المؤتمر بين خيارين

د. عبدالله صلاح
السبت ، ٢٦ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٤:١١ صباحاً
 
المؤتمر الشعبي العام حزب سياسي يمني له منزلته وحسناته وسيئاته وأساليب حياته التنظيمية والسياسية الخاصة، وقد ملأ الدنيا ضجيجاً وشغل الناس، بسبب حكمه للبلاد لما يقارب من ثلاثة عقود، ودخوله في تحالفات ونكبات عركته وأكسبته حنكة وتجربة سياسية واسعة، وأثارت حوله كثيراً من التساؤلات والتنبؤات التي تشير إلى قوة حضوره وتوغله في صميم المجتمع اليمني بمختلف شرائحه ومكوناته الاجتماعية والثقافية.
 
ولعل من أهم تلك التساؤلات الحديثة التساؤل المشروع والهام الذي أثاره الناقد والمحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع في عدد يوم الأربعاء من صحيفة اليمن اليوم، في مقال بعنوان (المؤتمر الشعبي إلى أين؟). ولا شك في أنه تساؤل هام جداً لمصداقيته وواقعيته وملامسته للتوجسات التي تشغل أذهان قطاع كبير من قاعدة الحزب وجماهيره، خاصة وأنه قد مر خلال السنوات الثلاث الأخيرة بحالات مخاض مؤلمة جداً، راهن فيها كثير من الخبراء والمحليين السياسيين على أن خاتمته التحلل والانهيار، ومنت نفسها الخصوم بقرب أجله ومشاركتها في الدفن ومواكب العزاء..
 
لقد صدق الدكتور الشجاع كعادته في توصيفه لماضي الحزب وتنظيره لواقعه الراهن، فالقيادات الانتهازية التي تحكمت في مصير الحزب قبل الأحداث الأخيرة ما تزال هي من تقود العربة اليوم بذات العقلية والأسلوب وكأن شيئاً لم يحدث، سواء كان ذلك على مستوى التنظيم الداخلي للحزب، أم على مستوى الخطاب الإعلامي. هذا ما يظهر جلياً عند مقاربة مواقف الحزب وخطابه السياسي ما قبل الأزمة وما بعد.
 
إن من المهم التأكيد على أن حزب المؤتمر الشعبي العام حزب موسمي وعفوي وغير معقد في بنائه وتكوينه السياسي والثقافي، وقد اكتسب فاعليته وقوة حضوره وثقله ما قبل الأزمة على ثلاثة أعمدة، العمود الأول يتمثل في الشخصية الكاريزمية لرئيس الحزب والدولة معاً حينها الرئيس علي عبد الله صالح. والعمود الثاني اتكاء الحزب على نفوذ الدولة ووسائلها ومقدراتها لاستقطاب وإغراء وإرضاء كبار النافذين في المجتمع، أو لإسكات الخصوم والمؤلفة قلوبهم وهم كثر. والعمود الثالث اتكاءه أيضاً على مشايخ القبائل والنافذين في البلاد وكبار رجال المال. وهي أعمدة اقتضت المصلحة تداخلها وتشابكها؛ ولذلك كانت تراهن الأحزاب السياسية المعارضة وكثير من الناس على حتمية سقوط حزب المؤتمر بسقوط أحد أعمدته أو حدوث أي خلل في البناء المتداخل للحزب. ولكن كانت المفاجأة الكبرى -التي لم يتوقعها أحد، بما في ذلك قادة الحزب وقواعده- وهي ثبات الحزب وتماسكه وازدياد شعبيته بعد تعرضه لكارثة ما سمي بالربيع العربي وخروجه من دائرة التفرد بالحكم، إذ ظلت شريحة عريضة وواسعة من قواعد الحزب تدين بالولاء للحزب وتقدسه وتستميت في الوفاء له، بعيداً عن أية ارتباطات بقيادات الحزب، التي هي أصلاً تعيش في عزلة عن قواعدها ولا تمارس أي نشاط تنظيمي يجمع شتات هذه القواعد بالمرة، إلا في حالات نادرة وموسمية كما يحدث هذه الأيام في رمضان، وهي تقتصر على نخب الحزب والمقربين منهم.
 
ربما يكون لظاهرة تماسك الحزب أكثر من قراءة أو تفسير، ولكن الأقرب إلى الصواب فيما يبدو، هو براءة نشأت الحزب وعافيته من الأدلجة وثقافة الكراهية والإقصاء، فلم نسمع مطلقاً في فترة حكمه أن قواعده كانوا يخضعون لتعبئة فكرية أو عقدية، أو أنها تمارس الإقصاء أو التكفير أو استخدام السلاح للتمدد أو بلوغ غايات خاصة. 
 
إن ما حدث بعد الأزمة من صراعات بينية وتكفير وحقد وكراهية وحروب واغتيالات وتصفيات بالسلاح بين الجماعات والأحزاب السياسية التي شاركت معاً في الخروج إلى الساحات مطالبة بإسقاط النظام، أثبت لقواعد المؤتمر وهم البسطاء من أبناء الشعب أن حزبهم هو الوحيد الذي يعلي ثقافة حب الوطن وهويته ووحدته على عكس ما تصنعه الأحزاب والجماعات الأخرى التي تعلي من شأنها وشأن كوادرها، وتموت في سبيل تمكينها من السلطة والثروة أو في سبيل تحقيق مشروعها الخاص، ولو ذهب الوطن إلى الجحيم.
 
المهم أن الكرة الآن في ملعب قيادة حزب المؤتمر وعليها أن تدرك أنها أمام فرصة تاريخية لا يمكن أن تعوض أبداَ، فالشعب في غالبيته أدرك وسطية حزب المؤتمر وكفاءته وتنازله من أجل الوطن، خاصة بعد إن اكتوى بنار الفوضى وانعدام أبسط مقومات الحياة من أمن وماء وكهرباء وبنزين وحياة كريمة. وهو الأمر الذي يضع قيادة المؤتمر أمام اختبار صعب، فهي أمام خيارين، إما الجنوح بالحزب نحو العمل الديمقراطي وتغيير سياسة اللعب على المتناقضات وتمكين المشايخ والأنساب والأصهار والتجار من تولي أعضاء الأمانة العامة. وإتاحة الفرصة للنخب المثقفة والمتعلمة الشابة لإدارة الحزب على وفق آليات النظام الديمقراطي وأساليبه. وهذا الخيار سيبعث الحياة في الحزب والوطن معاً من جديد ويدفع به إلى العمل المنظم والمنهجي والدخول في معاركه السياسية بقوة وثقة واطمئنان. 
 
وأما الخيار الثاني وهو التباطؤ في الانتقال إلى الخيار الأول أو الاستمرار في العمل بالعقلية ذاتها والأساليب نفسها، وهو ما سيجعل الملل والضعف والعجز يتسرب إلى جسد الحزب شيئاً فشيئا، وسيؤدي هذا حتماً في الأخير إلى موته واختفائه من خارطة الملعب السياسي في اليمن مستقبلاً؛ ليأس قواعده من عدم تحديث الحزب بما يتناسب مع معطيات الراهن، وعدم ثقتهم بالقيادات التقليدية الفاشلة على مستوى المحافظات والمديريات، وها نحن اليوم بدأنا نشاهد تسرب بعض قواعد الحزب وانضمامهم إلى أحزاب أخرى أو جماعات ولدت حديثاً وتتمدد بسرعة.    
الحجر الصحفي في زمن الحوثي