المشروع الإيراني والرواية المتواترة لانهيار المشاريع العربية ( 1 )

د. عبدالله صلاح
الخميس ، ١٦ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٣٠ مساءً
كثر الحديث اليوم عن وجود صراع قوي بين مشاريع متعددة في الوطن العربي، كما كثر الحديث عن انتصار المشروع الإيراني مقابل انهيار المشاريع العربية. فإلى أية درجة يقترب هذا الحديث من الصحة أو الحقيقة؟. وهل انتصر المشروع الإيراني حقا؟ وهل توجد مشاريع عربية، حتى نقول بانتصاره وخسارتها؟. 
 
ثمة أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات موضوعية، يمكن من خلالها إدراك حركة الواقع، ومشاهده المتجسدة في حالات الفوضى والصراعات والحروب والمآسي، التي عمت كثيراً من شعوب الأمة العربية، مما أفقدها توازنها وصوابها، وسلبها روح الإرادة، وحرمها طعم الحياة الكريمة والإنسانية. 
ولكن قبل البدء في قراءة مسألة المشاريع وما يدور حولها من أحاديث، نشير إلى أن الحديث عن مصطلح (مشروع) في سياقه العام، يُحتم تحريره من فوضى التناولات غير المدركة حقيقة تلازم سياقه النظري والتطبيقي معاً. فـ (المشروع) بنية كلية تتكون من فكرة ونشاط وغاية وموارد وآليات وخبرات مؤسسات علمية. أو هو بمعنى أوسع مجموعة من الأفكار والمبادئ والوسائل والمقاصد التي تتبناها دولة ما، أو جماعة حزبية أو دينية أو قومية؛ لتحقيق رؤاها وأهدافها الإصلاحية داخل المجتمع أو خارج حدوده.  
 
وبناء على هذا التعريف، نستطيع القول: أن الأسئلة التي تشغل عقل الإنسان العربي اليوم، حول مسألة (المشروع) في الوطن العربي، ما تزال أنساقاً مفتوحة ومحيرة، خاصة وأن واقع الأمة المنكوب يشير إلى عدم وجود مشروع أو مشاريع عربية حقيقية تحمل هموم الأمة، وتحقق الطموح والآمال.. وهو ما يعني أن الحديث عن وجود صراع بين مشاريع قد يكون غير منطقي؛ لغياب مبدأ التكافؤ بين الأقطاب أو المشاريع المتصارعة. وأن ما قيل أو كُتب عن المشاريع القومية والإسلامية ووقوفها في وجه المشاريع الأجنبية، يعد موضع قراءة وإعادة نظر .
 
ربما يكون من الصعب اختزال هذه القراءة في مساحة ضيقة من الكتابة، ولكن في إمكاننا كشف الرواية المتواترة حول ما قيل عن المشاريع العربية. حيث تظهر لنا من خلال هذه الرواية بعض الإجابات الموحية بالحقيقة والواقع. خاصة إذا ربطنا هذه الرواية بأهم مشروع أجنبي _المشروع الإيراني/ الفارسي_ استطاع التوغل في بنية المجتمع العربي، والتقدم على ما سواه من مشاريع عربية وأجنبية معاً. 
 
لقد شهدت الساحة العربية في الزمن المعاصر بروز ثلاثة مشاريع عربية، منها من اتخذ النزعة الوطنية والقومية العربية سبيلاً إلى تحقيق أهدافه وغاياته، وهو (المشروع القومي). ومنها من اتخذ الإسلام نهجاً أو مرجعيةً لممارساته السياسية؛ كحركتي (الإخوان المسلمون)، و(السلفية الجديدة).
أما (المشروع الإيراني) أو ما يطلق عليه العرب بالفارسي فقد ولد حديثاً خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، بعد أن قامت الثورة الإسلامية في إيران (1979م)، وكان شعارها (تصدير الثورة)، لا إلى الحيز الإقليمي لدولة إيران الفارسية فقط، وإنما إلى كل أنحاء العالم. وهو ما أفزع دول الجوار أولاً، ودفعها إلى خوض حرب مبكرة مع إيران، دامت ثمان سنوات؛ كمحاولة أولى لإجهاض هذا المشروع، الذي يتفق مع بعض المشاريع العربية، من حيث المرجعية الإسلامية، فمشاريع الإسلام السياسي في الوطن العربية تقوم على مبدأ أو نظرية "الخلافة في قريش"، وهي نظرية دينية يحتفي بها أهل السنة، وكذلك المشروع الإسلامي الإيراني، فهو يقوم على نظرية "الإمامة" الدينية الشيعية.
 
ليس بوسعنا قراءة التداخل الشائك بين المشاريع الإسلامية العربية وغير العربية، كون الإسلام رسالة عالمية، لا رسالة قومية. وليس من حق أية دولة إسلامية أن تتحدث باسم الإسلام، أو أن تنصب نفسها ولياً عنه، فكما هو من حق اليمن أو السعودية أو مصر التحدث عن الإسلام والذود عنه، هو من حق إيران وتركيا وباكستان والهند أن تتحدث عن الإسلام وتدافع أيضاً عن قضاياه. 
 
سنقف الآن على أهم المشاريع العربية، لنتحقق من طبيعة وجودها، وهل لها من حضور فاعل، أم إنها لا تتعدى الوهم أو الحديث عن الرغبة؟. كما سنتحدث عن المشروع الإيراني الفارسي، وحقيقة انتصاره على ما سواه من مشاريع في المنطقة، وكيف توغل في بنية المجتمعات العربية؟، وإلى أية درجة بلغت خطورته، وتهديده للأمن القومي العربي؟. 
 
(1)
 
المشروع السلفي
 
جناية الأصولية والعنف عليه
 
الدين الإسلامي لا حدود له، ولا هوية قومية خاصة به، فهو عالمي في خطابه وشرائعه وأحكامه. ومعيار التمايز فيه شيء معنوي محض، لا يدركه إلا الله. أي إنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وإنكار الفضل هنا لقومية أو جنس على آخر، هو بمثابة انتفاء قيمة التحديد. وبالتالي فإن الإسلام لا تعنيه القومية العربية في شيء، وإن نزل بلسان عربي مبين.  
 
لقد أساءت تيارات الإسلام السياسي، حين اختزلت الحق والإخوة والصواب في إطارات محددة، وأن من يشذ عن فكرها ومنهجها من المسلمين فهو منحرف وضال. الأمر الذي جعل من الصعب اليوم الحديث عن إسلام واحد، أو أمة إسلامية واحدة، وإنما عن جماعات ونحل وطرق ودول إسلامية، فثمة إسلام الشيعة، وإسلام السنة، وإسلام المتصوفة، بل إن إسلام الشيعة يتعدد. وكذلك إسلام السنة يتعدد أيضاً. وثمة دولة إيران الإسلامية، ودولة باكستان الإسلامية. إننا نقف أمام اختلافات هائلة في الإسلام، امتدت إلى العبادات والقناعات والأفكار، ونظريات الحكم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. 
 
وقبل الخوض في بيان تجربة المشروع السلفي، نشير إلى أن كلمة (السلف) لها معنىً اصطلاحي ثابت يدل على أفضل العصور الإسلامية وأولاها بالاقتداء والإتباع، حسب رؤية الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. وأن هذا المعنى يستقر على القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامية. ص9، كتاب "السلفية مرحلة زمنية مباركة، لا مذهبٌ إسلامي". د. البوطي. دار الفكر، دمشق، ط1، 1988م. 
 
كما نشير إلى أن مصطلح "السلفية" من المصطلحات التي يحيط بمضمونها الغموض وعدم التحديد -كما يقول د. محمد عمارة- بسبب حالات التناقض بين السلفيين أنفسهم، فمنهم: محافظون وجامدون، بل ورجعيون، ومنهم من هم في طليعة المنادين بالتجديد الديني. ومنهم من يتنكر للعقل، كقوة إنسانية، عندما ينكر عليها القدرة على البرهنة والحكم والتمييز، بين ما هو حسن ونافع وما هو قبيح وضار، ويحصر القدرة على ذلك في النصوص والمأثورات وحدها. على حين أن منهم من يعلي مقام العقل. ينظر ص5، 6. السلفية، محمد عماره. 
 
أما الحديث عن أصول الحركة السلفية فثمة من يُرجعها إلى أحمد بن حنبل، باعتباره إمامها الأول والأبرز، كما يرى محمد عمارة (السلفية، ص12). إلا أن ثمة من يرى أن ابن تيمية هو المؤسس الفعلي للتيار السلفي الحديث، للاعتماد الكبير على فكره وكتبه. وأن محمد بن عبد الوهاب الذي تأثر بمدرسة ابن تيميه، وخاصة في محاربته للبدع والطرق الصوفية وغيرها من الانحرافات، هو باعث الحياة في الحركة من جديد؛ بفعل تحالفه مع النظام السعودي الأول الذي تبنى دعوته، ومده بالدعم اللازم، فقويت شوكة الدعوة الوهابية، وأمتد آثرها إلى مختلف الدول العربية والأفريقية. غير أن الفكر السلفي الوهابي ظل أداة من أدوات السياسة، ولم يتبلور في إطار مشروع يحمل هم بناء الأمة، ونهضتها من منظور سياسي واجتماعي وثقافي متكامل، وإنما اختزل نشاطه في سياق دعوي وجهادي صارم لخدمة الحاكم السياسي. وعند قراءة تاريخ هذا الفكر وآليات حركته وتحولاته، نجد هامشية اهتمامه بقضايا السياسة والفكر والثقافة العامة، إذ لا تشكل حيزاً لافتاً في برامج الحركة السلفية، التي تتضمن أولاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسمع والطاعة لولي الأمر والنصح له باللين، وعدم الخروج عليه.  
 
لقد قامت السلفية على تصحيح العقائد وتبديد الشبهات، والدعوة إلى الله؛ وبالتالي فهي أكثر التيارات الإسلامية اهتماماً بالأمور الشرعية وتعمقاً فيها. ونتيجة لانشغالها العميق بقضايا الدين والعقيدة، وزهدها عن تناول قضايا السياسة والخوض في معاركها وتفاصيلها كطرف فاعل من أطراف السياسة، فقد قلَّ حظها وضَعُف دورها في المجال السياسي. مما بعث مبدأ التشكيك في جدوى حضور التيار السلفي في عالم السياسة، في ظل عدم امتلاكه مشروعاً سياسياً واضحاً، يقوم على مجموعة من المبادئ والتصورات والآليات والغايات، التي تمكنه من التأثير الإيجابي في المجتمع، والمشاركة في قضاياه السياسية والاجتماعية، والمنافسة في بلوغ الحكم.  
وإذا نظرنا في السياق التاريخي للسلفية أيضاً، نجد أنها شهدت حالة من الإصلاح والتجديد في بدايات القرن العشرين، على مستوى التجديد الفكري والمعرفي والثقافي، ويعود ذلك إلى طبيعة اللحظة الزمنية التي شهدت موجة من الصراعات الثقافية والحضارية مع المستعمر الغربي، ويأتي في طليعة هؤلاء المجددين: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا. وسواهم ممن آمن بدور العقل، ورفض الجمود المذهبي والفكري. إلا أنها لم تتخلَ نهائياً عن الجمود، وأعادت الاحتفاء به وبالماضي بعد فترة وجيزة، واستمرت حتى الآن. وما حدث من تغيير أو تطور، لا يتعدى قبول بعض السلفيين المشاركة في العمل السياسي على استحياء، وبأدوات تقليدية، كما حدث في مصر وتونس واليمن مؤخراً، وخاصة بعد أحداث الربيع العربي (2011م). 
 
وعلى الرغم من امتداد الحركة وسعة انتشارها في مناطق جديدة في العالمين العربي والإسلامي. إلا أن مؤسساتها الإعلامية والثقافية والدينية، ما زالت تمارس أنشطتها المختلفة بخطاب سطحي وعقيم ومنفر يتصادم مع روح العصر وتحولاته وحقائقه الحديثة.
إننا نسمع اليوم كثيراً من الهجوم على السلفية، والانتقاص من وجودها وفكرها وثقافتها، بل ونسبة الأعمال والممارسات الإرهابية إليها. مع أننا لو تأملنا في حقيقة هذه الجماعة لوجدنا أنها ليست وحدها فيما يتهمونها، وإنما هي كغيرها من الجماعات الدينية المختلفة، تعاني من أزمة غياب المشروع القائم على مبادئ الحق والحرية والعدالة الاجتماعية والقيم الديمقراطية. 
ذلك لأن طريقة بناء هذه الجماعات وآليات اشتغالها، لا تمكن أفرادها وأنصارها من التحرك بحرية ناهيك عن تمكينهم من التفكير السليم. فثمة رؤى وأفكار لا يحيدون عنها، مصدرها تأويل بعض النصوص القرآنية و النبوية. منها فكرة السمع والطاعة لولي الأمر وإن ظلم وفجر، وعدم الخروج عليه. ولا شك في هذا النمط من التفكير يحد من ملكة الإبداع والبحث والاجتهاد، والرغبة في التحرر من العبودية والجمود، بما يتوافق مع روح الإسلام، وفقه السياسة وطبيعتها المرنة، والمتناسبة مع طبيعة العصر وضرورياته. ولهذه الأسباب كان السلفيون في عهد الرئيس حسني مبارك بمثابة المرجعية الأولى لدولته والمنافحين عنها، وما أن سقط نظامه، وجاء عهد الإخوان حتى دخلوا في تحالف هش معهم، انقضى سريعاً بخلع البيعة عنهم، والتأييد والمباركة للحكم العسكري الذي قضى عليهم. 
 
إن أخطر تهمة تُوجه للسلفيين، هي انحراف فريق منهم عن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، إلى طريق الجهاد وتغيير المنكر باليد والفعل، تطبيقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده). وقد قادهم هذا الطريق إلى هلاك حرث الأمة ونسلها، بسبب زيغ هذا الفريق وابتعاده عن الحق والانزلاق نحو العنف، واعتماده وسيلة وحيدة لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولعل هذا الانحراف الذي منح هذه الجماعة الحق في التغيير بالوسائل العنيفة، قد وضع أمامها قدراً كبيراً من العراقيل، أهمها توجس الأنظمة السياسة من حركتها وأنشطتها، ومن ثم محاربتها وتشويه أفكارها وإضعاف وجودها؛ باعتبارها جماعة متطرفة وإرهابية تهدد أمن الدولة، وتمنع بناء مجتمع مدني حديث.  
وعند التأمل في حركة وأنشطة هذه الجماعة المتطرفة، نجد اتساع خارطتها، وازدياد دورها في واقع المجتمعات العربية، ولاسيما في لحظة غياب الدولة أو بلوغها مرحلة من الضعف. ولعل ما يحدث اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن يدل على قوة نفوذها وتمكنها من السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا، وقدرتها على تهديد أمن المنقطة العربية والإقليم والعالم. ولا شك في أن سقوط الأنظمة العربية بفعل ما سمي بالربيع العربي، وانتشار الفوضى هو من هيأ لهذه الجماعة فرصة التوغل في النسيج الاجتماعي، ونشر قناعاتها وأفكارها في أوساط الناس، وخاصة شريحة الشباب العاطلين عن العمل، واليائسين من تدهور وضع الأمة العربية وهوانها. مما ساعد هذه الجماعة على التغرير بهم، بحجة الجهاد في سبيل الله، ومنازلة الأعداء والنهوض بالأمة. وأسوأ ما تقوم به، هو إغلاق المجتمع الذي يقع تحت نفوذها، وحرمانه من ممارسة أية فعالية أو نشاط يخالف توجهات الجماعة وغاياتها. وكذا تطبيقها سياسة احتكار المنابر، ونشر ثقافة العنف والتطرف وتلقينها للناس. بالإضافة إلى ممارسة التصفية الجسدية لمن يخالفها في العقيدة أو الفكر، وكذا تهجير أصحاب الديانات الأخرى كما صنعت جماعة داعش مؤخراً في سوريا والعراق. 
المهم أن التيار السلفي هو أكثر المشاريع العربية تخلفاً من حيث انفتاحه على العصر الحديث وتجاربه. وكذلك من حيث افتقاره للمنهجية، فليس له منهج ولا أدوات ولا آليات يسير على خطاها المنتظمة. 
 
وقد يتساءل أحد ما، إذا كان هذا المشروع يفتقر إلى المنهجية، فكيف استطاع التوغل على نحو لافت في كثير من الدول العربية والإسلامية في الفترة الزمنية الأخيرة؟. والرد يتجسد في أن أمريكا ودول الغرب قد انحازت إلى التحالف مع هذا المشروع ودعمه بسخاء؛ لاستغلاله واختراقه، بدءاً من استغلاله في أفغانستان. وتعزز التحالف معه أكثر بسبب النجاح الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران، تحت قيادة علماء الدين، وهو ما يمثل خطراً على مصالح الاستعمار العالمي، ويهدد وجوده في المنطقة. (انظر: نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، سيناء للنشر، ط2،1994م، ص151). فأرادوا من دعمهم لهذا المشروع، وتمكينه من التمدد السطحي، تشكيل قوة مناهضة تؤمن بالعداء لإيران، وضرورة الصدام معها، وهو ما يخدم قوى الغرب، وتحقيق أهدافها بيد المسلمين أنفسهم. بالإضافة إلى دعم بعض الأنظمة العربية الغارقة في الثراء، لهذا التيار، ومساعدته بالمال لبناء المراكز الدينية والمساجد، والتوسع في إنشاء الجمعيات الخيرية في كثير من بلدان العالم.
 
وبالتالي، نستطيع القول: أن الفكر السلفي الجهادي الذي نراه اليوم في سوريا والعراق واليمن وسواها من الدول العربية والإسلامية قد انعكست آثاره المرعبة على وجود التيار السلفي بشكل عام، نتيجة لنظرته العدائية الشديدة للمخالفين له أياً كانت جنسياتهم أو ديانتهم. خاصة وأنه قد نصب نفسه خصماً لدوداً للمشروع الإيراني في المنطقة، بدعوة نشره للتشيع وتدخله في الشأن العربي، وما حروبه في العراق وسوريا واليمن إلا دفاعاً عن الإسلام من خطر المشروع المجوسي الفارسي كما يعتقدون. إلا أن عقليته الجامدة، والحماس الشديد للجهاد والاستشهاد، وسذاجة المنتمين إليه ساعد أعداء الأمة العربية والإسلامية على اختراقه بسهولة، وتوجيهه لما يخدم مشاريعهم الاستعمارية. فجميعنا يعلم من أسس حركة داعش، ومن جاء بهم إلى سوريا، ومن مدهم بالمال والسلاح، ومن تواطؤ معهم للاستيلاء على مساحة واسعة في كل من العراق وسوريا. فـ (أبو بكر البغدادي) الذي نصبته حركة داعش أميراً للمؤمنين كان أحد سجناء الاحتلال في العراق لمدة أربع سنوات، وتفيد بعض المعلومات أنه خرج تحت عين أجهزة الاستخبارات الأمريكية.  
 
لقد نتج عن هذه الآثار الإرهابية، تكالب قوى الاستكبار والاستعمار لمحاربة الدين الإسلامي، وتضييق الخناق عليه، باعتباره مصدر التطرف والقتل والإرهاب والتخلف، وأنه السبب في تقييد حرية الفكر والعقيدة، والارتداد عن قيم الإنسان العليا كالتسامح والرحمة وقبول الآخر، ودور العقل في مجال الاجتهاد أو التجديد الفقهي والعلمي والمعرفي. 
 
وبناء عليه، فأن هذا المشروع لم يكن في يوم من الأيام مصدر أمل لهذه الأمة، ولم يكن أداة فاعلة يعول عليها في مجابهة المشاريع الأجنبية التي تعبث بمقدرات الأمة وعقول أبنائها، مع امتلاكه مصادر إمداد متعددة. بالإضافة إلى أنه يتحرك في خارطة يشوبها الغموض والتوجس والعنف.، وهو ما ساعد على اختراق صفوفه من قوى الاستعمار، لجعله ذريعة للتحكم في مقدرات الأمة وإضعافها سياسياً واقتصاديا وعسكرياً واجتماعياً، كنتيجة حتمية لاعتماده على تغيير المنكر بالعنف والقتال ومواجهة المخالفين لهم بالانتقام والإبادة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي