السفينة القشة التي قصمت الجيش الجمهوري
مع تصاعد الخلافات بين بعض وحدات الجيش، وتداخل الصلاحيات في أعلى هرم القيادة العامة للجيش بين القائد العام (العمري) وبين رئيس الأركان (عبدالرقيب)، كان هناك من يوسوس في عقل العمري في عدم مد بعض قوات الجيش بأية عوامل للقوة أو التطور أو حيازة السلاح، خاصة الوحدات التي حسبت على عبدالرقيب كالصاعقة والمظلات والمدفعية والمشاة، ومن يدعمها من المقاومة الشعبية باعتبارها قوات طائفية (شافعية) حزبية، ويجب تقييدها أو الحذر منها على كل صعيد، وظل ينظر إلى عبدالرقيب وقواته بتوجس من الجميع؛ رئاسة وقيادة عليا للجيش وحكومة ومشايخ.
كانت أسلحة السفينة هي التي طفحت بالمشكلة الكامنة في العمق إلى السطح، والشرارة التي أشعلت الأحداث فيما بعد.
حصل أن وصلت سفينة روسية محملة بصفقة أسلحة للجيش اليمني كان قد عمل على إبرامها السلال وجزيلان والعمري قبل انقلاب الإرياني وقبل الحصار، ولكنها وصلت إلى الحديدة بعد الحصار بزمن يسير.
فبحسب رواية سنان أبو لحوم كان هناك سباق بين العمري وفريقه من الضباط الذين رافقوه من صنعاء وهم علي سيف الخولاني وحسين المسوري ومحمد الخاوي، وحسين الدفعي، كما توافد بشكل سري عدد من الضباط وقادة الوحدات العسكرية منهم: محمد عبدالخالق قائد المدرعات، عبدالله عبدالسلام صبره، حميد العذري، عبدالله الراعي، لطف سنين، ولطف الراعي. [كان هؤلاء طرفاً داعماً للعمري ومشايخ القبائل].
بالمقابل وصل بعض الضباط المحسوبين على التيار القومي من المتعاطفين مع النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الأركان.أ هـ
ذهب عبدالرقيب عبدالوهاب باعتباره الرجل العسكري الثاني في الجيش؛ فهو رئيس الأركان المسؤول عن الجيش تسليحاً وتدريباً وقيادة، بعد القائد العام الفريق العمري، ذهب لاستلام تلك الأسلحة وتوزيعها على وحدات الجيش التي ترابط في جبهات صنعاء بعد الحصار بزمن وجيز؛ إذ إن الفلول الإمامية لم تغادرها بشكل كامل، ولم تيأس بعد من إعادة الحصار واحتلال العاصمة، وأراد عبدالرقيب أن يوزع تلك الأسلحة على الوحدات باعتبار الاختصاص لكل وحدة، وفوجئ بالقائد العام العمري في الميناء يوقفه عن استلام السلاح وتوزيعه، بناءً على عدم الثقة المتبادلة بين الشخصيتين للخلافات السابقة ولوسوسة شياطين الطائفية والمناطقية ومن لا يروقهم بناء الجيش على أسس علمية حديثة.
كانت السفينة السابقة للسفينة الروسية هي سفينة صينية قد أفرغت حمولتها بسلام، وأرسل العمري أسلحتها مع العميد حسين الدفعي إلى صنعاء، ثم بعد أيام وصلت السفينة الروسية وكان عبدالرقيب قد سبقه إليها وأمر من معه بإغلاق الميناء أمام أي داخل، ولما وصل العمري ومن معه منعه الضباط والجنود من الدخول فاستعمل العمري القوة المسلحة واعتقل بعض تلك الحماية، ودخل وتلاسن مع عبدالرقيب؛ كانت الملاسنات مناطقية عنصرية، أكدها الشيخ الأحمر في مذكراته.
هنا تصاعدت الخلافات بين العمري وعبدالرقيب، وصارت أكبر أزمة تشهدها الجمهورية بعد الحصار وصلت حد انقسام الجيش والقوات الشعبية للطرفين، وانقسام مناطقي أيضاً، وطائفي بحسب الإرياني؛ وهنا فقد العمري لباقته السياسية ونعت علي مثنى قائد المدفعية بالحبشي لمزاً له كونه من أب يمني وأم حبشية، ونعت عبدالرقيب بالبرغلي، (وهذه تستخدمها الثير من القيادات العسكرية فغي التعامل مع أبناء تعز إلى اليوم، وكم مرات تعرضت لها أثناء العسكرية وصلت حداً لا يطاق) وحصل التلاسن بين الجانبين، ولما لم يوقف عبدالرقيب توزيع الأسلحة أمر محافظ الحديدة الشيخ سنان أبو لحوم المحتمي بالقبائل بضرب مقر نقابة العمال وبعض المقرات العمالية الأخرى التي يتهمون اليساريين بالاحتماء بها لمساندة عبدالرقيب، وبدأت الاشتباكات، ورغم تواجد الإرياني وبعض الشخصيات لحل الإشكال، اتفق الجميع على أن تورد الأسلحة لقصر السلاح بصنعاء؛ الإرياني يقول يشرف عليها العقيد السكري، والشيخ الأحمر يقول سلمت لمجاهد أبو شوارب وسلمها لقصر السلاح!
ألمح سنان أبو لحوم في روايته لأحداث السفينة والحديدة إلى تحميل العمري المسؤولية في تفجير الصراع، كما ألمح إليه الشيخ الأحمر من قبل، فقال سنان:
إشتدت الأزمة عندما أمر الفريق حسن العمري بإخراج الدبابات إلى الشوارع الرئيسية في طريق الميناء، وطريق الحديدة صنعاء على إثر خلاف بين أبو ذيبه، أحد مرافقي الشيخ غالب الأحمر، وبعض أفراد المقاومة الشعبية، حيث حصل إطلاق نار من مقر المقاومة الشعبية إلى الرصدة ففر ضباط المدرعات إلى المحافظة، وتبعهم ضرب الرصاص إلى المحافظة، فاندفع عسكر المحافظة وانفجرت الحرب مع المقاومة.أ هـ
وكذلك سنجد ان الشعيبي من طرف العمري يتهم سنان أبو لحوم بذات الأمر.
بحسب كل هذه الروايات فقد كان الجميع منقسماً؛ وحدات عسكرية مع العمري مدعومة من قبائل حاشد وبكيل ونهم، وعبدالرقيب ومن معه من بعض الضباط مدعومين بالمقاومة الشعبية المتواجدة في الحديدة التي شكلتها النقابات العمالية، ومن الغباء الكبير لعبدالرقيب أن يخوض حرباً في هذا المحيط الطامي بمناصري العمري والمحافظ سنان أبو لحوم؛ كون داعميه معهم أسلحة خفيفة وهم مدنيون في الغالب، لذلك رأينا أنه لم يخض الحرب هناك، واستعمل العمري والمحافظ القوة المفرطة المدعومة بالدبابات بحقهم والاستيلاء على مقرات النقابات والمقاومة، بحجة أنه تم إطلاق الرصاص على المحافظة من هذه المقرات، كما يذكر الإرياني والأحمر وأبو لحوم، وهؤلاء النقابيون الحزبيون لم يكن معهم من وسيلة إلا أسلحة خفيفة هي كل ما صرح لهم بها أثناء مقاومة المحاصرين، وكذلك لم يكن معهم إلا المظاهرات التي يعبرون بها عن غضبهم وبياناتهم الرنانة –كما قال سنان أبو لحوم- كحالهم إلى اليوم دون قوة، ويعطون غيرهم الذريعة والدافع لاستعمال القوة معهم، وفي النهاية يذهبون ضحية للأحداث، ينطبق عليهم المثل القائل "أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل"، وهنا يبدو كل شيء واضحاً.
انتهت هذه الأزمة بالوساطة وحل الرئاسة لها، كما سردها الإرياني سابقاً، إلا أن آثارها ستبقى إلى صنعاء وانفجارها مجدداً في 23 و24 أغسطس عقب قيام العمري بإقالة قيادة الوحدات العسكرية التي كان لها الدور الأكبر في كسر حصار السبعين، وشعورهم بالغبن والغدر جراء تلك الإقالات، ومن الطبيعي أن تؤخذ عملية الإقصاء في نفوسهم بعد كل تلك التضحيات والصمود الذي لم يقدمه غيرهم، وقد كانوا أسبق إلى الصمود ومواجهة حصار الإمامة من العمري نفسه؛ فالعمري وصل صنعاء في 18 ديسمبر، بينما بدأ الحصار في 27 نوفمبر، وكان أولئك الأبطال في مواقعهم يتصدون لجحافل الإمامة.
نلاحظ هنا أن كل هذه الروايات من جانب ممثلي السلطة من أحد طرفي الصراع، ولا يوجد رواية للطرف الآخر إلا رواية سعيد الجناحي، وهو من تيار عبدالرقيب بطبيعة الحال، إذا سلمنا أن عبدالرقيب كان من التيار القومي المرتبط بجنوب اليمن، يمكن تكون روايته للأحداث هي رواية الطرف الآخر. يقول الجناحي:
كان الاتجاه هو إبعاد تلك الأسلحة عن القوى التقدمية بأن تسلم للجيش الشعبي (القبائل)، فتواجد الفريق حسن العمري القائد العام ورئيس مجلس الوزراء، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والشيخ سنان أبو لحوم في الحديدة كي يتم استلام الصفقة وتوزيعها على المشايخ وأتباعهم، ومن الطبيعي أن يثير ذلك التوجه حفيظة القوى التقدمية في رئاسة الأركان وأوساط القوات المسلحة والمقاومة الشعبية التي أبدت رفضها لذلك التصرف الذي يتنافى مع أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في بناء جيش وطني قوي، يقوم على أساس من التقاليد العسكرية لمختلف الجيوش، متجنباً النزعة الطائفية، وهي النزعة التي حاولت القوى الرجعية إثارتها لتمزيق الوحدة الوطنية، وبسبب ذلك تفاقم الخلاف، وكان عدد من المشائخ بمجاميع من العناصر العسكرية المؤيدة لذلك الإجراء بعضها من العناصر التي تركت مواقع القتال أثناء الحصار لمحاصرة مقر المقاومة الشعبية في الحديدة، ومقر الاتحاد العام للعمال، ثم مداهمة المقرين، بل لقد ضرب مقر الاتحاد العام للعمال بمدفعية مصفحة، وتمت محاصرة وحدات معسكرات الجيش، ونهبت أموال وممتلكات المقاومة الشعبية واتحاد العمال، وتم اعتقال قادة المقاومة الشعبية وعشرات من الوطنيين من العمال والعسكريين. أ هـ
وفي حين يتهم الجناحي العمري بالتواطؤ مع مشايخ القبائل لتوزيع الأسلحة عليهم ينفي الشعيبي هذه الاتهامات عن العمري، وهو من اليسار أيضاً، ويعتبر الجناحي من الشاطحين في الفكر، ويقول إن العمري أوقف عبدالرقيب عن توزيع الأسلحة، ويتهم الجناحي وعبدالرقيب الحربي، وهما من قادة منظمة حركة القوميين العرب، بتأجيج نار رد الفعل المقابل في ذلك الصراع.
لكن الإرياني وسنان ذكرا نفس رواية الجناحي، وزادا باتهام الشيخ العواضي أنه كان هناك لاستلام الأسلحة من عبدالرقيب، وهو ما تنافى مع كثير من الروايات الأخرى من اعتزام عبدالرقيب توزيع السلاح على الوحدات العسكرية كلاً بحسب تخصصها، وقد بدى رأي الإرياني هنا متحيزاً ضد العواضي وعبدالرقيب لصالح العمري والشيخ الأحمر وسنان، وهو ما تم مراكمته على العواضي ليتم تصفيته لاحقاً إلحاقاً بعبدالرقيب وزملائه، وستكون تصفية الشيخ العواضي بنفس مسرحية وسيناريو تصفية عبدالرقيب، مع أن سنان يستثني بعض الشيء عن العواضي أن دافعه لم يكن كله مع عبدالرقيب لأخذ السلاح من هناك.
وفي الوقت الذي عابوه وتوجسوا خيفة منه أن يوزع عبدالرقيب تلك الأسلحة على الجيش الشعبي بقيادة العواضي، وكذا النقابات العمالية هناك الداعمة لعبدالرقيب المساندة للجمهورية والواقفة ضد الحصار، كانت قبائل نهم وبعض حاشد ترابط في الحديدة دعماً للشيخ أبو لحوم، وتسلمت هي بعد ذلك تلك الأسلحة وضربت بها قوات عبدالرقيب في صنعاء، وهو ما أكده النعمان أيضاً.
ولعلم القارئ الكريم فإن قبائل حاشد ونهم من حيث الفكر والطائفة هي سنية فكرياً في جغرافيا إمامية عبر التاريخ، [حسبت تاريخياً كل مناطق شمال الشمال جغرافيا زيدية مع أنها سنية بحكم التحكم والسيطرة الإمامية]، وقد عملت على مناصرة الإمامة تارات، ومواجهتها تارات أخرى، لكن تلك المواجهات كانت في بداية الإمامة قبل أن تتكون دولة مسيطرة في عهد الهادي الرسي وبنيه، وأيام الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من التاريخ الحديث، أما بعد أن كونت الإمامة دولة مسيطرة وأخضعت القبائل والمناطق بالإرهاب والحديد والنار صارت قبائل حاشد وبكيل من أعمدة الجيش الإمامي للسيطرة على البلاد المتسلطة على المواطنين، في سبيل الفيد والاسترزاق، وليس سبيل الفكر والعقيدة إلا قليلا!
كلام العمري العنصري والبذيء، وسخريته واستهزاؤه واستنقاصه بعبدالرقيب ومن معه، أكده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته، ويلقي بمسؤولية تفجير الموقف على العمري، ومنه نستشف أنه كان يحقرهم، جعلت ضمن أسباب ودوافع الصراع، يقول الشيخ عبدالله الأحمر:
كان مما زاد من غضبهم ودافعهم للمواجهة ما وصلهم من العمري عندما كان البعض يقولون له: إنهم سيفجرون الموقف [تعبئة ووسوسة للفتنة والصراع]، فكان يرد عليهم مستهزئاً بعبدالرقيب وجماعته قائلأً: لن يفعلوا شيئاً؛ إنهم أضعف وأعجز من أن يعملوا شيئاً، وكان يطلق عليهم عباراتٍ بذيئة" (مذكرات الشيخ عبدالله صـ175). وهذا بحد ذاته يعتبر اعترافاً من العمري بعدم توجه عبدالرقيب للانقلاب ويؤكد توجههم المتعمد لقتله، إذا ما استثنينا روايتي الكحلاني والشعيبي.
بعد هذه الحادثة تصاعدت الخلافات، وقدم عبدالرقيب استقالته من رئاسة الأركان، ثم ما لبث العمري أن حمل الأمر في نفسه وقام أول ما قام به في صنعاء بإقالة علي مثنى من المدفعية وحمود ناجي من المظلات وعبدالرقيب من الصاعقة (بينهما تفاصيل كثيرة ليس مجال سردها)، وهنا كانت الإقالات من طرف واحد، ليتم بعد ذلك استبدالهم من مناطق (زيدية) ألهب أسباب الصراع.
من حق القائد العام، مهنياً واختصاصاً، تغيير القيادات في الجيش، لكنه كان من حسن السياسة العمل على الموازنة بين أبعاد الفتنة لإطفائها أو إذكائها بالإقالات، إلا أن تعنته واستخدام صلاحياته ضد طرف بعينه أظهره بمظهر المتعصب المتخندق مع طرف دون طرف، كما هو حال الرئيس الإرياني أيضاً. فقد عرف عن العمري الصرامة والحدة العسكرية والتسرع وعدم فقهه السياسي.
وقد كانت تخوفات العمري والطرف الآخر أن يتم توزيع السلاح من جانب عبدالرقيب على جانب المقاومة الشعبية التي تناصره، مع أنه نفسه برر للعمري توزيعها على الوحدات العسكرية حسب حاجتها واختصاصها ومهنيتها، وليس للمقاومة الشعبية، رغم مطالبتها بالتسليح.
لكن الطرف الآخر (الإرياني، العمري، المشايخ، الضباط النافخون نار الفتنة) قالوا إن عبدالرقيب سيوزعها على الجيش الشعبي، وأن أحمد عبدربه العواضي رئيس ذلك الجيش ينتظر مع عبدالرقيب في الحديدة، داعماً له، حسب رواية الإرياني وسنان أبو لحوم، مع بعض الاستثناءات لسنان، ولاحظوا أن هذا الأمر سيكون سبباً مستقبلياً ضمن دوافع اغتيال العواضي حتى وإن لم يتم تدوين ذلك، وإن دبر له موضوع جريمة قتل شخصية يتم القبض عليه بسببها!
وللمرة الثانية أيضاً يفقد العمري بعده السياسي ولباقته، وهو الذي كان في بادئ الأمر معارضاً لتسلط المشايخ ويريد بناء جيش مهني على أساس من الضبط والربط والاختصاص والمهنية، بحسب مقربيه، إلا أنه في النهاية غلبته نزعته المناطقية، وانهزم لها، وهو ما يعترف به حتى بعض أتباعه، وإن كان الاعتراف أن سلطة المشايخ و(القوى التقليدية) غلبته على ذلك، وظل متأرجحاً بين الحالتين.
سنجد أنه مع قادم الأحداث والأيام، كان الأمر معاكساً تماماً لما عابوه على عبدالرقيب؛ فوزعت هذه الأسلحة على الجيش الشعبي الآخر من قبائل حاشد وبكيل ونهم، واستخدمته في المعارك سواء ضد طرف عبدالرقيب، أو ما كان منه مبرراً ضد فلول الإمامة والقبائل المناصرة لها بعد الحصار.
هناك إشارات من الشيخ الأحمر يلقي باللائمة على العمري في تفجير الموقف يومي 23 و24 أغسطس، ويقول:
"دارت معركة حامية الوطيس لثلاثة أيام تقريباً، وإذا بالفريق العمري عندما سمع المدافع يتصل بي هاتفياً يطلب وقف الحرب، فقلت له: لقد قلت لك من قبل تدارك الأمور، لا تفجر الموقف معهم، أما الآن ليس هناك وقف للحرب يافندم، كان ينبغي عليك أن تتدارك الأمور قبل، أما الآن فإن الموقف علينا"!
كلام الشيخ الأحمر هذا يؤكد من قول الشعيبي أن العمري كان يعول على القوى الشابة المهنية الثورية في بناء الجيش بعيداً عن تحكم القوى التقليدية، وأن القوى التقليدية كانت تدفع للحرب، وتضغط على العمري، حتى غلبته، وصارت تعيينات الجيش والتحكم به من قبل هذه القوى.
بينما كان الإرياني يعترف أنه منع عبدالرقيب من تسلم السلاح، وأن السلاح سلم بتوافق الجميع إلى مخازن السلاح بصنعاء، سواء عبر السكري أو مجاهد أبو شوارب أو الدفعي، ويؤكد أن موقف عبدالرقيب وصحبه قد ضعف ووهن بعد مصادرة تلك الأسلحة عليه، لكنه يعود مرة أخرى فيؤكد أنه ظن أن باستطاعته السيطرة على الدولة وعلى صنعاء وأنه سحب السلاح من المخازن، وهذا اضطراب في رواية الشهادة على الأحداث.
يذكر الشيخ الأحمر أن أساس المشكلة ومآخذ عبدالرقيب على العمري والمشايخ هو قيام الشيخ الأحمر/ المشايخ "بتشكيل فرق من الشباب [المدني في نطاق المشايخ أو تابعين لهم] لحراسة صنعاء بقيادة غالب الشرعي بدلاً عن جنود الأمن الذين استلموا مواقع حول صنعاء، وكانت المقاومة الشعبية بعد فك الحصار حول صنعاء وفك طريق الحديدة قد بدأوا يستعرضون عضلاتهم ويشكلون خطورة وينسقون مع الوحدات التي بدأت تعد للتمرد، وقاموا بمظاهرات في صنعاء"..
إذاً من هنا بدأت المشكلة والخلافات، سواء في حادثة السفينة أو أحداث أغسطس بعدها، وليس فيه جانب طائفي كما صوره الإرياني ولا غيره.
وللأمانة العلمية فإن الشيخ الأحمر، وسنان أبو لحوم، والعيني في مذكراتهم، والمطري في رسائله، لم يذكروا مصطلحات الطائفية والمناطقية لا من قريب ولا من بعيد، التي كان يكثر منها الإرياني وغيره، ولم يعتبروها مشكلة طائفية؛ فقد كانوا يذكرونها إما باسم اليساريين أو الوحدات العسكرية المختلفة أو المتمردة، أو الإلحاديين، أو المدعومين من الجنوب، وقد يكون مرد هذا لتدوين هذه المذكرات في زمن الوحدة والائتلاف الشعبي حتى لا يعمق أو يثير الجوانب العنصرية أو الطائفية، وإن كان الإرياني ربما كتب مذكراته أيضاً في ذات الزمن.
وحتى اليساريون كانوا يتهمون الطرف الآخر بإثارة النعرات الطائفية والمناطقية، كما لم يركز عليها النعمان ولا محمد علي عثمان ولا العميد عبداللطيف ضيف الله، وهذا يعني أنها كانت محصورة تم تغذيتها من بعض الأطراف التي استغلت الأحداث وجيّرتها تجييراً كبيراً، ونجدها طافحة بقوة في مذكرات الإرياني.
...يتبع
-->