بداية السقوط باتجاه الهاوية خطوة مجنونةٌ وقرارٌ خاطئ، بناء التشكيلات المسلحة خارج نطاق المؤسسات العسكرية الرسمية أحد أدوات السقوط بل أهمها، برغم أصالتها بُنيت القبيلة اليمنية تحديداً الهادوية الزيدية كميليشيات جيش موازٍ للجيش الوطني الوليدٍ بعد الثورة اليمنية وإبانها وفي عهد الإمامة كانت الجيش كله لأنه عديم الكلفة، ضمته الإمامة تحت جناحيها فقط عن طريق العطايا والهبات للمشائخ وفتاوى جواز انتهاب أموال المواطنين فكانت السبب في تغلغل الفقر وانتشار الجهل ما جعل منهم أدوات تهب مع كل صيحة وصوت كل ناعق صحت نواياه أم ساءت..
ولا يمكن للتشكيلات العسكرية خارج إطار الموسسة العسكرية قبلية عرقية جهوية مناطقية مقاومة شعبية رافدة للقوات المسلحة أثناء الحروب أن تهدأ وتذوب في المجتمع مالم يتم ضمها رسمياً للجيش، ولا يمكن أن تكون رافداً وطنياً للدعم في أزمة ما أو في حال تعرض الوطن والأنظمة للخطر، لأنها تُبنى على المصلحة والارتزاق وسد الحاجات، ولأنها تُشكَّل خارج مبادئ النظام المؤسسي والعقيدة العسكرية الأصيلة والتوجه المعنوي الوطني، لأنها تفتقر عادةً للتغذية الوطنية الهادفة لتعزيز الانتماء الوطني وتقوية عرى الولاء الخالص للوطن والنظام، يختلف حمل شرف العسكرية شعار وفداء كلية عن هوى الميلشيا إذ أن التضحية الوطنية قناعة وشرف لا يمتلكها إلا ذووها ومن عرفوا معنى الحرية وشربوا حب الوطن وعرفوا قيمته ومعناه..
فاغنر القبيلة بقيت على حالها كقوى ميليشياوية موازية للجيش ورافداً للمشيخ بمقابل كيان الدولة والمؤسسة العسكرية تبنتها الدولة ذاتها، بل ورعتها بكل السبل، وضِع النظام الجمهوري رهن ذلك الفاغنر تمسك بها النظام خطأً كي تؤمِّنه من خطر الانقلابات العسكرية، تعثرت القدمان التي كانت إحداها في الجيش والأخرى في القبيلة وانهدم الصرح على ساكنيه، بل كان للمشيخ ولاءات عسكرية مباشرة من تشكيلات لها تشكلت داخل الجيش بعد ثورة 26 من سبتمبر بمسمياتها المدفعية العاصفة الصاعقة المضلات ووو وانتمت إلى بعض القبائل شكلت عائقاً فوضوياً ضد قيام الدولة المؤسسية، خبرتها الميلشيات الحوثية وسبرت معانيها فبدأت بسحقها وقطع رؤوسها كي تتمكن من بناء نظام خاص بها دون قلق القتها بعيداً عن أعتاب السلطة والتأثير على اتخاذ القرار، حاول الحمدي كسر تلك المنهجية وترتيب تلك الفوضى عجز فكانت إحدى أسباب اغتياله ورحيله..
عوداً إلى فاغنر تدحرج فاغنر الحوثية من أعالي الجبال برغبة من قوى الخصومة وطغيان هوى السلطة فُتحت له الأبواب وقُدم لها الدعم ومنحت التسهيلات ليقضى بهم وعن طريقهم غرض الانتقام من خصوم السياسة تمددت لاقت غزلاً جهوياً تعانق هواها مع بعض الخيانات العسكرية والسياسية في قلب السلطة والمؤسسة العسكرية، امتدت أيادي الخارج إليها ومدت هي إليهم يدها فكانت الكارثة التي حلت بالجميع..
كان لفاغنر السودان قصةً أخرى تزعم البشير فكرة بناء قوات الدعم السريع بقوام خمسة الف مقاتل بدايةً برآسة راعي الإبل حميدتي لقمع التمردات القبلية في دارفور تطورت المسألة حتى تراءى للبشير تقويتها كداعمٍ له ورافداً للجيش في محاربة التمردات الداخلية، تخلت عن البشير بعد ثورة السودان الأخيرة وانقلبت ضده إذ ليس للميليشيا من أمان ، بنى عليها بعض ضباط الجيش أمل الموالاة احتواها البرهان خوفاً منها وطمعاً في تقوية سلطاته.
غازلتها القوى الخارجية لتنفيذ أهدافٍ لها داخل السودان ولتدمير المؤسسة العسكرة السودانية، وجدت من يتبناها بلغ تعداد المنتميين لها 120 الف عنصر مختلفي المشارب والقبائل والنزعات، تنازع طرفي الميليشيا والجيش اختلفا حتى صارت مهدداً حقيقياً للسودان وجيشه وسيادته وارضه ظهرت على السطح النوايا وانفجر فاجنر حميدتي ليحرق الأخضر واليابس ويزيد الفقراء فقراً والبؤساء بؤس..
أما فاجنر الروسية التي اشتغلت في كثير من الدول المفككة بغرض الارتزاق وبيع القوة والعنف تمردت على صانعيها بوصفها منظمة روسية شبه عسكرية، وصفها البعض بأنها شركة عسكرية خاصة أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري وعمل الحرب بالوكالة، شاركت كميليشيات تعمل خارج القانون بحثاً عن المال وبالمقابل المادي شاركت في دعم النظام السوري، ومع حفتر ضد الثورة الليبية وحكومتها المنتخبة ..
وللعصابات والميليشيات التي يتم صناعتها خارج القانون لتحقيق أهداف سياسية ألف حكاية، لم يقرأها صُنَّاع القرار بل أعادوا انتاجها بأسوأ صورها، منها القاعدة وداعش والحوثي والحراك الجنوبي في اليمن برعاية كاملة من النظام السابق وما جرى في اليمن من سقوط يجري من تفكك إلا أحد نتائجها الفاجعة..
-->