الساحة السياسية اليمنية بكل تمظهراتها ، لا تعبر عن الطموحات ، التي يصبو إليها المواطن اليمني ، ولا تعالج مشكلاته ، والأدهى والأمر بل والأخطر هو إسقاط القضايا الوطنية إسقاطا سياسيا براجماتيا بمعيارية حزبية أو مناطقية أو قبلية ، وفق تمازج غريب بين دوائر (الحزب - المنطقة - القبيلة _العشيرة) ، وبين العمل السياسي ، الذي من ابجدياته الانفتاح والمرونة ، وذلك بغية تحصين مكاسب تلك الدوائر وكحاضن وعاضد لكل ترهل ووهن في أجهزة السلطة أو أجهزة المعارضة ، وتبرير للتناقض الأخلاقي والوطني بين الغايات المزعوم وطنيتها ووسائل الوصول إليها .
منذ ثورة سبتمبر ١٩٦٢م وأكتوبر ١٩٦٣م حتى اللحظة الراهنة المستقرئ للتحولات السياسية اليمنية ، يخلص لحقيقة مفادها أن من وأد تحقيق الأهداف الوطنية لتلكم التحولات ، هو ما يمكن أن نطلق عليه الحلف ( العسقبلي ) المكون من تحالف القبيلة والعسكر ، والذي تغول على المشهد السياسي والثوري أيضا ، واستغل ضعف الحاضن السياسي الوطني ، وقدم نفسه بتركيبة سياسية تتبنى مطالب الجماهير شكلا ، لكنها في الواقع امسكت بزمام السلطة ومفاصلها وأدارت ظهرها لتلك المطالب .
في المرحلة الراهنة تتصدر الإثنية المشهد السياسي اليمني ؛ إثنية سياسية مناطقية ، ذات امتدادات إثنية إقليمية من لوازمها تعدد الأقنعة وتبادل الأدوار .
لن يرى المشهد السياسي في اليمن عافيته إلا بإزاحة الكنتونات السياسية ، المعلبة في مصنع القبيلة أو المنطقة أو الأيدلوجيات ، المدعومة من الفواعل الإقليميين أو الدوليين ، والمغردة خارج سرب القضايا الوطنية ، في مقدمتها بناء مؤسسات الدولة الوطنية ، وإرساء الاستقرار السياسي والتنمية والعدالة الاقتصادية والمواطنة المتساوية .
-->