آثم من ظن أن "الحوبان" لحظة عابرة

سميه الفقيه
السبت ، ١٥ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٤ صباحاً

 

آثم من ظن أن لحظة وصولنا للحوبان، لحظة ومضت عليه كأي حدث عابر يقلل منه أو يستهتر به .. لا يعلم ثمن وقيمة هذه اللحظة إلا من عاش في تعز المدينة وتجرع وأكتوى بلظاها وحرقتنا وصبرنا العظيم، هذه اللحظة التي اضعنا فيها سنوات عشر ذقنا فيها العذاب، وأنهكت أرواحنا واجسادنا ،وحمَّلتنا ما لا نطيق من القهر و الجور والقتل والخراب. 

ها نحن نصل لهذه اللحظة، التي لطالما عرفنا أنها ستأتي ولن تطول، أتت بعد سيل من التضحيات والدم المسفوك والحصار والتشرد والتفرقة والشتات.

ها نحن نصل للحظة الممزوجة بالحنين والأنين، بالأمل والألم كلما تذكرنا ما تجرعناه داخل تعز المحاصرة من احتراق وفقد وألم. لا يعرف معنى حديثي سوى من تجرع ما عايشناه في تعز خلال عشر سنوات.

من عاش مرارة عشر سنوات احتراق ومعاناة ، هو فقط من سيدرك قيمة هذه اللحظة ثمينة التكاليف . نعم إنها لحظة باهظة الثمن وليست عابرة لمجرد تسجيل موقف للبعض او تصوير حدث من باب مرور الكرام والتصوير والتوثيق، لا ومليون لا . 

نحن ابناء تعز دفعنا مقابل هذه اللحظة الغالى والنفيس من أرواحنا وحرقتها، ومن أبداننا واحتراقها وهزالها، كانت الأحمال الثقال تدك ظهورنا وتحني جباه صبرنا، بسمرة وجوهنا بهزالنا ، وجوعنا وعطشنا ودموعنا ودماءنا.. 

خلال الحصار مشينا في حرقة الصحاري والجبال، وغبار الفيافي والمدن القاحلة، صبرنا وبكينا ومرضنا ولم نكن نجد الدواء، وأكثر الاوقات كننا ننام وعيوننا مفتوحة من الخوف خشية ان لا نصحو بعدها من هول القصف والرصاص والقنابل والصواريخ.

ان كنت من تعز فستعلم ما تسرده حروفي من أنين حين كنا نخرج للشارع وقت الاشتباكات والقتال نبحث عن شربة ماء وقليل من الخبز نسد به رمقنا الجاف ولا نجده، وكنا نشهد ونكبر وندعو ان نرجع بيوتنا ومازالت رؤوسنا فوق اكتافنا.

ان كنت من تعز فستدرك كم فقدنا في الحرب من شباب كالورد ومن رجال أشداء وأطفال ابرياء ونساء عظيمات، حتى لكأننا نظن انه ان رفعنا أي حجر  من حجار تعز فسنلقى تحتها شهيدًا أو جريحًا او عين أُم دامعة بحرارة وحرقة قلب.

كم سفكت من دماء على الأسفلت، كم وريت أجساد، وكم من مدن احرقت ودمرت وشُرِّد أهلها في الخيام والصحاري والجبال كم بيوت دمرت واصبحت اثرا بعد عين،  وكم وكم وكم ... الكثير والعديد من الأحزان والآلام تعايشنا معها في تعز خلال عشر سنوات ، وباعدت بين الأهل والأحبة دون لقاء بسبب الحرب والحصار  ، ولا يدرك حرقة ما أقول وما عشناه إلا من عايشه وتعايش معه ، ولن نسمح لأحد أن يقلل من أوجاعنا وآلامنا وبستهتر بقيمة هذه اللحظة الباهظة الأثمان.

أيها التعزي بسمرتك ونحولك وحزنك وصبرك العظيم .. افتخر فأنت من تعز العظيمة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي