في اليمن، نمتلك اليوم قدرات شابة مذهلة في مجال الدراما التلفزيونية، وتتحسن جودتها عامًا بعد عام. لم تعد الدراما اليمنية تعاني من كوارث الإنتاج كما كان في الماضي؛ بل أصبحت تخطو بثقة نحو الاحترافية والإبداع برغم شحة المال والامكانيات. ومع هذا التطور، يمكن للدراما اليمنية أن تنافس بقوة على الساحة العربية خلال السنوات القادمة، شريطة التركيز على التفاصيل الدقيقة مثل اللغة والحوار والإيماءات، والاهتمام بالمظهر البصري ومخاطبة العقل والوجدان. فهذه العناصر هي التي تعكس الإتقان والاحترافية، وهي التي ستسهم في تقديم صورة حضارية وفنية وثقافية عن اليمن.
من الضروري أن تبدأ الدراما اليمنية بغزو الساحة الداخلية أولًا، وأن تعمل على إعادة برمجة المجتمع بالقيم والمبادئ والكفاح والاجتهاد وحب اليمن والدفاع عن القانون ومفهوم الدولة ونبذ الفساد واللف والدوران والعادات المريضة. عليها ان تجسد الانسان اليمني متزن غير متذبذب يؤمن باليمن والقيم كما نريدها لايمكن كسره . حينها، ستكون قادرة على غزو الشاشات العربية لتعبر عن مكانة اليمن كحضارة عريقة وثقافة غنية وفن عميق وتراث أصيل وشهامة لا تُضاهى، بالإضافة إلى تسليط الضوء على اليمن كوجهة سياحية مميزة. يجب أن يخرج "المارد اليمني" من قمقمه ولا يقف عند محطة أو نقطة معينة، بل عليه أن يتطلع دائمًا إلى آفاق جديدة.
اليوم، لم يعد كافيًا أن تكون الدراما اليمنية موجهة فقط للجمهور المحلي وفي رمضان. يجب أن نفكر في كيفية ترك بصمة واضحة داخل المجتمع وعلى المستوى العربي، وكيف نسوق بلدنا حضاريًا وثقافيًا، بدلاً من الوقوف دائمًا عند دائرة الشكوى والنقد السلبي لواقعنا وتصوير ان اليمني يعيش خارج المجرى بنهجه وسلوكه.
من وجهة نظري الشخصية، أعتبر مسلسلي "الجمالية" و"درة" من أفضل الأعمال الدرامية اليمنية لهذا العام، سواء من حيث القصة أو الأداء أو الإخراج. لقد كان أداء الجميع فيهما رائعًا ومليئًا بالوعود، مما يجعلني أؤمن بأن هناك جيلًا يمنيًا جديدًا يشق طريقه بقوة نحو الشاشات العربية. وإذا ما تم صقل مهارات هذا الجيل ودعمه، فإن اليمن، التي تُعد أرض العجائب والفن والتراث، سيكون لها شأن كبير؛ فأرضنا مليئة بالحكايات التي تستحق أن تُروى، وفي كل قرية لدينا آلاف القصص والطلاسم والكفاح التي تنتظر أن تُكتشف.
-->