ليس سلام النبلاء

د. عبدالله صلاح
الاثنين ، ٠٤ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
 
ليسوا من أولياء الله، ولا من المؤمنين الصادقين الموسومين بالعفو والصفح وكظم الغيظ، وليسوا من النبلاء حتى تصدر عنهم تلك المثل العليا، وليسوا أسخياء حتى يرتجى منهم ذلك الفعل الكريم والمفرح للبسطاء في يوم عيدهم. ما علمناه عنهم وخبرناه أنهم طغاة ومترفون وفاسدون وناهبون وأنانيون على مستوى العلاقات الخاصة والعامة على حد سواء.
 
عقود من الزمن وهم ينغصون حياة شعب بأكمله، ويمنونه بالفضلات والمسوغات الزائفة، فورث عنهم الجوع والخوف والذل والهوان. بينما هم وزوجاتهم وأبناؤهم والأقربون غارقون في اللهو والترف والملذات، ويعيشون في جنة عرضها الدنيا. 
هكذا هي حياة هوامير السلطة، زيفوا الوعي وتآمروا على الوطن، وقدموا أنفسهم على أنهم الآلهة والأنبياء والمصلحون، وما إن هبت رياح التغيير من الشمال والغرب، وأحسوا بالخطر والعواقب المخيفة حتى رفعوا لواء (المجد للذئاب)، وفكروا وقدروا ثم فكروا وقدروا فكانت آية صلاتهم (السرق أخوة)، ثم فكروا وقدروا ثانية فألفوا مسرحية هزلية ومأسوية، كانوا أبطالها ومخرجيها معاً. وما مشهد التصافح والتصالح الذي شغل الناس يوم العيد، إلا مشهد من مشاهد تلك المسرحية التي تعددت أحداثها غير البريئة، كأحداث (دماج، وحاشد، وعمران، وأبين، وحضرموت، وشبوة، والبيضاء، وأزمة المشتقات النفطية، وانفلات الأمن) وسواها. 
 
نعم، لقد شغل مشهد سلام العيد أبناء الشعب اليمني، مع أنه أمر عادي جداً في عرف أهل اليمن وعاداتهم وتقاليدهم، يحدث بين جميع الناس في مصلاهم عقب صلاة العيد، بما فيهم أهل الخصام والشقاق والنفاق. ولذلك، فهذا السلام لا يدل على نقاء السريرة وصفاء الروح وتوافر إرادة التصالح بين الخصوم. فظروف العيد وطقوسه وأحواله تتسم بالبهرجة والزيف والاعتناء بالمظهر أكثر من الجوهر، وسريعاً ما تتكشف تلك الأقنعة الزائفة. ألم يكن منطوق المثل الشعبي: "لا تغرك بنات العيد ولا دواب علان"، يحذر من الانخداع بمظاهر العيد؟. 
 
إن سلام العيد المعلوم بين العليين وهادي وسواهم من بقايا تركة المجد الماضي الحاضر قد فتح باباً واسعاً من الاحتمالات، الأول: أن ما سمعناه خلال سنوات ثلاث خلت من خلاف حاد بين علي وعلي أو بين العليين وهادي ما هو إلا بهرجة عيد وإدعاء زائف، وإنهم الثلاثة ممن اشترك بقوة في تأليف المسرحية الهزلية والمأسوية معاً، وأنهم أيضاً أبطالها واللاعبون الحقيقيون بالشعب كرة قدم لتحقيق مآربهم وغاياتهم الخاصة، لعل أهم تلك الغايات: تقطيع أذرع الخصوم القوية، وشفاء الصدور من الأعداء بضرب بعضهم بعضا. وكذا تأديب أولاد الشيخ الأحمر وكسر شوكتهم؛ كونهم ألد الأعداء الذين بذلوا الغالي والرخيص في سبيل إسقاط النظام. وكذا الوصول بالشعب إلى الإيمان بوجوب لعن الخروج وترديد (سلام الله على الماضي). 
 
أما الاحتمال الثاني، فهو يشير إلى أن ما حدث ما هو إلا استجابة قهرية لضغوط خارجية، إذا لم تكن فسيتعرضون جميعاً للعقاب وقطع المدد ورفع الغطاء عنهم، ولذا خافوا واستجابوا وركعوا معاً ركوع العيد وسلموا سلامه. 
 
 أما الاحتمال الثالث، فيرجع إلى شرعية المثل السائد (السرق أخوة) وخشيتهم جميعاً من اقتراب موعد الفرار أو الاختفاء قسراً من الساحة السياسية والجغرافية، أو تعرضهم للعذاب والقتل من قبل أجناد السيد وكتائبه المظفرة بالنصر في دماج وحاشد وعمران والجوف وذمار، والمحاصرة لصنعاء من الداخل والخارج، والمتمددة بقوة في كل مكان، فلعل سلامهم وتآلفهم وتحالفهم من جديد يؤجل ذلك الموعد. وثمة احتمالات أخرى قد تبدو لغيرنا،  وإن كنت أرجح اجتماع الثلاثة الاحتمالات معاً.
 
خلاصةً، لست ساراً بما حدث، فهو ليس نتاج ولاء وطني أو نزوع ذاتي، أو إرادة محلية أو توبة سياسية فقد عرفناهم متفقين ومختلفين، اتفقوا وكانت حرب صيف 94، والحروب الست في صعدة، واختلفوا وكانت حروب الصمع وحاشد وعمران، وتمزق الجيش وتفاقمت الأزمات، وأخيرا فكروا في التصالح والتحالف من جديد فجاءت مع تفكيرهم الجرعة القاتلة التي لن تبقي ولن تذر. 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي