الظلم الطبقي والسياسي..

د. محمد شداد
الخميس ، ٢٣ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٢ مساءً

 

درجت الطبيعة الإنسانية على تصنيف البشر إلى أجناس، طبقات وأعراق وقدرات علمية وثقافية واجتماعية، وهذه ظاهرة بالإمكان التعامل معها مع وجود ثقافة الاحترام المتبادل بين الناس وفقاً للقوانين التي تساوي بينهم كبشر، وتحافظ على الحقوق الإنسانية للكل دون تمييز..

 

تكمن الكارثة في ثقافة التمايز الذي ترافقها معتقدات تسندها قوانين ترافقها قوة قاهرة لفرض التمايز وغمط البعض لحق البعض ىالآخر، على أساس عرقي طبقي اجتماعي وحتى سياسي جهوي أو مذهبي فتعيش طبقة على حساب طبقة مع غياب ثقافة الحق في المساواة وعدم التمايز على أي أساس..

 

اشتكى المجتمع اليمني من تلك الطبقية العرقية والمذهبية لعقود طوال خلقت الصراع الطبقي الذي أدى بدوره إلى هدم البنى الثقافية والتاريخية والاقتصادية للمجتمع اليمني، نتيجة حتمية للحروب التي أشعلتها تلك الثقافات والمعتقدات والتي لا زال المجتمع يئن ويتوجع منها حتى الساعة..

 

 كانت تلك المفاهيم قد بدأت تتوارى بعد قيام ثورة 26 سبتمبر وبدأت بالتراجع والانحسار، وبدأ التعايش المجتمعي والتصاهر واختلاط المصالح تدب في حياة الناس وبدأت مفاهيم الوظيفة العامة والالتحاق بمؤسستي الأمن والجيش وفرص الالتحاق بها تتساوى نسبيًا، وأثرت الحزبية إيجاباً على تولي المناصب على أساس القدرة والكفاءة غير أنها لم تزول كليةً، إذ لا زالت تظهر النعرات من حين لآخر حتى مع وجود القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمنظمات الدولية المعنية بتطبيق تلك القوانين..

 

  إلا أنها ظلت مثقلة الكاهل بإرث تاريخي هدام، وثقافة تمايز بشرية قاسية قسمت المجتمع إلى طبقات كرسته الإمامة الهاشمية السلالية، وكرسه الجتمع بدوره على بعضه، تعالت شريحة الهاشمية ووضعت نفسها على قائمة ذلك السلم الاجتماعي البشع فاحتقرت اليمنين برمتهم بما فيها طبقة القضاة التي جعلتها بالمرتبة الثانية لها، حلقة تنفيذية لتعاليم الإمامة وتعميق ظلمهم ضد الطبقات التي تليها، فتعالت هي بدورها على طبقة الفقهاء التي أتت وفقًا للسلم ذاته في المرتبة الثالثة أي طبقة الفقهاء ككتاب ومحدثين وحملة للمباخر..

 ومن خرج من علماء اليمن عن دئرتهم متحررًا ناقدًا لظلم الإمامة، لوحِقَ وهُمش وشوهت سيرته وشُككَ بعلمه وإيمانه وهم كُثُر، عملت طبقة الفقاء على توزيع صكوك القداسة ونشر تاريخ الأفضلية العرقية المدعومة بمقولات تأولها ولوى عنقها بعض الهاشميين المدعين بتلك الحقوق!!

 

 فتعالت أي طبقة الفقها على القبائل الزيدية التي أشعرتها الإمامة بأنهم حزبها السياسي المقرب والموثوق بها بحكم المذهب وتشيعم وإيمانهم بحقها المزعوم في الحكم، فعسكرتهم بالمجان وانطلت عليهم صفة البأس والشجاعة في الحروب، ولم تعتبرهم حتى جيشًا نظاميًا برواتب شهرية ثابتة، بل مجاميع بشرية احتياطية تعمل بالمجان! بعد أن دمرت رحى الحروب اللامتناهية مداخيلها الاقتصادية بين أجنحة الإمامة التي لم تنته..

 

  فاستحلوا بفتاواهم نهب الخصوم واستخدام العنف للسطو على أموال طبقة المنتجين الفلاحين والصنائعيين والمغتربين كطبقة اجتماعية رابعة بفتاوى فاحشة من كهنة الإمامة، أكد ذلك الباحث التاريخي عنتر الذيفاني من خلال قراءته التاريخية "أنهم كانوا ينهبون كل شئ حتى الأخراص النسائية يقطعون أذن المرأة لخلع الأخراض".. سلوكيات واضطهاد اجتماعي امتد إلى عهد كارثة الحوثي الذي أباح بفتوى سرية أموال وبيوت اليمنيين السياسيين والتجار والعلماء وتركها نهباً للسوقة والجفلة من عساكره ومشايعيه، عبارة فلتت من عبدالملك الحوثي للناشط علي البخيتي عند محاولة دفاعه عن حقوق الناس ومنازل أسرهم بعد السقوط، بحجة أنها أموال الفاسدين..  

فمارسوا تعاليهم على الطبقة الاقتصادية والزراعية المنتجة واعتقدوا بحقعم بتوارث الحق في السلطة ومارسوا ضدهم الظلم والإجتماعي وتهميش المشاركة في اتخاذ القرار بعد أن غدا أبناء الرعية عصب وروح ثورة 26 من سبتمبر حتى انتصارها لكنهم تعمدًا أُقصوا..

 

ما يريد الكاتب التوصل إليه أن الطبقات جميعها مارست الظلم ضد بعضها وضد الطبقات التي تليها والظلم الإجتماعي الأكثر فحشًا مورس ضد الطبقة التي أطلق عليها مسمى المزاينة والدواشن والجزارين والأخدام، وهم يمنيون سبأيون عرب أقحاح شاركوا في خدمة المجتمع بما امتلكوه من حرف ولولا تلك الطبقية الموهومة، لمارسها البعض من عامة الناس كباقي المجتمعات العربية والإنسانية ولما ظهر التمايز لأن الأكرم في المجتمعات هم خدامه وموظفيه الذين يؤدون الواجب الوطني في شتى قطاعاته الاقتصادية السياسية والأمنية والعسكرية..

 

أما الحديث عن طبقات المهمشين والممارسة العنصرية والاجتماعية والسياسية الظالمة ضدهم تفوق الوصف وتُحيِّر الباحثين، من حيث الأصل أي العرق والعادات والتقاليد وأسباب المآلات التي آلوا إليها كطبقة خادمة لا تمتلك ما يمتلكه اليمني من حقوق، حيث قيل أنها صودرت بموجب مرسوم سياسي من قبل المتغلب علي بن هادي الرعيني الحميري، على دولة بني نجاح اليمنية وعاصمتها تهامة جغرافيًا اممتدت على طول وعرض المخلاف السليماني، والتي قامت هلى إثر الدولة الزيادية، حيث تم أسر كل رعايا الدولة في المناطق الساحلية التهامية وتوزيعهم أسرى كغنائم حرب على القبائل التي ناصرت الرعيني بأوامر من أئمتهم...

 

 ما ذكره الأستاذ نعمان قايد الحذيفي بهذا الشأن وبالرجوع إلى بعض المصادر قيل بأن أصلهم حميري وأن دخول الأحباش إلى اليمن ما هو إلا رجعة الفرع إلى الأصل بعد هجرة بعض اليمنيين من عرب اليمن تحديدً جبل حبشي إلى الحبشة الجبل الذي كان يسمى جبل ذخر بضم الذال، وأن من أسس مملكة أكسوم في الحبشة هم النازحون اليمنيون إليها في العهد الحميري، فعادوا لنصرة المسيحية أثناء الصراع الديني اليهودي المسيحي في اليمن، وأنهم ليسوا أحباش في الأصل هزموا كما ورد في بعض المرويات التاريخية على يد الملك سيف بن ذي يزن وأن دولة بني نجاج التي استمرت من 403-503 ه هي دولة يمنية أقامها يمنيون من سكان تهامة والسواحل وأصحاب البشرة السمراء..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي