الإنسان المتسلط والأناني والمغرور بطبيعته يستاء عندما يوجه له الآخرون النقد الهادف والإيجابي ، وهو ينسى أو يتناسى ، بأنه هو من أدخل نفسه بنفسه إلى هذه الدائرة بتصرفاته السلبية وسلوكياته غير المسئولة ، والمفترض به أن يستاء من نفسه أولاً ، ومن تصرفاته السلبية ثانياً فهي من أدخلته دائرة النقد ، بدلاً من الاستياء من الآخرين ، لأن نقد الآخرين له ، هو ليس أكثر من الحديث عن الواقع الذي خط معالمه ورسم شكله بنفسه ، كما أنه ليس أكثر من رد فعل على تصرفاته وأعماله وسلوكياته السلبية والغير مقبولة ، وبذلك من يريد أن ينأى بنفسه عن دائرة النقد ، ويريد أن لا يذكره الآخرون إلا بالخير والإيجابية ، وأن لا ينتقدوا تصرفاته وأعماله سواء العادية أو الرسمية ، فعليه أولاً وقبل كل شيء أن لا يمنحهم الفرصة للقيام بذلك ، وأن يحاسب نفسه بنفسه ، من خلال ضبط تصرفاته وسلوكياته اليومية بالضوابط الدينية والأخلاقية والٱنسانية ، ومن خلال ضبط تصرفاته الرسمية بالدستور والنظام والقانون ..!!
ومن يريد أن يصحح سلوكياته اليومية سواء العادية أو الرسمية ، فعليه القبول بالرأي الآخر ، واحترام حرية التعبير ، والاستفادة من النقد البناء والإيجابي ، فهكذا نقد هو بمثابة النصائح المجانية ، التي تبين للإنسان أخطائه وعيوبه وتجاوزاته ، وتمنحه الفرصة لتعديلها وتصويبها وتصحيحها ، فالإنسان بطبيعته خطاءَ ، ومُعرَّض للخطأ والزلل والنسيان ، لذلك منح الله تعالى الٱنسان فرصة التوبة والاستغفار والندم ، والوقوع في الخطأ والزلل والنسيان ليس عيباً بل هو جزء من الطبيعة البشرية ، لكن العيب هو الإصرار والاستمرار في ارتكاب وممارسة ذلك الخطأ ، وفي عداوة من يكاشفه بذلك الخطأ ، وفي الحقد على من يوضح له مكامن الخلل والتقصير ، كما أن رفض الرأي الآخر ، وعداوة الرأي الآخر ، يترتب عليه تراكم الأخطأ واستفحالها وصعوبة إيجاد الحلول لها ، وخروجها في نهاية المطاف عن السيطرة ، أما أن يفتح الإنسان العادي عموماً ، والمسئول خصوصاً ، المجال لنفسه يتصرف كيفما يشاء ، ويعمل ما يشاء ، بما يلبي رغبات نفسه وأهوائها وأطماعها ونزواتها ، بدون أي ضوابط دينية أو أخلاقية أو إنسانية أو قانونية ، ويريد من الآخرين أن لا ينتقدوا تصرفاته وأعماله تلك ، فهذا هو التسلط والطغيان والظلم والاستبداد بعينه ..!!
وياليت أن الوضع يتوقف عند هذا الحد ، فهناك العديد من الأنظمة السياسية وخصوصاًِ في المجتمعات النامية والمتخلفة ، لا تكتفي برفض انتقاد الآخرين لقياداتها وسياساتها وتصرفاتها ، بل تقوم بكيل التهم المتنوعة لكل من ينتقد تصرفاتها السلبية أو يعارض سياساتها المتسلطة المخالفة للضوابط الدينية والأخلاقية ، والمخالفة لكل اللوائح والأنظمة والقوانين السائدة ، وهي بهذا السلوك السلبي ، تسعى إلى إرغام مواطنيها على السكوت عن قول الحق ومواجهة الباطل ، وحرمانهم من حقهم في حرية التعبير ، وفي الوقوف في وجه الظلم والفساد والطغيان ، ومن يتحسس من النقد الإيجابي الهادف ، فعليه الإلتزام بالضوابط الدينية والأخلاقية ، وعليه الإلتزام باللوائح والقوانين والأنظمة السائدة ، عندها وعندها فقط لن يعطي الفرصة للآخرين بإنتقاده ، والمثل العربي يقول ( إمشي عدل يحتار عدوك فيك ) ، أما أن يتجاوز الشخص وخصوصاً المسئول الضوابط الدينية والأخلاقية ، ويتجاوز النظام والقانون ، ولا يريد أن ينتقده أحد ، فإنه بذلك يحاول عبثاً ، لأنه لا يخلو أي مجتمع بشري من الكثير من الأحرار وأصحاب الضمائر الحية ، الذين لا يستطيعون السكوت على باطل أو ظلم أو فساد مهما كانت العواقب ، وحتى الذين لا يستطيعون الكلام فإنهم يكبتون رفضهم للسلوكيات السلبية الرسمية في داخلهم ، فإذا ما أتيحت الفرصة لهم فإنهم قد يتمادون في ردة فعلهم وصولاً إلي الانتقام العدواني ، فالكبت المتواصل والضغط المتواصل نتيجة عدم القدرة عن التعبير ، يصنع داخل النفوس الحقد والكراهية ، ويولد فيها الرغبة في الانتقام ..!!
-->