في ذكرى الرحيل المبكر للفقيد باذيب .. خلود ابدي واسئلة مازالت عالقة

د. فائزة عبدالرقيب
الثلاثاء ، ١٧ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٠١:١٣ صباحاً

 

لاشك بان القادة السياسيين هم من يصنعون الاحداث سلبا اوايجابا، يصنعون بها اما منعطفا سياسيا فارقا او لحظة تاريخية لا تتكرر تكون شاهدة على مواقفهم السياسية، الحقوقية،الاخلاقية، والفكرية، الا ان القليل منهم من تأبى مواقفهم وافكارهم ان تغادر التاريخ السياسي، بل تخلد و تمنح الاجيال المتعاقبة عزة وفخرا وذكرى سرمدية. 

ولان اليوم يصادف الذكرى الـ 45 لرحيل القائد وفقيد الوطن الاستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب فاني اخترت واقعتين لم تحدث في تاريخ اليمن المعاصر، واقعتين تلاحمت فيهما مواقف الجماهير مع القوى الوطنية، احدهما في مؤازرته والاخرى مودعة له معلنة الادانة غير عابئة بمن كان يقف خلف هاتين الواقعتين وانتصارا لشخصه كل ما لديه من قيم واخلاق وانسانية يشهد بها كل من عرفه.

الواقعة الاولى كانت وانا لم اكن موجودة بعد على هذه الدنيا، حين محاكمة القائد الفقيد الاستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب في سبتمبر 1955م بتهمة إثارة الكراهية ضد الحكومة لنشره مقالاً في صحيفة النهضة الأسبوعية العدنية تحت عنوان المسيح الذي يتكلم الانجليزية وكانت لحظة تاريخية خالدة وفارقة في حياة شعبنا حيث كانت الجماهير تتدفق من مختلف مناطق مدينة عدن جسدت فيها مؤازرتهم له ورفضهم للقمع والارهاب الفكري، لحظة تخلق فيها الاشهار عن البدايات المعلنة للحركة الوطنية والتي بدأت بها ومن خلالها رياح التغييرالسياسي تدق ناقوس التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني.

الا ان هناك اسئلة مازالت الاجابة عنها مازالت متوارية خلف العبث الانتهازي الشيطاني في معرفة الكواليس التي وقفت خلف المقال، ولمن كان هذا المقال موجها وناقدا، هل هو للمستعمر البريطاني ؟ ام هو لمن كان يداهن المستعمر البريطاني ويبرر افعاله ويلتمس رضائه؟ وماهي خلفية كتابة ذلك المقال؟ هل هو موقف عارض ام انه مقالا  يرد فيه على الانتهازيين اصحاب المواقف المتلونة الذين كانوا و ما يزالون حتى اليوم ابواقا لمصالحهم الضيقة وعبيدا اسرى لحياة تفتقدها الكرامة والعزة والشرف؟ ومن هم هؤلاء الانتهازيين؟؟ اعتقد ان هذه هي مهمة الباحثين عن الحقيقة والصادقين مع الوطن ونقل وقائع الاحداث بامانة من اجل تأريخ حقيقي لنضالات الشعوب والاستفادة الايجابية من اسباب ونتائج الاحداث التي تسهم في معالجة اخفاقاتها و تطورها واحقاقا للتاريخ الانساني ذاته.  

اما الواقعة الثانية فقد حدثت ولم تكن بعد، قدراتي الفكرية والسياسية ناضجة بما فيه الكفاية، تستطيع قراءة الموقف وادراك اسباب الفاجعة التي المت بأسرة الفقيد وتلاميذه ومريديه ومؤيديه واصدقائه ورفاقه وكل من عرفه واحبه، انها الواقعة التي يصادف ذكراهااليوم الموافق 16 اغسطس، ذكرى مشهد الرحيل المبكر للفقيد الذي فجع الجميع به وتلك الجنازة المهيبة التي رافقته فيها الجماهير المتدفقة من كل حدب وصوب مرافقة اياه ومودعة حتى مثواه، ومشهد تلك الوجوه الغاضبة المتجهمة الحزينة من هول صدمة رحيله المفاجئ وهو في اوج صحته وعطاءه التي مازالت عالقة في ذاكرتي، ولن تغادرها ماحييت. 

في مقال للقائد الرمز المناضل الاستاذ انيس حسن يحي اطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية، قال فيه: لقد رحل عنا باذيب ونحن في أمس الحاجة إليه، إلى عطائه الثري في الحياة السياسية، وعلى حكمته في التعامل مع كل تعقيدات الحياة السياسية، العجيب وأنا أتامل رحيل فقيدنا المبكر، أنني لم ألحظ عليه، اثناء تواجدنا معاًفي منتجع سوتشي، ما يشير إلى أنه كان يعاني من مرض ما، لكنها إرادة الله. لقد اختار القدر أن يرحل باذيب عنا مبكرا..

لقد قيل الكثيرعن الفقيد وظلت هناك اسئلة تعجزفي اقناع الاخرين عن سبب وفاته ومن كان يقف ورائها وهناك من يعزو ذلك الى حيثيات اخرى تخفي في طياتها اسباب الوفاة المفاجئة في عدم القبول بالاخر وضيق النفس وقصر الرؤية السياسية والحكمة لدى بعض القيادة السياسية و بداية الانحدار الاخلاقي في ذهابهم نحو العنف والتصفيات الجسدية لمعارضيهم بل ومن ضمن البدايات في اهتزاز القيم والمبادئ التي امن بها قادة ثورة 14 اكتوبر الخالدة ومعهم كافة القوى الوطنية والسياسية حتى نيل الاستقلال الناجز، الامر الذي كان سببا في تغييب عدد من القيادات الوطنية والسياسية الكفوءة و انحسارا للعقل والفكر الناضج والحكمة التي تجعلنا اليوم نعيش وضعا سياسيا مهترئا بائسا، نفتقد فيه الى دور مؤثر و اكثر فاعلية للقيادة السياسية والقوى الوطنية التي مازالت قادرة على التأثير و صناعة القرار السياسي وتجاوز الذات من اجل الوطن والانسان ولعل في ذلك عزاء للفقيد الاستاذ عبدالله باذيب والشهداء وغيره من القادة السياسيين، الذين غادرونا وهم يحلمون بمستقبل مشرق لليمن الاتحادي، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.  

الحجر الصحفي في زمن الحوثي