ساعةُ الحسمِ تقترب... فأينَ القرار؟

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ٠٨ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٤:٥١ مساءً

 

يمرّ اليمن، منذ أكثر من عقد، بواحدة من أكثر الفترات تعقيدًا في تاريخه السياسي والوطني؛ حيث تتشابك خيوط الحرب والانقسام، وتتعدد المبادرات وتتناسل التصريحات، لكن القرار الحاسم يظل غائبًا أو مؤجلاً.

 وفي ظل هذه اللحظة الدقيقة، ومع دخول مجلس القيادة الرئاسي عامه الرابع، يتطلّع اليمنيون إلى بادرة أمل تفتح أفق الخلاص الوطني، وتعيد للدولة حضورها ومكانتها.

وفي هذا السياق، جاءت تدوينات فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بمناسبة الذكرى الثالثة لتشكيل المجلس، لتعكس موقفًا سياسيًا وإشارات تحمل دلالات مهمة. 

ففي سلسلة من التدوينات، عبّر الرئيس عن تمسّكه بالعهد، ووجّه شكره العميق لصنّاع الصمود من أبناء الشعب اليمني، ومنتسبي القوات المسلحة والأمن، وسائر التشكيلات العسكرية. وأشار إلى أن المجلس، بفضل تلك التضحيات، بلغ محطةً مهمة في مسار توحيد الصف الوطني حول هدف إسقاط الانقلاب — الهدف المفترض أنه حتمي لا جدال فيه، لكنه لا يُرى إلا تحت المجهر — ومواجهة محاولات إغراق المناطق المحررة في دوامة الفوضى والأزمات الاقتصادية. ومع ذلك، لا تزال تلك المناطق غارقة في الظلام، والانهيار الاقتصادي، وتأخّر الرواتب والعلاوات، وضعف أداء الدولة، وتعطّل مؤسساتها.

والنتيجة خلال ثلاث سنوات من عمر المجلس، أن كل عضو فيه احتفظ بما تحت سيطرته، وكأنه يرأس دولة مستقلة، بجيشها وإدارتها ومشاريعها! 

أما جوهر حديث الرئيس، فهو دعوة إلى توحيد الصفوف، وتقديم الإسناد الفاعل لما أسماها "معركة الخلاص"، قائلاً إن "ساعتها الحاسمة تتعزّز بعون الله تعالى في هذا العام الرابع من عمر المجلس".

 لكن ما معنى أن "تتعزز ساعة الحسم"؟

 وهل "التعزيز" يعني أن القرار قد اُتُّخذ فعليًا؟

 العبارة تحمل طابعًا مجازيًا شائعًا في الخطاب السياسي والعسكري، تدلّ على أن الظروف السابقة للحظة الحاسمة بدأت تتكوّن وتتقوّى، وأن المؤشرات تتزايد، والظروف تتراكم، والمعطيات تكتمل.

 أما "ساعة الحسم" فهي اللحظة الفاصلة التي يُتخذ فيها القرار الجريء، وتُقلب فيها المعادلات، وتنتصر الإرادة على التردّد. 

لكن هذا لا يعني أن الحسم قد بدأ فعليًا، بل قد يعني أن الوقت يمرّ... دون قرار! وهنا مكمن القلق الحقيقي.

فخامة الرئيس... ها نحن على أعتاب العام الرابع من عمر مجلس القيادة الرئاسي، أي نحو 8760 ساعة في السنة العادية، و8784 ساعة إن كانت سنة كبيسة. ففي أي ساعةٍ من هذه الساعات، سيتم اتخاذ القرار المصيري؟

 في بدايته؟ 

في منتصفه؟ في نهايته؟

 أم — ويا للأسف — عندما تقرر عواصم الخارج، وفي مقدمتها واشنطن، لا إرادة الداخل؟!

إننا لا نريد سنوات أخرى من "التعزيز الخطابي"، بل نريد ساعة حسم فعلية، تُتخذ فيها قراراتٌ شجاعة، تُسقط الانقلاب — الهدف الجامع — وتعيد للدولة هيبتها، وتضع حدًا للفوضى، وترسم خارطة طريق واقعية للخلاص الوطني.

 فالتحرير الحقيقي لا يكون إلا شاملًا، دفعة واحدة، وعلى كل الجبهات. لا كما يُشاع ويُسرّب من أن الحسم سيكون بالتقسيط الممل، يبدأ من الحديدة... ثم كذا... ثم كذا!

 فالتقسيط لا يخدم سوى الخارج، ولا يصلح بعد عقدٍ من الانتظار، يا فخامة الرئيس! 

نتمنّى أن تكون "ساعة الحسم" التي أعلنتموها ساعةً يمنية خالصة، تُصنع بإرادة الداخل، لا بأوامر الخارج.

لقد بات واضحًا أن بعض القوى الدولية — وعلى رأسها الولايات المتحدة — لا تتعامل مع قضيتنا على أساس المبادئ، بل من منطلق المصالح البحتة، دون اعتبار لما عاناه ويعانيه الشعب اليمني.

 فـ"ترامب التاجر"، لم يرَ في الشواطئ والموانئ والجزر اليمنية سوى فرص استثمارية واستعمارية مغرية، لا رمزية وطنية أو سيادية. بل قد يجد فيها ما يجذبه أكثر مما تجذبه غزة الجريحة!

 وهذه الأطماع هي ذاتها التي أغرت الطامعين الإقليميين، والذين — للأسف — ما يزالون أحد أبرز أسباب غياب الحسم، وتعليق القرار!

لذلك، نوجّه نداءنا إلى فخامة الرئيس:

 لا تنتظر أكثر! فـحذارِ، ثم حذارِ، أن يتحوّل قرار الحسم إلى صفقة إقليمية أو دولية، أو أن يُنتزع من أيدي اليمنيين ليُدار من غرف القرار في الخارج. 

وحذارِ أن يظل مجلس القيادة الرئاسي في وضعية الانتظار، بينما الشعب وحده من يدفع كلفة التردّد والتأجيل.

القرار الآن، لا غدًا!

كفى تعزيزًا... نريد حسمًا!

نريده حسمًا وطنيًا، شجاعًا، مستقلًا، يصنعه اليمنيون، ويخدم مستقبلهم، ويُنهي زمن الانتظار الطويل!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي