ثقافة دولة بين قال لي قلت له !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاثنين ، ٣٠ اكتوبر ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:١٣ مساءً

 

اليوم عيد الوحدة الالمانية واجدهم كمجتمع ودولة يعملون كعقارب الساعة وبشكل مذهل، ولذا تتكدس الثروة والتنمية والمعرفة لديهم وتتحول بلدهم إلى مغناطيس يجذب استثمار وعقول وبشر، لانهم يعالجون مشاكلهم بشكل علمي وهندسي وحقيقي برغم ان مشاكلهم فلكية تحتاج استخدام افضل ماينتجه العقل البشري من ابداع من حيث الارقام، بينما مشاكلنا بسيطة يكفي حتى قرد ان يفهمها، مما يحولها مع مرور الوقت لكوارث تتمدد لاسيما وهناك كوارث امامنا في اليمن تكبر كل يوم اكثر، دون ان نفكر بالتعامل معهن بشكل حقيقي. 

اول كارثة انظر اليها ومن سنوات قبل الحرب عدد موظفي جهاز الدولة المدني والعسكري الغير مؤهل اصلا، الذي كان لموازنة الدولة هم كبير بجانب دعم المشتقات وخدمة الدين العام. فقبل الحرب كان لابد من التوجه لتقليل الانفاق الحكومي وتقليص وظائف قطاعات الدولة وتحريك القطاع الخاص لنمنع الانهيار وصراع السلطة والسيطرة على مقدراتها لمجموعة بسيطة لكن دون مشروع فاخفقنا. كان معنا في ٢٠١٤ في القطاعين العام المدني والعسكري مليون ومائتي ألف موزعين على ١٤٥٠ دائرة ومؤسسة حكومية تقريبا. وبرغم ان هذا هذا العدد ارتفع ثلاث اضعاف في ١٢ سنة اي من ٤٣٦ الف موظف ولم يرتفع وتيرة عمال القطاع الخاص بنفس الوتيرة الا ان المشكلة لم تكون معقدة لاسيما وهناك وظائف وهمية كان يمكن ان تقلل من العدد، الحديث عن٦٠ الى ٩٠ الف وظيفة وهمية هنا.

 بعد الحرب مشكلتنا لم تعود المليون والمائتي ألف موظف، وانما الزيادة الكبيرة في التوظيف عند سلطة صنعاء وعند الشرعية وعند الانتقالي، و الذين صاروا قنبلة موقتة لا بد من معالجة وضعهم في اي صيغة لحل او سوف نظل دولة هشة ومرتهنة، هذا اذا كنا نطمح ان تعود اليمن مستقرة. لكن لا انكركم ان هناك عوائق كثيرة، اقلها ان الدولة لو انتهت الحرب بشكل رسمي، لن نستطيع حمل الا ١٠٠ الى ٢٠٠ الف موظف زيادة على ماكان معنا قبل ٢٠١٤، هذا بشرط وجود دعم من الخليج والمملكة. فالشرعية تتحدث عن تجنيد ٢٠٠ الف جندي، وحتى لو كان من باب المغالاة والانتقالي يتحدث عن ٩٠ الف، او حتى الربع منهم وسلطة  صنعاء ليست اقل حال، وحراس الجمهورية في الساحل يتحدثون عن ٣٥ الف ورغم شكوك الارقام وصحتها الا ان الواضح ان التجنيد والشهداء والوظائف ادوات مشتركة بين جميع الاطراف في الساحة ترهق ميلاد اي دولة قادمة لاسيما ومعايير الوظيفة من قدرات وكفاءات لن نجدها. هذا الامر يجعل البلد امام مشكلة معقدة متراكمة، تتداخل مع مشاكل كثيرة تعيق الاستقرار وتجعل البلد بيئة خصبة للصراع قادمة كونها مرتبط بلقمة عيش وليس بقيم ومبادئ، مما يدفع الى ظاهرة البلطجة والتقطعات و استمرار المليشيات والعمالة والابتزاز، واقلها يظهر وقتها ثقافة تقاسم مفاصل شبه الدولة فهذا يشتي وزراء من فصيله ومحافظات له، والاخرين لن يكونوا في طلبهم اقل منه والسبب لايوجد مشروع بناء يمن حقيقي يفجر طاقات المجتمع في التنمية. 

المشكلة الثانية اعادة الاعمار، وهذه اشكالية معقدة لاسيما والجميع من الحكومة اليمنية والسلطات المنتشرة تفهم ذلك باعادة التعمير بمفهومه البسيط، وليس بانشاء تنمية مجتمعية جديدة بفكر جديد تهدف الى تحريك طاقات المجتمع وتمتص البطالة. وهذا المحور يحتاج تفصيل بمنشور لحاله، كون حتى المملكة أنشئت مكاتب اعمار خاص بها لكنها تنهج نفس نهج حبات الاسبرين، ولذا لم نجد تنمية حصلت، وانما اهدار للنفقات والاموال. واعطي هنا مثالين، المملكة تتحدث في تصاريحها عن اكثر من ٢٠ مليار دولار انفقت لليمن والبنك الدولي في صفحته يتحدث عن ٤ مليار دولار والداعمين في خطط الاستجابة عن مليارات، لكن لم نجد لذلك اثر تنموي حقيقي ولازلنا نستجدي، وحال المجتمع من سيء الى اسوء، والسبب لانمتلك مشروع اعمار وانما مشاريع استرزاق، نلف وندور على المانح، ونتاجر بمعاناة الشعب اليمني، والدليل ٤ الى ٨ مليار دولار يمكن تحدث ثورة تنموية في اليمن، اذا انفقت صح، بعدها لانحتاج احد، فكيف عند الحديث عن ٢٠ مليار مثلا، وقد بينت ذلك، ان كمية الانفاق ليس شرط لحدوث تنمية، وانما كيفية الانفاق كاخصاب للتنمية. 

المشكلة الثالثة ايرادات الدولة توقفت او يتم نهبها بشكل غير علني، وايضا خارج منظومة الحسابات والرقابة، او اقلها قلت من النفط والغاز والكهرباء والضرائب والجمارك وغيرها، ناهكم عن تفكك جهاز ادارة الدولة ما بين سلطة صنعاء وسلطة في عدن وشرعية لا نعرف لها مقر، مما يعني ان الامر يتطلب سرعة عمل مؤسساتي، اشك ان يتوفر خارج الادارات في صنعاء، والدليل ان البنك والنظام المصرفي في مناطق الشرعية لازال معاق في المعاملات الدولية، وحتى حركة التنمية لم تظهر غير البسط على اراضي الناس وظهور بلطجة مستغلة الانفلات، مما يهجر  عقول ومال وفرص الى الجوار. 

المشكلة الرابعة، الدعم الخارجي يقتضي وضوح رؤية للحكومة وخطة مبوبة وسياسة مستقرة واستراتجيات تنموية واضحة، وهذه ايضا لا تشتغل الدولة به بهذه المرحلة، كون كمية العك والمعارك الجانبية استنزفت الوقت ووضوح العمل وانجازه. فجميع اعضاء الحكومة اقلها منتظرين لمعجزة تنزل من السماء او مشغولين بتوزيع المرتبات او توظيف اقربائهم او حضور الفعاليات او متابعة الفيس بوك معنا. 

المشكلة الخامسة، وهي فوائد القروض، التي تدفعها الحكومة اليمنية للبنوك المحلية، والتي كانت مقدرة ب ٤١٥ مليار ريال، والتي ارتفعت الى الان و هذا يعني ان هناك التزامات من ٢٠١٤ لم تدفع، اي نتحدث اقلها عن ١٠٠٠ مليار ريال وايضا فوائد القروض الخارجية وسوء التصنيف الائتماني للقروض المستقبلية.  وهناك المشكلة السادسة المغترب اليمني، وكيف يمكن الاستفادة منه، والذي لم تعيره الحكومة اي اهتمام، مما جعلنا نفقد اهم ركيزة قادمة للاستثمار عبر قوة المغترب، والسابعة البنية التحتية والثامنة سياسة الانفتاح والاستقطاب، ولكم ان تواصلوا العد، التي يتضاعفين كل يوم اكثر وسبق وقلت لكم الحروب علمت البشر ان كل شهر حرب يحتاج الى سنة لمعالجة مخلفاتها في المجتمع، اما في اليمن نحتاج عقد من الزمن، لان الكل يعيق ايجاد حل ويحسن المكر. 

اليوم لي ٣٣ سنة في المانيا، ولم تمر علينا سنة الا واجد المانيا في مكان افضل لانهم يحلون مشكلهم بشكل محترف، فدخلهم ارتفع من ١٣٠٠ مليار يورو تقريبا في عام ١٩٩٠ الى اكثر من ٤٠٢٢ مليار يورو في نهاية ٢٠٢٢ ، ونحن عكس لم نجد قيمة شحنة ٤٠ الف طن قمح كمساعدة لايكلفنا حتى ٤ مليون دولار، وفوق ذلك تجد المسؤول اليمني لايخجل ويتفلسف، وهم افشل البشر. 

وفي الاخير هناك حكاية وردت عن وزير خارجية اليمن الأصنج يقول "من المواقف المحرجة جدًّا التي تعرضت لها عندما كنت وزير خارجية في عام 1979م : وردتني شكوى من المؤسسة الاقتصادية تقول أن القمح المستورد من ألمانيا غير  صالح، فاستدعيت السفير الألماني وبعد حضوره تكلمت معه حول موضوع القمح مُنتهي الصلاحية، ولاحظت برودًا على وجه السفير فغضبت وازددت في التوبيخ له وهو جامد لا يرد بكلمة واحدة، وبعد أن انتهيت قال لي: هل انتهيت يا سيادة الوزير ؟ قلت: نعم، قال: أنتم في اليمن لديكم موسم الزراعة على مدار العام ونحن في بلادنا ليس لدينا موسماً للزراعة غير ثلاثة إلى أربعة أشهر فقط، وباقي العام ثلوج لا نستطيع أن نزرع فيها ومع ذلك تبرعت لكم ألمانيا بالقمح وعندما وصلت الباخرة إلى ميناء الحديدة ظلّت في الميناء ما يُقارب الشهر ولم يتم تنزيل الحمولة ووصلتنا شكوى وخاطبناكم ولم يتم الرد فاضطُرَّت السفارة أن تستأجر من ينزل الحمولة من ظهر السفينة وبعد ذلك ظلَّ القمح مُلقى على رصيف الميناء  تسعة أشهر وتعرَّض للمطر والشمس والرطوبة وعندما علمت السفارة بذلك استأجرنا شاحنات ونقلناه إلى مستودعات المؤسسة الاقتصادية وظل لديهم ما يقارب سنة كاملة وبعد ذلك بدل أن يوزعوه على المحتاجين قاموا ببيعه . خرج السفير من مكتب الوزير وعلى قولة الوزير "وأنا أتصبَّب عرقًا في يومٍ باردٍ من أيام شهر يناير". 

هذا هو حالنا لليوم اننا نتفلسف كدولة ونبني نقاشنا وخططنا ليس على مؤشرات، وانما ثقافة قال لي قلت له، لذا لانجد حل ولم نجد حل لليوم، ونستغرب وقتها لماذا ننتكس كل فترة وفترة واين الخلل.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي