انطرد من كلية الشرطة فصار عظيم وفريد مثل شجرة ابن الغريب!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
السبت ، ٢٢ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٣ صباحاً

ابناء اليمن نفتخر بهم أجدهم صورة رائعة لليمن التي اريدها. فامس وصلني خبر رائع عن صديق ورفيق سنوات.

خبر مهم جعلني استعيد قصته من جديد، لأنها تظهر اليمني انه يمتلك جينات كفاح ومثابرة ولاينكسر ولا تسقط معاقل القيم لديه في رحلته.

هو شاب تفوق في الثانوية العامة من اسرة يمنية بسيطة مثل بقية الأسر اليمنية التي ننتسب لها. ذهب بعد الثانوية كشاب يمني برغم تفوقه يقدم على كلية الشرطة بصنعاء قبل أكثر من عشرون عام. لديه معدل عالي يؤهله لمنحة خارجية وصحته وجسمه مناسب، وليقاته وطوله بمعنى أفضل منه لكلية الشرطة لن نجد حسب المؤشرات وقتها.

وفوق ذلك عنده حسن خط وثقافه وادب ومن عامة الناس اي من البيئة الطيبة لليمن. تجاوز الامتحان التحريري، وبعدها كان موعد المقابلة وتقابل مع لجنة القبول في كلية الشرطة في صنعاء أيام النظام السابق. كان من بينهم ضابط عنصري مريض. 

سأله الضابط انت من حق دبع، اي دبعي ايش بدك بكلية الشرطة، رحلك من هنا انت مرفوض. الشاب اورد لم يعطيني فرصة حتى أرد أو اسأل، لماذا رحلك أي مرفوض، حيث لم ينتظر إلا وهذا الضابط يعطه هدية ظلت تحفر في ذاكرة الشاب وغيرت حياته الى الابد والى اليوم، وهي المحرك والحافز، لماذا شاغل نفسه يريد أن يغير اليمن أو يسعى لاصلاحها. 

قال له الضابط انت سير افتح مطعم وبيع مرق او اشتغل في حانوت اي يقصد دكان. ولحقه للخارج ويقول لو ترجع هنا باكسر رجلك. وعلى قولة الشاب وهو يسرد الحكاية بكلمته واسلوبه لي، وهو يبتسم وقال لم انسى ماقاله لي الى اليوم، "... كنت قد نجحت بامتحان اللياقة البدنية والفحص الطبي وبعدها امتحنت الامتحان النظري وكانت اسألة متنوعة اتذكر سؤال هام : ماهي موارد اليمن الرئيسية وما هي الوسائل الممكن اتخاذها لتعزيزها ؟ كنت قد قرأت كثيرا عن هذا الموضوع وبنيت تصورات جيدة وكتبت اجابة جيدة ..بعد يومين كان ضابط برتبة عقيد قد التقانا بعد ان تغربل المتقدمون من ٨٠٠ إلى ٣٠٠ وسأل من أحمد الدبعي !؟ انا خفت .. يا رجل عمري ما تكلمت مع عقيد وكله نياشين وهيبة !! كان عمري ١٩ سنة فقط .. قلت له انا الدبعي ..

 

قال اجابتك في الامتحان نموذجية وخطك أحسن خط شفته . انا فرحت..كان ذلك الضابط اللعين بجانبه ..اليوم التالي كان تهيئة لمقابلة محمد عبدالله صالح ومدير الكلية وكنت في وضع ممتاز .. بعدها اصطادني ذلك الضابط بنظرات ثم قال لي تعال هنا .. انفرد بي وقال انت معدلك قوي ايش جابك هنا ؟ قلت له اريد أكون ضابط امن مثلك يا فندم .. قال لي انت من تعز .. دبعي روح افتح مخبازة والا حانوت ..

وهات يا سخرية ! قلت له يا فندم اريد أكون ضابط. قال تمام تعال معي ...أخذني من للباب الخلفي للكلية واوسعني شتائم وقال لي بالحرف انت مرفوض ولا تعود للكلية والا كسرت رجلك !! طبعا انا خفت على العدة . اخذت دباب بدل ما اروح شارع هائل رحت الباب بدون شعور وانا ابكي كطفل ضيع امه ! لم ابك على الكلية : بل على الجمهورية والمواطنة والوطن ! 

 

لازالت كلمة الشاب اليمني ابن الريف في ذاكرتي وبعد أن تأثر جدا من ذلك وعلى قولته وبدل ما يأخذ الدباب اي المواصلات إلى شارع هائل أخذ الدباب إلى باب اليمن والدنيا مسكرة معه ومظلمة. وعندما التقى باهله كانت دموع الحزن تعصر قلبة لم يكلم احد الا امه عنما دار في المقابلة حتى لا يتأثر من اخوانه احد. واضاف الشاب بسرده لحياته لي "... قلت لابن خالي القصة قال ممكن أكلم لك ضباط كبار يرجعوك ولكن انا مؤمن ان هذا مش مكانك. كان هذا كلام ابن خالي المهندس المعماري غانم الدبعي وابن العم المهندس الالكتروني عبدالباقي الدبعي ... هذان الشخصان لهما فضل كبير علي. أخذوني وخففا علي المصيبة وبعدها بأسابيع سافرت الاْردن بعد حصولي على منحة ... كان المرحوم والدي في تعز ولم أقله الا بعد سنة هذه القصة .. فقال لي لقد أحسن ربي بك اذ أخرجك من بين هولاء العنصريين !!! وستخدم وطنك افضل منهم ! رحمك الله ياأبي أيها الحكيم .. كم افتقدك .. اما امي فقد بكت وتأثرت ودعت لي دعوة اتبارك بها ليوم الدين....". انتهى سرد الأخ الصديق لما حصل.

 اكثر من ٣٠ سنة جمهورية واهداف الثورة إلى وقتها وهذا الضابط وغيره لم يتعلم الا العنصرية العفنة لم يتعلم أننا أبناء بلد واحد واسرة واحدة مهما اختلفت مناطقنا. الضابط هزم الشاب  في بوابة كلية الشرطة وداخلها ولم يدرك أنه هدم مفهوم الدولة وانهزمت داخل المؤسسة العسكرية الجمهورية و النظام كمحصلة لتلك الممارسات الطائشة من اشخاص  لم يفهموا العدالة والمواطنة وهم يمثلون سلطة العدل والقانون لاسيما ومن يخرج من كلية الشرطة سوف يمثل القانون، كمثل ان يتم اقصاء ابناء مناطق معينة من الجيش والشرطة. 

ورغم الهزيمة للشاب كان القدر يريد ماهو اعظم للشاب وليس في اليمن، وانما في اوروبا. انطلق الشاب يبحث عن طريق خروج من اليمن مثله مثل الالاف العقول اليمنية، وسافر لتفوقه الاردن. درس واحترق الى ان اكمل بتفوق دراسته. ثم كانت المثابرة والمراسالة فاخذ منحة على بريطانيا دراسات عليا وبعدها دكتوراه. بعدها قرر ان يترك اثر في الخريطة العلمية الدولية، والتحق كباحث بعد الدكتوراه في جامعة ادنبرا، وهي من أعرق الجامعات، ونشر عشرات الابحاث في افضل المؤتمرات واقوى المجلات المحكمة من مثل IEEE-Transactions و شارك في الاشرف على مؤتمرات علمية دولية.

هذا الشاب اليمني كان اصراره هو الذي دفعه إلى عدم الاستسلام، لم يظل يبكي نصيبه والظلم الذي حصل، وأنما صنع قدره بنفسه ودون دعم يذكر. هذا الشاب الذي لم يقبله الضابط ولا فريق المفاضلة في كلية الشرطة، برغم إنه نجح في التحريري وكان حسب كلام أحدهم خطه رائع في الأجابة اليوم يعود بذاكرته ويقول لايغلق العبد عليك باب إلا فتح الله لك ماهو أهم وافضل . ينظر إلى ذاته أنه لم يتم قبوله قبلها ب ٢٢ سنة واليوم صار يخرج  طلاب ودكتوراه وباحثين من كل العالم  وفي بريطانيا. صار  يجد بصمته في حياتهم ويغيرهم وهو ابن دبع أي القرية التي لم تعجب الضابط في كلية الشرطة وقتها. اليوم عندما أتحدث معه أجده كون شبكات علمية وعلاقات دولية واسعة في عالمه،  ونجح دون شك، وصار منارة في مجاله وفي حجمه مثل شجرة ابن الغريب في قريته.

قلت له لم تذهب تبيع مرق، ولم  تشتغل في حانوت كما طلب منك الضابط العنصري، ولم تقف في مكانك او تستسلم، وانما حفرت اسمك واسم اهلك ومنطقتك واليمن كلها بتعبك ومثابرتك في السجل الدولي للابحاث. فصرت عظيم وفريد نشاهده من بعيد مثل شجرة ابن الغريب حتى وانت في غربتك. اخذت من اليمن بجانب الاخلاق والقيم والفضيلة حب الناس وذكرة طردك من كلية الشرطة وماتعلمته حيث أشعر أنه عندما تناقش مشاكل اليمن أو تقف امام أي محفل فانه يحركك ثقافة العطاء وانك تريد تصنع فرصة لأي شاب حتى لاينهزم أمام أمراض المجتمع  لأنك تعرف معنى المعاناة للشبابنا. 

اليوم اسهبت أنا بالأمر لكن هذا الشخص اليوم برفيسور في شبكة المعلومات، وفي واحدة من افضل الجامعات في بريطانيا يقدم الكثير لمن يتواصل معه، لم يغلق باب امام احد من ابناء اليمن، بهم نراهن على اصلاح التعليم و التنمية في اليمن.  اليمن تعطي الكثير من ابنائها للخارج والداخل برغم وجود بعض المرضى الذين اختزلوا السلطة والقرار ومقدرات البلد فقط باسرهم ومناطقهم وجماعتهم لا تمر من بين ايدهم الا بواسطة منهم، وظنوا ان الاخرين سوف يسقطون ولم يدركون ان الابداع لا يولد الا من رحم المعاناة وان قوة اليمن ابنائها باختلاف مناطقهم وقدرتهم على العطاء.  انه البرفيسور احمد الدبعي. هذه الايام انا فخور جدا بالبرفيسور احمد الدبعي والترقية التي حصل عليها امس لان نجاح اي يمني هو نجاح لليمن وفخور بالكثير الكثير من ابناء اليمن الغلابة، الذين استطاعوا ان يقولوا للعالم وللعلم في افضل دول العالم  نحن وجه ومعالم اليمن بين الامم.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي