عندما تذبحُ الأنثى نفسها

د. عبدالله صلاح
الثلاثاء ، ١٢ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠٥:١٩ مساءً
 
قيل للفرزدق قديماً: إن فلانةَ تقول الشعر، فردَّ بقوله: "إذا صاحتِ الدجاجةُ صياح الديك فلتذبح"؛ ونتيجة طبيعية لتناغم إيحاءات هذا القول مع الحس الذكوري ومرجعيته النفسية الذهنية، فقد تداولته الألسن بشراهة حتى أصبح مثلاً مشهوراً يتحدَّى تعاقبية الزمن.
 
واليوم يتحدثون عن الأنثى باعتبارها نصف المجتمع، تقول الشعر والسرد وتخوض في السياسة والصحافة وعلم الاجتماع وغير ذلك، لكننا نلحظ المثل –وإخوانه- يصفعُ وجهها في كل محفل،  وهي في المقابل نلحظُها تارةً تمشي حذوه مشي الهوينا، وتارةً تصمت وتتراجع القهقرى، وتارةً تباركه وتُنظر له وتشترك في تنفيذه.
 
وبذلك أسهمت المرأة في هيمنة الفحولة الذكورية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي حد بلغت تلك الهيمنة؟ وهل ثمة متسع لخصوبة الأنثى؟، وهل تسمحُ في الأساس الفحولةُ للخصوبة أن تتحدثَ عنه وعن نفسها؟ أو تسمح لها أن تتمدد قليلاً؟ وهل خصوبةُ الأنثى قابلةٌ للتشكيك في فحولة الرجل؟!. ثمة أسئلة جوهرية لا أعتقد سهولة الإجابة عنها، خاصة وأننا نلمس اتساق العلاقة بين الفحولة والخصوبة، وكذلك التواطؤ بينهما في ذاكرة الوعي الجمعي، شئنا أم أبينا، ولا سيما في الذاكرة العربية، فعندما تنجب الأم ولداً/ الفحل تستقبله الأعيرة النارية والزهو وزف التباشير وانتفاخ الأم/ الأنثى كعلامات سيميائية تشير إلى تسيده وعظمة شأنه، وحينما يتقدم في العمر قليلاً تشترك الأم/ الأنثى كذلك في تلقينه مبادئ الرجولة ومقوماتها. ولكن عندما تنجب الأم أنثى/ الخصوبة يسودُ الصمتُ وتُستقبلُ ببرود وعدم حيوية وتسود الوجوه، وكأن ما يحدث إيحاءات مبكرة تشير إلى أن الصمت هو عالم الإنثى ويجب أن يحتويها، وإذا ما ارتفع صوتها فهو يدخل في نطاق المثل المشهور "الناقة ناقة ولو هدرت".
ومع أننا نسمع اليوم كثيراً، ونقرأ كثيراً عن حقوق المرأة ووضعيتها، وأدب المرأة، إلا أن صورة الأنثى في حقيقة الواقع ما تزال باهتة، خاصة في شعوب الوطن العربي، تتعرض لعقاب العادات والأعراف والمفاهيم المجتمعية والتطرف الديني، ولا تستطيع المنظمات والجمعيات التي تعتني بحقوق المرأة أن تحميها من العقاب أو ترده عنها. وكيف لها أن تستطيع وهذه المفاهيم تضرب جذورها قروناً من الزمن؟. إذ يصعب تجاوزها بشعارات وهمية لا تستند إلى قوة قانونية أو مجتمعية تضمن لها الحياة والديمومة، زد على ذلك إن الأنثى لا تؤمن بها في كل الأحوال، وإن هتفت بها، فهتافها -في قرارة نفسها- يدخل في منطوق (هدير الناقة)، باستثناء حالات نادرة لا يحتكم إليها.
 
ولا يخرج عن ذلك الصوت الأدبي، فصوت الأنثى هنا في اليمن -على سبيل المثال- لا تنتظم كينونته الأنثوية -مع أني ضد تصنيف الأدب جنسياً- بمعنى أن كينونة المبدعة في إفرازاتها تعزز سلطة فحولة الرجل وتسيده تماشياً مع سيادة الواقع، حتى وإن تدثرت بأنوثتها وطراوتها ففحولة الرجل تكتنف بنية التدثر، وهذا ما نلحظه في المشهد السردي والشعري معاً، وعندما نقرأ العتبات النصية (العناوين) للمجموعات الشعرية الروائية والقصصية المنشورة، نجد أن بنيتُها السطحيةُ - فضلاً عن العميقة- تفصح عن استسلام الذات الأنثوية لتلك الفحولة ونواتجها، بل إنها تشترك فعلاً في إثبات حق الفحل في ذبحها أو إسكاتها أو بيعها أو ما شابه. وثمة قراءة نقدية اشتغل عليها تظهر جريمة وفظاعة ما ترتكبه الأنثى في حقها، وإلى درجة يمكن القول أنها تذبح نفسها وليست بحاجة للذبح حسب وصية الفرزدق. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي