اليوم يستذكر العالم الحر تلك الهبة القوية والمفاجأة لكتائب القسام في السابع من أكتوبر، حين دخلت أراضيها المحتلة في غلاف غزة. وغداً سيستذكر العالم تلك الحرب الهمجية غير المسبوق التي شنت على غزة، والتي سميت بحرب "السيوف الحديدية"، تلك الحرب التي فشلت استراتيجياً بسبب النزوع الشخصي المتطرف لـ"نتنياهو" وحكومته المتطرفة، وأفشلوا معهم الرئيس الأمريكي "بايدن" وإدارته والحزب الديمقراطي الأمريكي!
اليوم هو الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر، الذي كان محاولة جريئة لاسترداد الأرض والأسرى. ومن بعد ذلك اليوم، ها هي سنة كاملة قد مرّت، مرّغت فيها المقاومة أنف الجنود الصهاينة المعتدين، وأذلتهم أيما إذلال، وهزمتهم شرّ هزيمة.
وإنها لسنة صبر وتضحيات وأثمان باهظة لأصحاب الحق والأرض، في مواجهة تلك العصابة المجرمة المتوحشة التي تمارس التهجير والتطهير العرقي والإبادة.
نعم! سنة كاملة من القتل والتهجير والتدمير لكل أسباب الحياة. سنة اكتشف فيها عقلاء العالم هذه "الدويلة" المزروعة في قلب وطننا العربي، والتي من خصائصها الخسة والحقارة والحقد وحب الانتقام.
المقاومة بصلابتها وتجلّدها قد أفشلت كل سرديات الصهاينة الكاذبة، وبالتالي اقتنع كثير من بلدان العالم بأن هذا الكيان هو الظالم وليس هو المظلوم. وأعاد الكثير منهم النظر في العلاقات الدبلوماسية مع هذا الكيان، وبمسألة تسليحه، بعدما شاهدوا استخدامه ضد المدنيين وللاغتيالات، وبعد أن شاهدوا التعنت والإجرام وفقدان القيم الإنسانية، والمراوغة والخداع والتذاكي حتى معهم من قبل "نتنياهو".
فعلاً.. لقد كانت سنة جهادية كبرى، تحمّل فيها الشعب الفلسطيني ما لم يستطع أي شعب تحمله. تحمل حرباً لم تحصل مثلها في التاريخ من حيث الحقد والانتقام والإبادة.
سجلات هذه السنة لا تحصى.. سُجّلت فيها مئات المجازر، فَقُتِل ما يزيد عن أربعين ألف شخص، وفقد مثلهم أو أكثر، وجرح مائة ألف أو يزيدون. دُمرت الكهرباء والمستشفيات والمدارس التي كانت تأوي النازحين، وتهجّر الملايين، وكل ما تابعتم وشاهدتم من فظائع!
وسُجلت في هذه السنة ووثقت مئات العمليات النوعية والبطولات من مسافة الصفر، وكل تلك التضحيات التي باتت معلومة لديكم.
وفي هذه السنة أيضاً، سُجلت إنجازات أخرى، منها أن العالم وصل إلى قناعة أنه لا يمكن أن يكون في هذا الجزء من العالم سلام ما لم تُقم دولة فلسطين الحرة المستقلة. كل هذا بفضل التضحيات والصمود الأسطوري للفلسطينيين، حيث نجحت المقاومة في إدارة عملياتها ومفاوضاتها واستمرارها عاماً كاملاً، ولا تزال مسيطرة ومراكز القيادة والسيطرة تعمل على أكمل وجه، بدليل أنها في هذا اليوم دكت بالصواريخ "تل أبيب" وكأن الحرب في يومها الأول، وأحدثت في "تل أبيب" أكثر مما أحدثه الحوثي وإيران مجتمعين فيها!
وأيضاً نجحت حماس في تحقيق ما هدفت إليه من ربط الساحات ببعضها، أي ما يسمى بوحدة الساحات. وقد نجحت حماس في استنزاف العدو وتكبيده خسائر فادحة، وإفشال تحقيق كل أهدافه المعلنة والمبطنة.
وأظهرت حماس وكل فصائل المقاومة كم أن هذا الكيان هش، وكم هو بحاجة لأمريكا، ولولاها لكان قد زال كيانه، وسيزول!
ولقد كانت حرباً استمرت لسنة كاملة، كافية وكفيلة بإرجاع أمريكا إلى الوراء لعقود، حيث أضرت إسرائيل بسمعتها ومصداقيتها ضرراً بالغاً، ليس في بلداننا العربية والإسلامية فحسب، وإنما أيضاً عند الدول الغربية الحليفة لها وباقي دول العالم!
ومن الإنجازات أيضاً، اعتراف كثير من الدول بدولة فلسطين، وصدور أحكام من المحكمة الدولية باعتبار إسرائيل دولة تمارس الإبادة الجماعية، وقادتها ملاحقون بجرائم الإبادة. إسرائيل دويلة غاشمة باغية تسعى لإبادة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والعربي عموماً.
في هذا الجو، وفي هذه الذكرى الأولى، لا يزال نتنياهو، مغروراً، يقفز من مكان لآخر لعلّه يفلح في الفوز، ولن يفوز. و"نتنياهو" المهزوم والمكسور، مستمر في كبره وغروره، ويظن أنه بالاغتيال والتدمير سيسيطر على الشرق الأوسط، ولن يفلح أبداً.
هذا المهزوم المكسور يفكر حالياً بعد أن تكسرت سيوفه الحديدية على صخرة الصمود الأسطوري لغزة وفلسطين ولبنان، بتغيير اسم معركته من "السيوف الحديدية" إلى "حرب النهضة". أرأيتم هزيمة كهذه؟!
يا هذا! كيف لحرب أن تخلق "نهضة" ؟! إن تصريح "نتنياهو" بالتغيير يدل على قمّة الهزيمة والإحباط!
تحية للمقاومين، وتحية للشعوب الصابرة المتحمّلة، التي ترى النصر آتياً بأم أعينها.
-->