ينتجون المعرفة ونحن المنسف والزربيان والكبسة!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الثلاثاء ، ٢٢ مارس ٢٠٢٢ الساعة ٠٥:٠٤ مساءً

 

مع بداية الاسبوع هنا كل يوم اثنين يصلني تقرير من وعاء "رسيرش جيت" للابحاث العلمية حول مقالاتي العلمية عندهم. في البيانات اجد كم عدد الاشخاص، الذين يطلعون على مقالاتي هناك، ومن اي البلدان في العالم والجامعات وغير ذلك، واجد البيانات تعكس ما افكر به دائما، لماذا نحن عاجزون في المنطقة العربية برغم الفرص ووجود المعلومة امامنا دون مقابل ؟ ولنذهب اولا الى ماورد امامي في البيانات في وعاء "رسيرش جيت"، فاجد ان هناك اكثر من91 الف باحث في العالم دخل على مقالاتي خلال سنوات نشر هذا الوعاء، وسوف اعتبر ذلك عدد جيد لبناء بقية الفكرة هنا ومؤشر سريع لأهمية العلوم التطبيقية والتقنية، ولا اتحدث عن اوعياء اخرى.

انا انظر الى ان الباحثين في صفحتي كمثال، واقول مثال ليس استثناء، وانما يمكن توسعه وتعميمه، هم من الغرب والشرق يعكسون دلة احتمالات لتوزيع الطبيعي في 8 اسابيع كمقياس. الدول الصناعية اخذوا نصيب الاسد في الاعداد لتوزيع الطبيعي في صفحتي وسوف تنطبق على بقية الصفحات لغيري، بينما العالم العربي يكاد يكن منعدم برغم انه به 437 مليون نسمة. وبرغم ان عدد الجامعات ليست قليلة، ففي اليمن -واقول اليمن- كحالة فريدة يوجد جامعات اكثر من الجامعات في اسرائيل بمرات عدة. لكن من اليمن دخل فقط 3 اشخاص في ال 8 اسابيع الاخيرة بينما من اسرائيل 30 شخص في نفس الفترة. اعرف ان الجامعات اليمنية حالتهم حالة وايضا الكادر، لكن نحن نتحدث عن تعليم هنا، ولايجب ان نستثني اليمن في حالة التدافع والمنافسة، ومن مدينة هونج كونج 92 شخص، وهي عشر مساحة تعز اي بحجم مديرية. ومن اوكرانيا التي تعيش حرب مدمرة وفي جميع مناطقها دخل 30 شخص في الاسابيع الاخيرة بينما من المملكة العربية السعودية 20 شخص برغم الاستقرار والقدرات المالية.

ولو نظرنا لجمهورية مصر، واقول مصر في صفحتي، فلن اجد الا 39 شخص في 8 اسابيع اطلعوا على ابحاثي كمثال، وهي دولة وبها 102 مليون شخص، بينما كوريا الجنوبية ضعف ذلك العدد في صفحتي في الاسابيع الاخيرة، وهي اصلا نصف عدد سكان مصر. وعندما انظر لتوزيع الاحتمالي الطبيعي، فاجد ان من الدول الصناعية الاولى في العالم، مثل المانيا اكثر من 445 باحث دخل خلال 8 اسابيع لصفحتي، ومن امريكا اكثر من 350 شخص، ومن الدول الصاعدة، مثل الهند اكثر من 300 شخص والصين اكثر من 300 ايضا ومن البرازيل 165، ومن فرنسا 95 وبريطانيا 90 وهكذا.

التوزيع البياني امامي يعكس ميزان "بوضوح" ليس لصالح العرب في البحث العلمي والتعليم اقلها في مجالي وعلى ثقة ان الامر لن يختلف في مجالات اخرى ، وهذا يجعلني اعود بالذاكرة الى بداية حياتي هنا فقد كان الطلاب العرب في الجامعة هم السواد الاعظم بين الاجانب واليوم لانجد الا الهند والصين والباكستان، معنى ذلك اهمال الابتعاث والتعليم، وانتشر الفقر داخل المجتمع العربي بسبب الصراعات، وعدم وجود سياسة واضحة للتعليم. فارتفاع الاعداد من الهند يعود لاسباب ليس عدد السكان فقط، وانما الاستقرار، وتحسن مستوى الاسرة، وسياسة نقل المعرفة، والتي تبدأ بالشغف.

اذا نفهم هنا ان الشغف للمعرفة لتقليص الفجوة من الغرب اول خطوة لم نقم بها وقام بها غيرنا. فالهند تنتهج منذ 3 عقود ثقافة الشغف لنشر المعرفة، وهذا يتمثل مثلا في مؤشر رفع عدد الصحف اليومية وعدد الكتب المنشورة لكل مليون شخص، واسعار الانترنت، بينما نحن في منطقتنا العربية ينقصنا الشغف للمعرفة والقدرة على نشر المعرفة، وهذا انعكس على المجتمع والاسرة ككوارث.

وعند النظر الى ارتفاع الاعداد في الدول الصناعية "في صفحتي" لما ينشر منا في المانيا، فلا استغرب ان عدد من يطلع من مصر اقل بكثير من كوريا، وهونج كونج وتايوان، واسرائيل، والسبب اهملنا ايضا تطبيق المعرفة ويمكن نجد ان انتشار المصانع التقنية، والورش الفنية اقل بكثير عن اسرائيل، ولم اقل كوريا، او هونج كونج، وان دعم مشاريع ال "ستارت اب" التقنية للشباب غير موجودة اصلا، ولذا لايجد الشباب المصري اهمية للاطلاع على ابحاث في علوم تقنية تطبيقية الى اليوم. وايضا عدد انتشار جامعات العلوم التطبيقية والفنية، وربطها بالمجتمع يكاد لايذكر مقارنة بكوريا الجنوبية، التي دفعت ابنائه للعلوم التقنية واصبحوا 71 في المائة من العدد الاجمالي للطلاب. وايضا نسبة صادرات المنتجات التقنية إلى الصادرات الإجمالية لدولة مثل مصر لازال مخجل. بمعني ينقصنا في المنطقة العربية "القدرة على تطبيق المعرفة" وهذا ما اجده بقلة المطلعين للابحاث اقلها بصفحتي.

وعندما ذكرت ان عدد الباحثين في المملكة لايتجاوز في صفحتي 30 شخص في 8 اسابيع، فهذا يعكس الوضع في دولة رفعت شعار توطين المعرفة من عقدين، لكنها لم تنجح. نظرت للمملكة كونها تعتبر قارة، وتنفق مايقارب 1 في المائة من دخلها القومي للمعرفة، لكن لم يحدث اثر. ايضا لايوجد في العالم العربي بأكمله الا اقل من 70 وان كثر في احصائيات اخرى 100 الف باحث متفرغ ل 440 مليون نسمة تقريبا، بينما في المانيا 480 الف عالم وباحث يوجدون في الجامعات ل 83 مليون نسمة، ولم اتحدث عن الشركات ولا التقنين، والتي تمتلك جيش من الباحثين. وهنا نجد ان منطقتنا ينقصها "القدرة على انتاج المعرفة"، وعرفنا، لماذا نحن عاجزون ولايطلع احد في المنطقة العربية على الابحاث التقنية؟. لذا طبيعي ان سكان العالم العربي في "التيك توك" وبقية العالم في مراكز العمل والبحث.

ايضا لو نظرنا لعالمنا العربي نجد اهمال للتعليم الفني والمهني، بينما كوريا والمانيا جعلت ذلك اساس للوظيفة، لذا ارقامنا تقول يوجد 100 وحتى وان قلنا 1000 تقني لكل مليون عربي -وصحيح الاحصائيات تتحدث عن رقم مخجل لايتجاوز 60 لكن اشك بهذا الرقم - بينما في العالم الغربي يوجد متوسط 10 الف تقني لكل مليون، اي بمعدل 10 لكل الف، وفي اسرائيل تصل الى 17 الف تقني لكل مليون شخص، ولذا طبيعي تكن اسرائيل دولة تنتج المعرفة في محيط حولها ينتجون "المنسف والزبيان والكبسة"، واذا ابدعوا فلن نجد ذلك الا في "المبرومة والبقلاوة".

ومختصر الامر نحن مجتمعات ليس لديها "شغف على المعرفة ولذا لاتنشر ذلك " ولا "تطبقها" ولاتسعى "لتوطينها" ولا "تنتجها" مما يعيق التحول نحو المجتمع المعرفي الذي يعنى بامتلاك أدوات التكنولوجيا والعصر. احدكم سوف يقول دعنا نبدأ دون جلد الذات، فكيف؟

وهنا اقول بالمختصر كما غيرنا يطمح، ويعمل فاننا نقول ايضا، ان إنشاء وتطوير الأطر الأساسية لبناء قواعد بحثيه مع إيجاد الآليات لتطوير وإعادة النظر في مناهج ونظم التعليم الاساسي والثانوي والفني والجامعي والبحث العلمي والبنية الاساسية مسلمة لانقاش حول ذلك، إلى جانب إدخال مفاهيم جديدة في التخطيط الاستراتيجي لتطوير المناهج والكادر وللمشاريع البحثية والصناعية الوطنية. فتوطين المعرفة وإعادة إنتاجها هو ماينبغي السعي إليه والعمل لبلوغه خلال وقت معقول غير ذلك لن يبقى لنا مكان كعرب نشغل انفسنا الا في الماضي والتيك توك، ننتج في حالة الاستقرار "المنسف والزبيان والكبسة"، وابداعنا لن نجده الا في "المبرومة والبقلاوة" ونترك الانتاج المعرفي لغيرنا.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي