الرجل الذي جسد لي معاناة اليمن من ١٤٠٠ عام!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الخميس ، ١٣ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٣ مساءً

اليوم انتهى جزء بسيط  من معاناتنا وسوف ننتهي الى النقطة التي تحدثت بها اول ايام الحرب . فقد طلع فيديو لهذا الرجل الصابر اطال الله بعمره الذي جسد لي معاناة اليمن من ١٤٠٠ عام. رجعت بذاكرتي الى قبل ٢٠ عام حيث تناقشت مع طبيبة ألمانية وكنت وقتها لا أدرك معنى كلامها، لازال بعض كتبها في مكتبي الى اليوم وهذا الرجل العجوز الطيب والصابر المجسد لمعاناتنا ماذكرني بها اليوم. كان الموضوع قتال الرجال في المعارك وشجاعتهم، وانطلقنا في النقاش من الحرب العالمية الثانية وقتال الالمان في جبهات مختلفة. المرأة قالت إن المرأة او هي تنظر للجميع أنهم جبناء ومرضى لاسيما وهم يهربون من صناعة الحياة والاهتمام فيها إلى شريعة الغابة. كل إنسان منهم، لم يفكر انه يهدم او اقلها قد يترك زوجة تتألم وتكابد بقية حياتها، تذل وتشقى لوحدها من اجل أطفاله، تتعب وتسعى من اجل أن تبني في اسرتها بعد إن خذلها زوجها، وذهب إلى مملكة السماء او الجحيم مافرقت عندها يبحث عن المكافأة لضغطه على زناد البندقية حتى ينهي حياة واحد أحمق في الطرف الأخر، والذي بدوره لن يترك إلا امرأة وأم وأهل يعانون مثلها. كانت هذه قناعتها، وكانت تقول لي، لا يمكن أن تجد أي مبرر لذلك.

بعدها بكم سنة تناقشت مع دكتور ألماني ايضا كان يعمل في فريقي وكان موضوع النقاش حروبنا نحن العرب، والتي نعطيها صيغ مختلفة ، وغالبا نكتشف بعد سنوات أنها مجرد عبث وتشبه اليانصيب اي لاتقود الى تغيير او انتصار . نخرج منها بكوارث لاتعد، لا المصابين عالجنهم، ولا القتلى حفظنا حقوق اهلهم، ولا الشهداء قدسنا اهداف ثورتهم او قتالهم، ولا المرتزقة استطعنا نزيحهم او نغيرهم، ولا من ظلوا على قيد الحياة استطعوا ان يصلوا الى العيش الكريم بعيد عن الخوف والتعب، ولا لقمة العيش وجدناها بسهولة والسبب نفس الفكر المغلق ونفس الخطاب الممل ونفس المنهج، ونفس السلوكيات في ادارة الازمات والشأن العام، يغلب عليه الاقصائية والطائفية والشللية التي لم تتغير، ونفس الشخصيات  المريضة والاخرى العتيقة، التي لازالت لم تستوعب متطلبات هذه الالفية وكيفية صناعة وطن وفوق ذلك تتمسك بالمشهد لها ولجماعتها واهلها ومن يقاسمهم نفس الامراض، المهم عبث في عبث. 

طرحت عليه السؤال، ماذا عنه أن يعمل، لو فرنسا هاجمت ألمانيا مثلا في هذه الايام و كان هناك قتال مثل الحروب السابقة وتريد فرض فكر مريض ومختلف ؟  فاين حب الدفاع عن الوطن والقيم والشجاعة ؟ فرد ان الشجاعة هو ان يحافظ على نفسه صحيح البدن ومستمتع بالحياة من اجل اسرته اقلها، وان القيم بالنسبة له هو ان يحافظ على الصفات الحميدة عنده "هو" لايؤذي ذاته او احد. واضاف قائلاً انه لن يحمل البندقية وسوف ينتقل إلى ايطاليا، وان اشتعلت الحرب فيها إلى شمال أفريقيا هو وأسرته ومن يحب، لأنه لا يملك غير هذه الحياة ويريد أن يستمتع بها ولا يريد ان يكون سبب في معاناة اهله ان كان هناك حل للهروب من ثقافة القتل والخوف، هكذا العالم تعلّم من كوارث الحروب في ٨٠ سنة فقط التي لا يكسبها احد.

في المقابل اكثر من ١٤٠٠ سنة مضت ونحن العرب لازالنا نعتمد عام ٣٧ هجرية تأصيلا في حروبنا وسلوكنا وبالذات الداخلية ضد الابرياء وهذا يهدم جوهر الحياة وقبل ذلك لا اصل له في كلام الله لكون الاصل في القران الكريم تحريم قتل الناس او النفس. 

والغريب اننا لم نغادر في سلوكنا عام ٣٧ هجرية حتى عندما نعكس مايدور في نفوسنا على الواقع في هذه الالفية والضحية في المحصلة نحن من يحمل السلاح بدون وعي نحرق المجتمع الذي نعيش فيه. لم يتغير سلوكنا  ولازلنا نتعاطي مع بعضنا كمليشيات نغلف اعمالنا بصيغ مختلفة حتى وان كنا مجموعات في قرية او واتس اب، ولم نتعلم من التاريخ ان سر الحياة هو ان نعيش شركاء في الارض والمصير، لا يجب ان نخاف من الاختلاف في مايدور بيننا  وحتى في المعتقد، وليس ان نرهق بعضنا بعض ونواجه ثقافة التحدي بالتحدي نرهق انفسنا مثل الاغبياء و نموت مثل الاغبياء، لم ندرك انه كان هناك الف حل. 

وحتى تفهمون اننا شقاة باليومية ومن زمان مع الاخر، وحالنا محزن وما اقصد، فقد روى قبل ١٤٠٠ سنة أن احد زعماء الازد لما ندبت الازد للازد اي عندما كانوا الطرفين شقاة باليومية خطب في قومه عندما كلف بقتال أخوانهم في صفوف الطرف الاخر، فقال ان من الخطأ الجليل والبلاء العظيم اننا صرفنا إلى قومنا وصرفوا إلينا، والله ماهي إلا أيدينا نقطعها بأيدينا، وماهي إلا اجنحتنا نجذها بإسيافنا. فإن نحن لم نؤاس جماعتنا ولم نناصح صاحبنا كفرنا، وان فعلنا فعزنا أبحنا، ونارنا أخمدنا. الغريب انه واصل القتال رغم قناعته الرافضة لذلك وانه كان مستوعب انه مجرد شاقي باليومية ودون قيمة حضارية تذكر غير شاقي عند الغير ولازلت اشاهد حال اليمني الى اليوم كلهم مجرد شقاة مع الغرف الخارجية لتمزيق بلدهم  باقنعة مختلفة. 

ويروى ايضاَ أنه لما قتل ابو كعب لم يستطع قاتله أن يمنع نفسه من البكاء والانصراف وهو يقول رحمك الله أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحماً منهم وأحب إلى نفساً منهم، ولا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا. وهذا ايضا واصل القتال بعد ان خلص البكاء.  فحين وجد الناس أنفسهم في هذه المأساوية اندفع الكثير الى اقتراح الحوار والتحكيم لاسيما وهم جميعا في ارض المعركة، فتوقف القتال وقتها بين الطرفين وامر كل طرف منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده،  لكن بعد ان حدث شرخ كبير داخل الامة دفع ابناء اليمن الثمن الاكبر وسقط ٧٠ الف قتيل وقتها لم نتجاوز اثار ذلك الى اليوم،  تركوا خلفهم بمنطق الطبيبة الالمانية ٧٠ الف امرأة او اقل و٧٠ الف طفل او ضعف ذلك لقسوة الحياة، و٧٠ الف ام و٧٠ الف اب او اقل يبكون, طبعا الحسبة بمنطق الطبيبة الالمانية. هذا هو تاريخنا، فماذا تغير في سلوكنا، وماذا تركنا لغيرنا؟.

المضحك المبكي بعدها ايام انتشار داعش كنت في القطار مسافر هنا أي في ألمانيا وكنت أتحدث مع أخ سوري حول أوضاعنا، فإذا بشخص ألماني كبير يستأذن مني أن يناقشني أو يسألني، فقلت له ماذا تريد؟ فقال من كلامكم يبدو أنكم عرب ومسلمين وسؤالي، لماذا لا تقاتلون داعش بدل من أن تجلسوا هنا مرتاحين اي نحتسي القهوة وننظر، وهم يذبحون بأهلكم في بلدكم اي يدمرون مجتمعتكم اي انتم بانفسكم؟. فقلت بصريح العبارة نحن غير مرتاحين في بلدكم بسبب العنصرية، التي تبطنها في سؤالك وغير مرتاحين في اوطاننا بسبب غباء قيادتنا لمتطلبات الالفية وانغلاق جماعتنا، التي حاصرت فكرنا في عام ٣٧ و ٦١ هجرية. 

بعدها قلت ل الأخ السوري سؤاله فعلا مزعج وصعب لاسيما ونحن اهل الايمان والحكمة في اليمن في داخل النسيج الواحد نقاتل الآخرين من إخواننا في تعز ومأرب وعدن بحكم أنهم دواعش وعملاء. وأهلي في تعز وعدن ومأرب والضالع يقاتلون الآخرين بحكم أنهم روافض وعملاء وطائفين. ومن هم في الداخل يتهمون من في الخارج أنهم مرتزقة، ومن هم في الخارج يحاصرون من في الداخل بحكم أنهم عصابة، تتصل هنا يقولون فلان استشهد وهو يقاتل الدواعش وتتصل هناك ويقولون أن فلان استشهد وهو يقاتل الروافض، ترفض  التدخل الخارجي يقولون عنك انك حوثي، تبدي تفهم للخارج لوقف قتل الغلابة يقولون عنك دنبوع او عميل، والكل في المحصلة لا يريد ان يفهم، انهم جزء كبير من المشكلة ومن يدمر المجتمع ولعقود عدة.

 لذلك منذ اول يوم للحرب كنت اقول سوف نرجع ونقول ان العقل يقول في نهاية كل يوم ان كل طرف منا سوف يجتمع إلى اخيه، نبكي حالنا وبلدنا وننظر الى ماخلفت الحرب من قتلانا وجرحانا ويمكن نسأل انفسنا هذا السؤال المهم "سرا"، اليس هذا الثمن كافي، لكي تفهم القيادات ان الحوار و التنازل من اجل المصلحة العامة طريق طبيعي تلجأ اليه القيادات الحكيمة تجنبا للحرب والصراعات، التي تنهك المجتمع ولا تنتهي ايامها تتجسد امامنا بمعاناة يومية امام ايجاد لقمة العيش والحياة الكريمة لاسيما عندما يمل الجميع في الداخل والخارج من الحديث حول بطولاتنا المزيفة، التي نخجل ان نقول على من هي.!!!!!

https://www.facebook.com/share/MjqZcsF5iAePCLqr/?mibextid=oFDknk

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي