ربيعُ الشيطانِ العربي

د. عبدالله صلاح
الاربعاء ، ٠٢ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤١ مساءً
 
لا حاجة بنا لتكرار فكرة معاونة شياطين الجن للشعراء العرب قبل الإسلام، فهي فكرة رائجة وراسخة في ذاكرة الإنسان العربي، فلكل شاعرٍ عربي فحل جنيةٌ أو جنيٌ ينفث الشعر على لسانه، أو يساعده في قول الشعر: (إني وكل شاعر من البشر/ شيطانه أنثى وشيطاني ذكر). ولكننا نشير  فقط إلى تعاظم فاعلية دور شياطين الجن في حياة الإنسان العربي. ليس في موضوع إلهام الشعر فحسب -الذي امتد الاعتقاد به إلى مختلف العصور الإسلامية وحتى اليوم، فقد روي عن الفرزدق أنه قال: ( شيطان جرير هو شيطاني إلا أنه من فمي أخبث)- ولكن في مواضيع أخرى، حيث تعاظم نفوذ الشيطان في مختلف نواحي حياة الإنسان، وإن كثر حضوره وتعاظمه في مواقف النزاعات والخصومات والأحداث القابلة للانفجار، ليكون دوره فقط إشعال فتيل الحرب والقتل وارتكاب الجرائم وفعل المعاصي. 
 
وعند تصفح التاريخ لا يمكن أن ننسى الحادثة التي حضر فيها الشيطان دار الندوة بصورة شيخ نجدي، للكيد برسول الله وتأييد فكرة قتله التي طرحها أبو جهل ليتفرق دمه بين القبائل. وقد أثنى الشيخ النجدي/الشيطان في الاجتماع على رأي أبي جهل وعبقريته.
 
إننا من خلال قراءة تاريخ العقل العربي القديم والمعاصر، نستنتج عمق علاقات هذا العقل بالإرث الثقافي والفكري، الذي يرسخ صورة الشيطان باعتباره القوة والسلطة الحاكمة والمتمكنة من بسط نفوذها في واقع الأمة العربية والعالم بآسره. فإذا كانت العلاقة في جانب الإبداع الشعري، علاقة إلهام وتوجيه، فإنها في الجانب الاجتماعي والديني والسياسي علاقة إغواء وإفساد وتمكين وإخضاع، وفي المقابل خنوع واستسلام وإيمان بعظمة وفاعلية مكائد الشيطان. 
 
لقد أصبح من المعلوم أن الجن دول وقبائل وشعوب، شأنهم شأن بني الإنسان. ولا شك في أن دولهم وشعوبهم تتفاضل في قوتها وسلطتها وثقافتها ووعيها كما تتفاضل دولنا وشعوبنا. ولذلك نعتقد أن دول الشياطين وشعوبهم قد نظمت حياتها الخاصة على وفق قوانين ودساتير ومنظمات وهيئات دولية. وبما أن دائرة مهامها مرتبطة بحياة الإنسان، فأنها قد تقاسمت جغرافيته واستعمرتها حسب إمكانيات دولها وشعوبها. وثمة من يؤمن من البشر بأن قوة أمريكا ونفوذها في العالم يرجع إلى تحالفها المتين مع أقوى دول الجن وقبائلها. وشخصياً لا يمكن أن أننسى حديث صديقي الأكاديمي وهو يُنظر لإيمانه بأن الداخلية السعودية ما كان لها القدرة على هزيمة الإرهابيين لولا تحالفها مع الجن وخدمتهم لها.
 
وبناء عليه، ليس من المعقول أن تكون أكثر دول الجن وعياً وتقدماً وحضارةً من يتولى حكم الدول العربية. وإنما من المؤكد أن أفشل دول الجن وأكثرها قبحاً وجهلاً وحقداً ومرضاً هي من تمارس سلطة الإغواء والإفساد وتفرض عقابها وتفرز عاهاتها في دول العالم العربي. وهي في كل تصرفاتها وسلوكياتها تثبت حقيقة (إعادة المجد للشيطان) في الأرض العربية، فإذا كان شياطين الجن قد حبسوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكان اسمه "محبس الجن" في مكة، ومنعوا من تجاوزه إلى حرم الله. فإن شياطين الجن اليوم يمارسون مهامهم الاعتيادية في كل مكان، بما في ذلك (حرم الله).  وما هدم الكعبة بالمنجنيق بعد وفاة الرسول (ص) إلا إعادة تفعيل دور الجن، وكذلك ما نشاهده من سرقات متكررة لزوار حرم الله حول الكعبة؛ وقد شاهدت بأم العين إلقاء القبض على أكثر من سارق وهم يرتدون لباس الإحرام ويطوفون حول الكعبة.
 
إن أهم غايات شياطين الجن وأفضل أحلامهم تتمثل في إفساد الإنسان وإغوائه وجره إلى الفتنة والقتل، والانحراف به عن دين الله وشريعته. وإذا كانت تلك أحلام الشياطين وطموحاتهم فإن شهر رمضان لهذا العام يعدُّ (ربيع الشيطان العربي). وما نراه اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن يؤكد على أن مساحة جغرافية واسعة من الوطن العربي قد تمكنت منها الشياطين وبسطت نفوذها ليستحر القتل وتسفك الدماء وتخرب البيوت وتشرد النساء والأطفال وتبقر البطون وتؤكل لحوم البشر. كل هذا نراه في شهر رمضان الذي تفتح فيه أبوان الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين كما جاء في الحديث. فيا ترى لماذا لم تصفد الشياطين؟. أم إن الحديث زائف وضعيف أو مكذوب على رسول الله؟. أم أن الشيطان قد اطمئن لولاء الإنسان العربي وعبادته له، فسلمه لواء الشيطنة، وذهب في إجازة مفتوحة؟.  
 
 أي جنون هذا الذي يحدث في اليمن والعراق وسوريا وليبيا و...، قتلٌ وخرابٌ وسفك دماء وتشريد وتجويع، فهل هؤلاء مسلمون؟، وهل لهم صلة بالقرآن؟. ألم يقرأوا قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً). لا أعتقد أن أية عقوبة أخرى في القرآن تساوي عقوبة القتل. ومع ذلك لم نجد أمة أخرى تنافس أمة القرآن في إبداع فنون القتل وممارسات التعذيب. 
 
إننا بهذا الفكر والعقل والثقافة نستطيع أن نُطمْئنَ الشيطان العربي بأن ربيعه سيطول، وعليه ألا ييأس أو يشعر بالإحباط، فالأمة العربية تؤمن بوعوده وأمانيه، ومن المستحيل أن تفكر في أن ما يعدهم يدخل في دائرة الغرور.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي