سوق سوداء برعاية الصمت..صرافو اليمن سلطة موازية تعبث بالاقتصاد!

لؤي العزعزي
الأحد ، ١١ مايو ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٤٣ مساءً

 

 

في خضم التقلبات العنيفة لسعر الصرف، يبرز سلوك مقلق ومستفز لأغلب الصرافين في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يمتنعون بشكل لافت عن بيع العملات الأجنبية. هذه ليست مجرد حالة فردية، بل هي ظاهرة تتكرر في مختلف أنحاء الجمهورية اليمنية، لتكشف عن استغلال بشع لمعاناة المواطنين وتلاعب خطير باقتصاد البلاد.

فالصرافون، الذين يفترض أن يكونوا جزءًا من النظام المالي لتيسير حركة الأموال، يتحولون في أوقات الأزمات إلى وحوش كاسرة تنهش جيوب اليمنيين. عندما يرتفع سعر الصرف، يسارعون بلا رحمة لرفع الأسعار على المواطن المنهك، الذي يجد نفسه مضطرًا للشراء لتسيير أعماله أو لتلبية احتياجاته الأساسية. أما عندما ينخفض سعر الصرف، فجأة "تنضب" سيولتهم من العملات الأجنبية، وكأنها تبخرت بقدرة قادر!

 

هذا السلوك يطرح تساؤلات حادة حول غياب الرقابة ودور السلطات المعنية. أين هي الجهات المختصة التي يجب أن تحمي المواطنين من هذا الاستغلال الصارخ؟ لماذا تسمح هذه الجهات للصرافين بممارسة هذا الاحتكار المقيت، حيث يفتحون أبواب محلاتهم فقط عندما يكون السوق في صالحهم، ويغلقونها بإحكام عندما يحاول المواطن الاستفادة من انخفاض الأسعار؟ أليس هذا تحايلًا واضحًا على القانون، إن لم يكن مخالفة صريحة له؟

 

إن ما يحدث ليس مجرد جشع فردي، بل يرتقي إلى مستوى التلاعب المنظم. فالصرافون، بتكتلهم ورفضهم البيع إلا بالأسعار التي يحددونها، يتحولون إلى لوبي ضاغط يمارس نفوذه على البنك المركزي ويساهم بشكل مباشر في تدهور قيمة العملة اليمنية. حتى لو فشلت محاولاتهم في الضغط، فإنهم يلجأون إلى سلاح الإحجام عن البيع، ليجبروا السوق في النهاية على الرضوخ لشروطهم.

 

أما بالنسبة للمواطنين الذين يبيعون مدخراتهم من العملات الأجنبية لهؤلاء الصرافين، فإني أجد صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة لوصف موقفهم. كيف يمكن للمرء أن يتعاون مع من يستغله بهذه الطريقة البشعة؟ صحيح أن الحاجة قد تجبر البعض على ذلك، ولكن في المقابل، هناك من يبيع طمعًا في تحقيق ربح سريع، دون إدراك أنه بذلك يساهم في تعميق الأزمة وإلحاق الضرر بالجميع.

ولكي نفهم حجم التلاعب، يكفي أن يحاول أي شخص شراء عملة أجنبية من هؤلاء الصرافين. سيجد أنهم مستعدون لشراء أي مبلغ، لكنهم يرفضون البيع رفضًا قاطعًا، حتى لو كان السعر هو السعر القديم قبل الارتفاع الأخير. إنها معادلة عبثية تكشف عن الهدف الحقيقي وهو الاحتكار والمضاربة غير المشروعة.

 

ختامًا، يجب أن ندرك أن التهافت على شراء العملات الأجنبية بكميات كبيرة بدافع الخوف أو الطمع يساهم بشكل مباشر في تضخيم الأزمة وزيادة الطلب المصطنع، مما يؤدي في النهاية إلى مزيد من الانخفاض في قيمة العملة اليمنية. إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع: السلطات التي يجب أن تفرض رقابة صارمة وتضرب بيد من حديد على المتلاعبين، والمواطنين الذين يجب أن يكونوا أكثر وعيًا بمخاطر التعامل مع هؤلاء الصرافين في أوقات الأزمات، وأن يتجنبوا المضاربة التي تزيد الطين بلة. أما الصرافون الذين يستغلون حاجة الناس، فعليهم أن يدركوا أنهم ليسوا مجرد تجار عملة، بل هم جزء من نسيج هذا المجتمع الذي يعاني، وأن جشعهم هذا لن يدوم وسيحاسبون عليه يومًا ما. لقد تحولوا بالفعل إلى "مصاصي دماء" ينهكون جسد اليمن المريض، فمتى سيتم وضع حد لهذا الاستنزاف؟

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي