في مثل هذا اليوم من عام 2022، وُلد مجلس القيادة الرئاسي اليمني من رحم الشرعية اليمنية، وبرعاية خليجية، ومن صميم الحاجة لإنقاذ وطنٍ ممزق، ودولةٍ استولى عليها "المشرفون الحوثيون"، واقتصادٍ يترنّح تحت وطأة انقلاب الحوثي، وحربه العبثية ضد الشعب اليمني، وما رافقها من انقسامٍ مؤلمٍ وتخندقٍ سياسي.
فجاء التشكيل آنذاك بدافعٍ إقليمي، ورعايةٍ خليجيةٍ كاملة، وتفويضٍ رسمي، من خلال إعلان نقل السلطة الذي أصدره الرئيس الشرعي السابق عبدربه منصور هادي، في محاولة لخلق نقطة تحول نحو إنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، وبناء سلامٍ عادلٍ ومستدام، ويمنٍ جديدٍ يتسع لجميع أبنائه.
ومنذ اللحظة الأولى، تعهّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي – مرارًا وتكرارًا – بالوفاء بـ"الالتزامات الحتمية" تجاه الشعب، وعلى رأسها: تحقيق الاستقرار الاقتصادي، صرف الرواتب، تحسين الخدمات، واستعادة ثقة المواطن بدولته.
لكن... بعد مرور ثلاث سنوات، ما زالت المسافة بين الأقوال والأفعال شاسعة، بل ومؤلمة، والنتائج على الأرض لا ترقى إلى مستوى تلك التطلعات العريضة.
غياب مرجعية قانونية... ثلاث سنوات من الانتظار!
لم تمضِ سوى أيام على إصدار الرئيس قرارًا باعتماد القواعد المنظِّمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي، وهيئة التشاور والمصالحة، والفريق القانوني، والفريق الاقتصادي المُشكّلين بموجب ذلك الإعلان، رغم أن إعلان نقل السلطة اشترط فقط خمسةً وأربعين يومًا لإنجازها. وقد قيل إن الرئيس لم يستلم النسخة المعدّلة إلا قبل أيام، بعد تعديلٍ دام شهورًا، ومع كل ذلك، وحتى بعد إصدارها، سيظل العمل معطّلًا بها بانتظار انعقاد مجلس النواب لإصدارها بقانون... وهكذا دواليك!
ثلاث سنوات بلا مرجعية قانونية ناظمة... فماذا نرجو إذًا من مجلسٍ لا قواعد تحكمه، ولا أدوات تُقيّمه، ولا جهة تُحاسبه، وكل عضوٍ فيه دولةٌ بحاله، واهتمامهم مكثف باسترضاء النشطاء لا لاستقطاب المفكرين والعقلاء الحريصين على إنجاحهم؟!
العملة تنهار... والمعيشة تختنق
ولسوء طالع هذا المجلس، فقد تزامن تأسيسه مع هدنةٍ هشّة دخلت حيّز التنفيذ، لم يستفد منها المجلس في إعادة هيكلة تشكيلاته وبناء قدراته، بل استفاد منها الحوثي إلى أقصى مدى، يثري ثراءً فاحشًا، ويحشد، ويُجنّد، ويغسل عقول الناشئة بمخيماتٍ صيفية تحوّلت إلى مصانع للكره والطائفية والتكفير (#مراكز_صناعة_الإرهاب)، ضاربةً براءة الأطفال ومستقبلهم عرض الحائط.
وفي ظل الهدنة، توقّف التحالف عن طلعاته الجوية، فأعادت الشرعية انتشارها لمئات الكيلومترات في إقليم تهامة من دون أن يُطلب منها، فتمدّد الحوثي، وهاجم موانئ تصدير النفط، مانعًا البلاد من تصدير الذهب الأسود، فتهاوى الاقتصاد، وتراجع الريال اليمني من 1200 ريال/دولار إلى أكثر من 2300 ريال في مارس 2025، أي بانخفاض كارثي تجاوز 90% خلال ثلاث سنوات، لتُصبح القدرة الشرائية للمواطن تحت الصفر، ويصبح الفقر فوق رؤوس الجميع.
رواتب متوقفة... وطلاب في مهب الإهمال
ما تزال رواتب الموظفين الحكوميين تتأخر أو تنقطع في المناطق المحررة، دون وجود آلية شفافة لمعالجتها، والنازحون كأنهم ليسوا بموظفين، يعانون بصمت. أما الطلاب المبتعثون، فقد باتت احتجاجاتهم أمام السفارات والقنصليات علامة دالّة على دولةٍ لم تعد تسأل عن مستقبل أبنائها.
خدمات متهالكة... ونفط غائب
الخدمات الأساسية (كهرباء، مياه، صحة، تعليم) في انحدارٍ مستمر، والسبب المباشر هو الهجمات الحوثية على موانئ التصدير منذ أواخر 2022، ما أدى إلى خسائر تفوق ملياري دولار سنويًا، كان يمكن أن تُخصص لدفع الرواتب وتمويل الخدمات.
ومع غياب بدائل للدخل القومي، وانعدام الرؤية الاقتصادية المتماسكة، فإن الوطن ينهار اقتصاديًا، ولا خطة تُنقذ، ولا مشروع يُلهم، ولا من يسمع صرخة المحتاج... وهم في تبايناتهم ومناكفاتهم مستمرون!
من يُحاسب؟!
رغم التصريحات المتكررة من رئيس وأعضاء مجلس القيادة والحكومة عن الوفاء بالالتزامات الحتمية، إلا أن الواقع عارٍ من أي إنجازٍ ملموس. وهنا، تبرز تساؤلات مشروعة:
من يُقيّم أداء المجلس؟
من يُحاسب على الفشل والتقاعس؟
وأين دور الرعاة الإقليميين والدوليين؟ أليسوا شركاء في التأسيس؟ وتعهدوا بإنجاح المجلس وتمكينه! فلماذا الغياب عن التقييم والدعم والضغط والإلزام؟!
مسؤولية الرعاة... لا تتركوا اليمن وحده!
إن الدول الراعية، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية في نجاح أو فشل هذا الكيان السياسي الوليد، الذي وُلد برعايتهم، فلا يجوز تركه فريسةً للرياح العاتية، ولا ضحيةً للانقلابيين لمزيدٍ من التنازلات – وقرارات البنك المركزي والتراجع عنها ليست عنكم ببعيد – ولا تتركوهم للإرهابيين والمخربين!
أمل أخير... هل من إنقاذ؟
نحن لا نطلب المستحيل، بل نرجو فقط أن تتحوّل الالتزامات إلى حقائق يلمسها الناس. نريد نموذجًا ناجحًا في المناطق المحررة، قدوةً مُلهمة تُكذّب دعاية الحوثي، وتُعيد ثقة المواطن بدولته، وتبعث الأمل في وطنٍ يُستعاد شيئًا فشيئًا.
نُريد بدايةً حقيقية، لا مجرد أقوال. نُريد يمنًا موحّدًا قويًا، ينتمي إلى محيطه الخليجي بمكانةٍ لا بتبعية، بسيادةٍ لا بعجز.
رسالة ختامية... لمن يهمه الأمر
في ذكراكم الثالثة، أنتم على مفترق طرقٍ حاسم. فإما أن تُثبتوا أنكم أهلٌ للمسؤولية، أو تفتحوا بوابة الانهيار على مصراعيها!
فهل ستسمعون هذه المرة؟
أم أن الانتظار سيطول... ويطول... حتى لا يبقى شيءٌ يُنتظر؟!
-->