في الآونة الأخيرة، لوحظ هدوء ميداني من قبل جماعة الحوثي، رغم اشتداد القتال بين الكيان الصهيوني وحزب الله رأس الحربة لمحور المقاومة، يقابله نشاط إعلامي مكثف يشمل التحدي والتحشيد، وإطلاق تهديدات بالسير على الأقدام نحو الحديدة بحجة التصدي لما وصفوه باحتلال أمريكي محتمل لها.
ورغم هذا الهدوء الميداني، يزعم الحوثيون استمرارهم في العمليات العسكرية ضد "الكيان الصهيوني"، مدعين أنهم استهدفوا مؤخرًا هدفًا حيويًا في "يافا"، وهو ما نفاه الجيش الصهيوني.
فما هي أسباب هذا الهدوء؟ وما دلالاته؟
يمكن تفسيره بعدة عوامل متشابكة، نوضحها كالآتي:
الأسباب المحتملة للهدوء الحوثي:
1. التحضير لتصعيد عسكري داخل اليمن:
قد يكون الهدوء جزءًا من استعداد الحوثيين لتحركات عسكرية جديدة، سواء من خلال إعادة التموضع في جبهات القتال الحالية أو فتح جبهات جديدة. يهدف ذلك إلى تحقيق مكاسب ميدانية أو الضغط لفرض شروط سياسية في أي مفاوضات قادمة. الشرعية متيقظة لمثل هذا الاحتمال وتحاول الاستعداد لمواجهته.
2. التكتيك العسكري وإعادة التموضع لتفادي الرصد:
يمكن أن يكون الهدوء مرحلة للتحضير لنقل وإعادة انتشار القوات، تجنبًا للرصد الجوي والاستخباراتي.
في هذا السياق، فإن تهديد الجماعة بالتحرك بريًا في فلسطين المحتلة قد يكون لخلق ضغط سياسي على أطراف الصراع، حتى وإن كان التحرك الفعلي قد لا يكون محتملًا.
3. الضغوط الدولية والمفاوضات السياسية المحتملة:
تزايد الضغوط الأمريكية والبريطانية لتقليص قدرات الحوثيين، خاصة مع وجود قوات أمريكية وتعزيزات عسكرية في المنطقة، قد دفع الجماعة لتخفيف التصعيد. هذه التحركات العسكرية تقلل من حرية الحوثيين في تنفيذ تهديداتهم، بينما تُعد فترة الهدوء فرصةً لخلق انطباع إيجابي بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية.
4. التوجيهات الإيرانية لتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة:
قد تكون هناك توجيهات من إيران لتفادي تصعيد غير مرغوب مع الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. الهدوء قد يكون خطوة احترازية للحفاظ على المصالح الاستراتيجية لإيران في المنطقة، حيث إن أي تصعيد قد يقود إلى رد فعل أمريكي عنيف. وهذا الاحتمال وارد خصوصًا بعد رد الكيان الصهيوني على ايران بشكل تناسبي لا يؤدي إلى حرب إقليمية، وفقًا لما تشتهيه الإدارة الأمريكية الحالية.
5. الحذر من عمليات استهداف القيادات:
قد يسعى الحوثيون إلى تجنب التحركات الميدانية المكشوفة بهدف تفادي استهداف قادتهم، كما حدث في عمليات اغتيال سابقة لقادة بارزين في إيران ولبنان وغزة.
استغلال الهدوء الحوثي لتعزيز التسوية السياسية:
بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء الهدوء، يمكن اعتباره فرصة لتعزيز التسوية السلمية. ولتحقيق ذلك، يتعين على الأطراف الدبلوماسية، خاصةً الأمم المتحدة وسلطنة عُمان، تكثيف الجهود لتهيئة الأجواء وخلق أرضية للحوار. يمكن اتباع الخطوات التالية لتحقيق هذا الهدف:
1. تعزيز عزل الحوثيين دبلوماسيًا: ينبغي على الحكومة الشرعية العمل على محاصرة الحوثيين دبلوماسيًا عبر التنسيق مع الحلفاء الدوليين لتأكيد عزلة الجماعة. يتطلب ذلك تعزيز التواصل مع روسيا لضمان عدم تقديمها دعمًا معلوماتيًا أو استخباراتيًا للحوثيين، وشكرها على مواقفها في مجلس الأمن والتصويت على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
2. تفعيل الدبلوماسية المتعددة الأطراف لإعلان اليمن منطقة "حياد إقليمي" : على الدبلوماسية اليمنية تعزيز الحوار الإقليمي من خلال مبادرة لإعلان اليمن منطقة حياد، بحيث يتم الاتفاق على عدم استخدام الأراضي اليمنية كساحة للصراعات بين القوى الكبرى ودول الاقليم. يمكن دعم هذه المبادرة بضمانات دولية بقيادة الأمم المتحدة. إعلان اليمن كدولة حياد إقليمي يمكن أن يكون خطوة استراتيجية لوقف التدخلات الخارجية. تعزيز هذا المفهوم يتطلب تفاهمات إقليمية ودولية تضمن احترام سيادة اليمن.
مقترحات لتجنب انزلاق اليمن في الصراع الإقليمي:
1. تفعيل الحوار الوطني وتشكيل حكومة توافقية: الدفع نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الأطراف السياسية، بما في ذلك الحوثيين، لتحقيق الاستقرار ومعالجة القضايا العالقة. قد يسهم إشراك الحوثيين في الحلول السياسية في إنهاء العنف واحتواء الأزمات.
2. إعادة هيكلة القوات المسلحة وبرامج إعادة التأهيل: ينبغي العمل على تأسيس جيش وطني موحد يكون ولاؤه لليمن فقط، وتقليل الاعتماد على الدعم العسكري الخارجي. يتضمن ذلك دمج المقاتلين السابقين وإعادة تأهيلهم وتوفير فرص اقتصادية لمن لا تنطبق عليه شروط الجندية.
3. أولوية التنمية الاقتصادية وتحقيق الإعمار: الاتفاق على حلول عاجلة لوقف تدهور العملة وتوحيد السياسة النقدية، ومن ثم إطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية، يتطلب دعماً دولياً ومشاركة فاعلة من القطاع الخاص المحلي.
4. توسيع الحوار الثقافي والمجتمعي لتعزيز الهوية الوطنية: تكثيف الجهود لتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، بعيدًا عن الانقسامات الطائفية. دور المجتمع المدني والنخب الثقافية ضروري لتعزيز الوعي بأهمية الابتعاد عن الاصطفاف الخارجي.
5. اتفاقيات الدول الشاطئية لحماية الملاحة في البحر الأحمر: يمكن للدول الشاطئية، بما في ذلك اليمن، الاتفاق على آلية لحماية الملاحة البحرية وحقوقهم السيادية في الممرات البحرية.
6. الدعوة لمؤتمر إقليمي لحل الأزمة اليمنية: تنظيم مؤتمر إقليمي يضم الأطراف المعنية بالأزمة، كالسعودية وعُمان والإمارات، بالإضافة إلى إيران، لبحث إنهاء الحرب واستعادة الدولة.
7. إطلاق مبادرة "صفقة إنقاذ وطني": تتضمن هذه المبادرة بناء توافق سياسي واقتصادي قائم على تقاسم السلطة لفترة انتقالية، مع معالجة الملفات الاقتصادية والإنسانية بشكل متكامل.
في الختام: يمكن أن يكون الهدوء الحوثي الحالي خطوة إيجابية للبناء عليها لتعزيز الحلول السلمية، بشرط توفر إرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية لتحويل هذا الهدوء إلى فرصة لدعم العملية السياسية بدلاً من استغلاله لأغراض عسكرية. الهدوء الإيجابي دائماً مطلوب ومرغوب.
-->