الحزبية السياسية .. والأزمة اليمنية ..!!

ابراهيم ناصر الجرافي
الاثنين ، ٠٤ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٣ مساءً

بدايةً ...... 

الحزبية السياسية من الأمور المباحة في الشرع الإسلامي ، كون أمور السياسة من الأمور المتغيرة والمتبدلة بتغير الزمان والمكان ، ومرتبطة ارتباط مباشر بحياة الإنسان المتجددة والمتفاعلة ، والحزبية السياسية هي التعبير عن أفكار وتوجهات الإنسان تجاه كل المواقف والاحدات والمتغيرات السياسية ، والحزبية السياسية نوعان حزبية سياسية إيجابية ، وحزبية سياسية سلبية ، ففي الأولى تكون الحزبية السياسية وسيلة وليست غاية ، وفي الثانية تكون الحزبية غاية وليست وسيلة ، وهنا يكمن الفارق الكبير بين الفهم الصحيح والفهم المغلوط للحزبية السياسية ، ففي الأولى تكون مصالح الوطن العليا وثوابته الوطنية مقدمة على المصالح الشخصية والحزبية ، وفي الثانية يكون العكس صحيح ، ومن يتابع المشهد السياسي اليمني ، سوف يدرك على الفور بأن الفهم المغلوط للحزبية السياسية هو سيد الموقف ، وهو المسيطرة على مجريات الأحداث ، وهو المتحكم في عقليات الكثير من قيادات وعناصر الأحزاب السياسية اليمنية ، وهو من أوصل.الوطن إلى الوضع المأساوي والكارثي الذي يعيشه اليوم ، فالفهم المغلوط.للحزبية السياسية من الطبيعي جداً أن يقود الوطن إلى العنف والحروب والصراعات ، لأن الكثير من قيادات وعناصر الأحزاب السياسية ، يقدمون مصالحهم الحزبية والشخصية على المصالح العليا للوطن ، بل ٱنهم يختزلون الوطن الكبير المتعدد والمتنوع في حزبهم السياسي ..!! 

 

لكن الفهم الصحيح للحزبية السياسية يجعل الأولوية للمصالح العليا للوطن ، وتأتي المصالح الحزبية والشخصية ثانياً ، ويجعل منها أداة فاعلة وبناءة للتنافس الإيجابي في خدمة الوطن ، التنافس في البرامج والمناهج السياسية السلمية والمدنية القادرة على تحقيق تطلعات وطموحات أبناء الشعب ، وليس كما هو الحال عند الفهم الخاطئ للحزبية السياسية ، الذي يقود إلى صناعة الكراهية والتعصب والعدائية والعنف ، وصولاً إلى صناعة الصراعات المسلحة التي تتسبب في تدمير الأوطان ، كما هو الحال اليوم في اليمن ، وطبعاً المستفيد الأكبر من الفهم الصحيح للحزبية السياسية هم أبناء الشعب ، كون التنافس السياسي الحزبي الإيجابي يقود الوطن نحو الإزدهار والسلام والأمن والاستقرار والتقدم والتنمية والرفاهية والعكس صحيح ، ورغم ذلك ورغم الخسارة الفادحة التي يتكبدها أبناء الشعب نتيجة الفهم المغلوط للحزبية السياسية ، إلا أن الكثير من أتباع الأحزاب السياسية يصرون على الاستمرار في فهم الحزبية.بشكل مغلوط ، فلا يترددوا في الاصطفاف خلف قياداتهم الحزبية ، حتى لو كانت مواقفهم تتعارض مع المصالح العليا للوطن ، وحتى لو ترتب على ذلك الإنقلاب على الدستور والنظام والقانون ' وجر الوطن إلى مربعات الصراع والعنف والفوضى ، في سبيل تحقيق.بعض المصالح الحزبية والمكاسب الشخصية والأطماع السلطوية ..!! 

 

وللعلم المصالح العليا للوطن لا خلاف حولها ، فهي تراعي مصالح الجميع ، وتصون وتحمي مصالح الجميع دون استثناء ' وتحظى بالموافقة والتأييد من الجميع ' ولكن المصالح الشخصية والحزبية هي التي يكمن فيها كل خلاف وكل بلاء ، ويكمن فيها كل أسباب التنافس السياسي السلبي ، ونجاح الحزبية السياسية يحتاج إلى المزيد من الوعي والثقافة ، فالمجتمع الواعي والمثقف يكون أكثر قدرة على الاستفادة من الحزبية السياسية ، وأكثر قدرة على تسخيرها في صالحه ، وأكثر قدرة على توجيهها نحو التنافس الإيجابي ، والعكس صحيح ، وبذلك فٱن الخلل السياسي الحاصل اليوم في المشهد السياسي اليمني ، لا يكمن في الحزبية السياسية بمفهومها الصحيح والإيجابي ، ولكنه يكمن في الفهم الخاطئ والمغلوط لها ، ويكمن في الاستغلال السلبي لها من العديد من قيادات الأحزاب ' ويكمن في المجتمع اليمني الذي يعاني الكثير من تدني المستوى الفكري والثقافي والتراجع الحضاري ، وهو ما جعله بيئة مناسبة لتنامي ظاهرة الحزبية السياسية السلبية ، ولتنامي ظاهرة التنافس الحزبي السلبي ..!! 

 

 والمفترض بالعقلاء والحكماء والمتعلمين والمثقفين من قيادات وعناصر الأحزاب اليمنية ، في مثل هكذا ظروف أن يقدموا الولاء للوطن على الولاء للحزب هذا أو ذاك ، وعليهم أن يتوقفوا فوراً عن دعم أو تأييد أي قيادات حزبية ، تعمل على صناعة المزيد من الخلافات والتوترات ، وتعمل على تصعيد الصراع والعنف ، وترفض الحوار والتفاوض والحلول السلمية ، فمصالح الشعب اليمني العليا ، تكمن اليوم في السلام ووقف الحرب والشراكة السياسية ، بينما التصعيد ودعوات الحرب والتشجيع عليها ، ورفض الحوار وإفشال الحلول السلمية ، هي ضد المصالح العليا للشعب اليمني ، وتتناقض تماماً مع الحزبية السياسية الإيجابية ، بل إنها التجسيد الحقيقي للحزبية السياسية السلبية ، والصورة البشعة للتنافس الحزبي والشخصي السلبي ، وخلاصة القول أن الفهم الصحيح للحزبية السياسية هو الخطوة الأولى لحل ومعالجة كل الأزمات التي يعيشها ويتجرعها الشعب اليمني .!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي