشاء مراكز أبحاث ودراسات متخصصة تتبعها.

 

..إذاً .. ومن وحي محاكاة حركة 13يونيو ؛ فإننا ننتظر من قياداتنا السياسية الكثير .. إذ أتمنى عليهم استلهام ذلك الإرث التاريخي الوطني لمعالجة الحاضر والذهاب للمستقبل بخطط موضوعة علمية، تعالج الاختلالات وتقوم بالتطوير في اطار بناء يمن اتحادي ديمقراطي فيدرالي..

 

والحقيقة أن حركة 13يونيو، جديرة بالاهتمام والاستفادة للخروج مما نحن عليه اليوم؛ تجربة سياسية واقتصادية علمية على أساس جمهوري ديمقراطي تعددي سياسي لا مذهبي أو ديني.

فما أحوجنا اليوم لمثلها للخروج من دائرة التخبط والارتجال والاستبداد والسلالية؟ لننتقل لبناء يمن اتحادي جديد ..

وجمعتكم مباركة وعيد سعيد، وكل عام وانتم بالف خير..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي