التاريخ مدرسة من أعظم وأكبر وأفضل المدارس التي ينهل منها الإنسان الكثير الكثير من المعارف والعظات والعبر والدروس والقصص ، ويستقي منها أخبار ومواقف وأساليب وتجارب الشعوب والأمم الأخرى ، لذلك حظي السرد التاريخي بمساحة واسعة في القرآن الكريم ، وهو يروي أخبار وقصص الأمم الغابرة بهدف الاستفادة منها وأخذ العظة والعبرة منها ، وتجنب الوقوع في أخظائها وتجاربها السلبية ، التي تسببت في هلاكها وزوالها ، والمدرسة التاريخية هي مدرسة تجريبية واقعية ، فهي تنقل تجارب الأمم والمجتمعات السابقة في مختلف المراحل والمواقف الحياتية المختلقة ، وتساعد الباحث والقارئ في بناء تصورات وتوقعات عامة حول أي قضية أو موضوع يبحث عنه ، فالتاريخ البشري يعيد نفسه بطريقة أو بأخرى كل فترة زمنية معينة ، خصوصا في مجال الصراعات السياسية والدينية والحضارية ، فعادة ما تتهيأ الأسباب والظروف لتكرار الصراعات والحروب بين الشعوب والأمم والحضارات والأديان بين كل فترة وأخرى ، بدوافع الانتقام أو الهيمنة أو التوسع ..!!
فالصراعات والحروب تغطي معظم فصول وأحداث وصفحاته التاريخ البشري ، فما أن تنتهي حرب عدوانية هنا أو هناك حتى تبدأ أخرى وهكذا ، لذلك لن أبالغ إذا قلت بأنه تاريخ أسود ودموي ووحشي ، مهما حاول البعض تبرير تلك الحروب العدوانية والصراعات التوسعية بمبررات دينية أو قومية أو حضارية أو وطنية ، فلا شيء يمكن أن يبرر العدوان والقتل وسفك الدماء إلا الفكر الشيطاني الذي توعد بدفع البشر للقيام يسفك دماء بعضهم البعض ، وما أن تنتهي دورة انتقام قديمة حتى تبدأ دورة انتقام جديدة ، والشعوب والأمم التي لا تقرأ التاريخ ولا تهتم به وتجهل أحداثه وفصوله ، قد تقع ضحية لغيرها من الشعوب والأمم خصوصا تلك التي تضمر لها الشر وتكيد لها المكائد للانتقام منها أو للهيمنة والسيطرة عليها أو لاذلالها واستعمار أرضها ونهب خيراتها وثرواتها ، فالجهل بالتاريخ وعدم قراءته والاستفادة من دروسه وتجاربه وأحداثه ومواقفه نتائجه كارثية على الشعوب والأمم الجاهلة بتاريخ علاقات ومواقف الآخرين منها خلال المراحل التاريخية السابقة ..!!
والشاهد من ذلك أن هناك شعوب وأمم لم تكن يوماً عبر التاريخ مصدراً للخير والتعاون والتعايش السلمي مع غيرها من الأمم والشعوب ، بل كانت مصدر للشر والكراهية والعدوان والغدر والخيانة والتآمر نتيجة هيمنة نزعة التسلط والتوسع والعنصرية على فكرها السياسي والديني والقومي ، وقد تحاول في مرحلة تاريخية معينة من تغيير سياساتها والظهور بمظهر المدافع عن حقوق وحريات واستقلال الشعوب ، بهدف استغلال واستغفال الآخرين والتغطية عن أهدافها وغاياتها ومشاريعها العدوانية والتوسعية ، فالذئب المفترس لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى حمل وديع ، وضحايا هذه السياسات هم بدون شك الجهلة بالتاريخ والجهلة بتاريخها العدواني والدموي والتوسعي ، وهنا تكمن خطورة الجهل التاريخي فقد تدفع بالعديد من الجهلة بالتاريخ إلى الارتماء في أحضان أعداء أمتهم ودينهم التاريخيين ، بل قد تدفع بالبعض إلى الوقوف معهم وقتال إخوانهم في الدين والوطن ، ومساعدتهم في السيطرة على أوطانهم واحتلالها ونهب خيراتها وثرواتها واستبعاد أفرادها ، كل ذلك هو نتيجة الجهل التاريخي الذي قد يجعل الجهلة بالتاريخ يقفون في صف أعداء الحياة أعداء الإنسانية أعداء التعايش السلمي ..!!
نعم إن الجهل بالتاريخ قد يجعل الشخص يعمل في غير مصلحة نفسه ووطنه وأمته ودينه وهو لا يدرك ذلك ، لذلك كان وما يزال وسيظل الجهل التاريخي من أخطر أنواع الجهل على الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم ، ولا يدرك الجهلة بالتاريخ فداحة وكارثية تصرفاتهم ومواقفهم إلا بعد فوات الأوان ، بعد أن يتمكن الأعداء التاريخيين من إحكام السيطرة والهيمنة على أوطانهم ، وبعد أن يبدأو في الاستغناء عن خدماتهم ، وبعد أن يشعروا بالمعاملة الاستعلائية ضدهم وتهميشهم وتجاهلهم ، وبعد أن يدركوا أنهم كانوا ضحايا شعارات كاذبة وزائفة وخادعة ، وكانوا ضحايا مواقف انفعالية آنية ، جعلتهم يندفعوا بعيدا عن العقل والمنطق والواقع والتاريخ ، وبذلك فإن قراءة التاريخ ومعرفة التاريخ والبحث في التاريخ له فوائد عظيمة وكبيرة ، فهي تحمي الأفراد والشعوب والأمم من استغفال واستغلال الآخرين ، وتساعدهم على التحرك وفق خطط مدروسة ومواقف معلومة بعيدا عن العشوائية والارتجالية والمزاجية ، وتجعلهم ينحازون للمواقف الصحيحة التي تخدمهم وتخدم مجتمعاتهم وشعوبهم وأمتهم ودينهم ، وتجعلهم يعيشون في حالة من اليقظة والحذر والايجابية في تعاملهم مع الشعوب والأمم الأخرى ..!!
-->