نحن لا نعيش في زمن مقلوب، بل في زمن تديره سلطات ومسؤولون مقلوبون!
حيث يسير التفكير واتخاذ القرار بعكس المنطق السياسي والعسكري والاقتصادي السليم، فتُدار القضايا المصيرية بأساليب غريبة، وتُتخذ القرارات في توقيتات غير مناسبة، وتحرك القوى الكبرى مصالحها دون أي اعتبار لحقوق الشعوب.
السياسات الأمريكية بالمقلوب
الولايات المتحدة تتصرف بعكس ما تفرضه القرارات الدولية، وكأنها كانت تبحث عن ذريعة لشن هذا الهجوم العنيف على اليمن. جاء هذا الهجوم ردًّا على تحركات الحوثي ضد الملاحة الدولية وربيبتها الكيان الصهيوني، لكنه لم يكن لإنقاذ اليمن أو استعادة دولته المسلوبة وفقًا للشرعية الدولية، بل جاء لحماية مصالحها ومصالح دويلة إسرائيل المزروعة في قلب وطننا العربي .
ما نشهده اليوم ليس سوى استهداف للمدنيين الأبرياء في اليمن، رجالًا ونساءً وأطفالًا، ضمن حملة عسكرية ندينها كما تدينها جميع القيم الإنسانية. كان الأجدر بهذه الحماسة الأمريكية أن تتوجه ضد الحوثي منذ البداية، عندما انقلب على الدولة وسيطر على مؤسساتها، لا أن تأتي الآن بعدما بات تهديده يمس السفن والبوارج الحربية الأمريكية ودويلة إسرائيل.
القيادة الشرعية في المقلوب أيضًا
في الوقت الذي تشن فيه أمريكا هجماتها على المحافظات اليمنية، نجد أن القيادة الشرعية تكتفي بعقد اجتماعات للجنتها الأمنية العليا وهيئة العمليات المشتركة، بدعوى تقييم الموقف العملياتي ومستوى جاهزية القوات في مختلف المحاور، ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية، ومناقشة التهديدات الإرهابية.
لكن لماذا لم تُعقد هذه الاجتماعات وتُوضع الخطط قبل الضربات الأمريكية؟! لماذا لم تضع الشرعية استراتيجية استباقية لاستعادة الدولة وحماية اليمن من التدخلات الخارجية، وهو ما طالبنا به مرارًا وتكرارًا؟!
ليت هذه الاجتماعات والقرارات جاءت قبل الهجوم الأمريكي الترامبي ، بدلاً من أن تكون مجرد رد فعل متأخر. فالحقيقة أن أمريكا لم تأتِ لنصرة الشرعية، بل لضمان أمن الملاحة الدولية ومصالحها، بينما تسعى في الوقت ذاته إلى إرسال رسائل تفاوضية بشأن الملف النووي الإيراني.
على الشرعية أن تدين قتل المدنيين، وإن لم تستطع، فالصمت من ذهب! الأجدر بها أن تراقب الصراع وتستفيد من نتائجه، بدلاً من أن تجد نفسها طرفًا في معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وغير مستعدة لها. فهذه الحرب لا علاقة لها بإعادة الشرعية، بل تخدم أجندات تفاوضية أمريكية مع إيران.
الحوثي في مقلوب المقلوب
يدّعي الحوثي أنه يدافع عن غزة بمنع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إليها، لكنه عندما تهاجمه أمريكا بسبب استهداف سفنها، ينكر مسؤوليته عن تعطيل الملاحة الدولية!
يدّعي نصرة الفلسطينيين، بينما يحاصر تعز التي تشبه غزة في كل شيء، حيث قتل وهجّر أكثر من نصف مليون يمني، وزرع الألغام، ودمر المدن والقرى.
وها هو يستفز أكبر قوة عالمية، جالبًا الدمار على اليمن، فقط ليُقال إنه بطل! فهل البطل الحقيقي هو من يورّط شعبه في معارك عبثية لا تخدم إلا القوى الكبرى؟!
وفي المقلوب أيضًا.. الجولاني يدخل المشهد!
في توقيت غريب، يقرر الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام) فتح معركة ضد حزب الله، بالتزامن مع الهجوم الأمريكي على اليمن. لكن المفارقة أنه لم يوجه رصاصة واحدة نحو الاحتلال الصهيوني، الذي دمر القدرات السورية واحتل أراضيها، ولم يُصدر حتى تصريحًا جادًا يدين الاحتلال!
بل رأيناه يستعرض قوته على الحدود اللبنانية، وكأنه في مهمة تخدم أجندات لا علاقة لها بمصلحة سوريا! أليس هذا زمن السلطات المقلوبة، لا السلطات المسؤولة؟!
ختامًا
المشهد السياسي والعسكري في المنطقة يعكس واقعًا عبثيًا، حيث تتحرك القوى الدولية والإقليمية وفق مصالحها، دون أي اعتبار لحقوق الشعوب ومعاناتها.
وما لم تدرك القيادة الشرعية في اليمن وداعموها ضرورة إعادة ترتيب الأولويات، ووضع استراتيجيات واقعية للتعامل مع المتغيرات، فستبقى دائمًا في موقف المتفرج أو الطرف الأضعف الذي تتحكم فيه القوى الكبرى.
فإلى متى ستبقى السلطات مقلوبة؟!
-->