سيدي الرئيس ...لا يأكلون الثوم بفمك

د. عبدالله صلاح
الثلاثاء ، ١٥ يوليو ٢٠١٤ الساعة ١٢:٣١ صباحاً
 
سيدي الرئيس: ربما أنت أكثر من يدرك تفاصيل ما كان وما يكون. (ما كان) لأنك كنت أقرب من حبل الباب العالي وحبائله لعقدين من الزمن، و(ما يكون) لأنك الباب العالي والحبل ذاته؛ ولذا فلا أعتقد أنك تجهل حقائق ستة حروب خاضتها الدولة وهي في عز شبابها ضد جماعة الحوثي، مع توافر عوامل أخرى مساعدة لها وذات جدوى وفاعلية. منها أن القوات المسلحة كانت في عافية، ولها رديف شعبي هائل، فضلاً عن انفتاح خزائن دول صديقة وشقيقة للمدد بكل ما لذ وطاب من المال والسلاح والسند الدولي. ومع ذلك كله، كانت تخرج الدولة خاسرة على مستوى الاقتصاد والأمن والنسيج الاجتماعي، بينما تزداد الحركة قوة وتمدداً وثباتاً في الرأي والموقف.
 
سيدي الرئيس، لقد وقفت بكل تأكيد على غرابة رأي ومواقف بعض الجماعات والتحالفات القبلية والدينية حينذاك، فحين تكون الحرب مشتعلة يرفعون عقيرتهم إلى السماء وينددون بجرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان. ولكن ما إن تقف الحرب ويبدأ الحوثي في ممارسة نشاطه السياسي والديني حتى تقوم قيامة تلك الجماعات، وتستميت في إثارة الدولة وحض الجيش من جديد على وقف الخطر المحدق بالبلاد والجمهورية والسيادة الوطنية. وهكذا كانت مواقفها طوال الستة الحروب. المهم أنها كانت تريد ضرب عصفورين بحجر، إضعاف الدولة والجماعة معا، مستغلة سذاجة الدولة لـ (تأكل الثوم بفمها) .
 
سيدي الرئيس: كم أؤمن بأنك فطن ونابه، تحس وتدرك محاولات إسقاط تلك الآراء والمواقف والتصرفات خلال سنوات حكمك؟. ألم ترَ حين تلبي رغباتهم أو تغض الطرف عنهم أو تحاكي سيرهم، كم يصلون عليك ويسلمون ويسبحون بحمدك، فإذا أنت الأصلح والأوحد في الوطنية والوفاء  والتضحية؟!. ولكن حين تأبى السير معهم ومجاراة تماديهم في الخطأ،كم يسلقونك بألسنة حداد، ويرتلون آيات اللعن والطعن في الخائنين والعملاء والمتآمرين؟. 
 
سيدي الرئيس إنك تعلم علم اليقين، أنهم خسروا كل شيء، وإنهم بخسارتهم يريدونك أن تخسر معهم أيضاً، لأنك كما يعتقدون خذلتهم وفرطت في واجبك الديني والوطني، وهم من لهم الفضل في بلوغك سدة الحكم. إنها أمانيهم أن تخسر، ولكن خسارتك هي خسارة الوطن واعتلاله وذهابه إلى المجهول. ولذلك أرجوك لا تصدقهم في جر الجيش والبلاد إلى حرب خاسرة حتماً، فجيشك ممزق إشباعا لرغبتهم، ودولتك معلولة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ومخذولة عربياً وإقليمياً ودولياً. فكيف لسعادتك أن تخضع لقول من يفجر في الخصومة، ويحب الموت للوطن والناس جميعاً، ولا يحب الحياة إلا لنفسه؟!!. 
 
سيدي الرئيس، الوطن لا يحتمل أكثر مما فيه، فلا تستجيب لمعاركهم التي يديرونها من وراء جدر بالكذب والزيف والإغواء. ولذلك هم يخسرون باستمرار ولا يعتبرون، أليست تكفيهم حروب (دماج وكتاف وحاشد وعمران) لإعادة النظر في سلوكياتهم وممارساتهم. فهم مهما صنعوا وأعدوا العدة فلن يجدي شيئاً في تغيير المعادلة، وأن جماعة الحوثي ستتمدد أكثر في حال وقوع حروب جديدة.
 
سيدي الرئيس..إني لا أدافع عن الحوثي، فهو قد بلغ من القوة والانتصار ما لا يستطيع أحد إنكاره، ولكني أدافع عنك وعن الوطن، فخذ بيده كما أخذت بيد الحراك وبيد الجميع وأشركه في الأمر، واجعله يحس بالمسئولية في بناء الوطن. واصدق الجماعة بالنصيحة أن يوطنوا أنفسهم لقبول الأمر الواقع، وعدم التفكير في دخول حرب جديدة فهم الخاسرون حتماً، وأن لا وسيلة أمامهم إلا الإيمان بقيم التسامح والتصالح والتعايش والتنازل، ليس منهم فقط، ولكن من كل الأطراف، بما في ذلك الحوثي، الذي يجب عليه أن يتخلى عن عقيدة التمدد بالسلاح والجنوح نحو بناء تيار سياسي كي يُطمئن الناس ويبدد شكوكهم حول ارتباطه بالخارج ومشروعه الإمامي. 
 
سيدي الرئيس، هذا ما يجب أن يكون، ما لم فنحن على موعد مع سقوط كلي للدولة والدخول في حرب أهلية في كل الأحوال لن تكون مدتها أقل من حرب الستينيات وهي سبع سنوات عجاف. اللهم سلم.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي