بدايةً .....
من المعلوم بأن تطوير المنظومة التعليمية والثقافية وتبني الخطاب السياسي المدني والسلمي ، في مجتمعٍ ما يساهم بشكل إيجابي في نمو بيئة مدنية وسلمية وحضارية ، كما يساهم في إنحسار البيئة العِدائية والوحشية والهمجية في ذلك المجتمع ، ويترتب على ذلك إنحسار ثقافة الكراهية والعنف بين أفراد المجتمع ، وانتشار وتنامي ثقافة التسامح والإخاء والتعايش السلمي ، والعكس صحيح ' والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي الأسباب والدوافع التي ساهمت في تنامي البيئة العدائية والسلبية في المجتمع اليمني إلى هذا الحد مؤخراً ، والإجابة على هذا السؤال في غاية البساطة ، كان الشعب اليمني منذ بداية فترة الثمانينات وحتى العام 2010م ، يشهد نهضة تعليمية وثقافية وتنموية شاملة ، ويتبنى خطاباً دينياً وسياسياً وسطياً ومعتدلاً ، ساهم في زيادة مساحة الوعي المجتمعي السلمي والإيجابي ، والذي بدوره ساهم في انحسار البيئة العدائية والسلبية ، وفي نفس الوقت ساهم في نمو وتطور البيئة السلمية والإيجابية ..!!
حيث صارت ثقافة التسامح والتعايش السلمي والقبول بالآخر تسود المشهد ، وتسيطر على العلاقات بين الأفراد ، وأصبح المجتمع اليمني يركز إهتماماته علي التعليم والعلم بمختلف فروعه وتخصصاته ، وبدأ الكثير من أفراد المجتمع يندفعون نحو المنافسة الإيجابية في تحصيل العلم ، والحصول على الشهادات العلمية العليا ، وبدأ مقياس التعليم والعلم ، يتسيد الموقف ، وكل ذلك جعل البيئة السلمية والايجابية هي السائدة في المجتمع اليمني خلال تلك الفترة ، لكن للأسف الشديد جاءت أحداث 2011م السلبية وما تلاها من خلافات وصراعات وعنف ، لتقوض الأمن والأمان والاستقرار والسلام المجتمعي الذي كان ينعم به المجتمع اليمني ، ولتضع بصماتها السلبية على حياة أفراده ، على كل المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ...الخ ، وترتب على ذلك القضاء على البيئة السلمية والمدنية التي كانت سائدة في هذا المجتمع ' ونمو البيئة العدائية والسلبية ، لتصبح ثقافة الكراهية والعنف هي السائدة ، بدلاً من ثقافة التسامح والتعايش السلمي ، لتعود ظاهرة حمل السلاح في المدن الرئيسية ، إلى الواجهه بشكل كبير ومخيف جداً ، وأصبح حمل السلاح والتجول به في المدن والأسواق والشوارع هو شعار المرحلة ' ورافق ذلك تطور وانتشار الجريمة والعنف داخل المجتمع بشكل ملفت ..!!
واعتقد بأن الأزمات المتلاحقة التي عاشها المجتمع اليمني بعد احداث 2011م ، وصولاً إلى حالة الحرب والصراع المستمرة ، وما رافقها من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية كبيرة على أفراد المجتمع ، تسبب ذلك في نزوع الكثير منهم نحو العنف والعدائية والسلبية نحو الآخر ، وبالتدريج تسبب ذلك في تلاشي البيئة السلمية التي كانت سائدة ، فلم يعد أحد يحتمل أحد ، ولم يعد أحد يلتمس العذر لأحد ، ولم يعد أحد يتسامح مع أحد ، وأصبحت لغة العنف والسلاح والقوة وثقافة الكراهية والعنف هي السائدة داخل المجتمع ، وبمجرد حدوث مشكلة صغيرة ، أو خلاف بسيط هنا أو هناك ، سرعان ما تتطور الأحداث وتكبر وتخرج عن نطاق السيطرة ، لأن البيئة المحيطة بالمجتمع باتت بيئة عدائية ، ونفسية العديد من أفراد المجتمع باتت نفسية عدوانية وسلبية ، وهو ما يساهم في نزوعهم نحو العنف والفوضى لأبسط الأسباب ..!!
فالحروب والصراعات والأزمات الاقتصادية ، تسببت في تحميل الشعب اليمني الكثير من المعاناة والمآسي والضغوط في كل جوانب الحياة ، فلم تقف تلك المعاناة عند الجانب الاقتصادي والصحي والتعليمي والسياسي ، بل وصلت للجانب النفسي والثقافي وهذا أمر خطير جداً ، ينذر بتفكك النسيج الإجتماعي ، والقضاء التدريجي على البيئة السلمية وثقافة التسامح والتعايش السلمي التي كانت سائدة قبلاً ، والتي كانت في حالة من التطور والنمو يوماً بعد آخر ، ليصبح العنف والعدائية هو عنوان المرحلة اليوم ، وهو لغة التعامل الرائجة بين الكثير من أفراد المجتمع ، في ظل إنحسار كبير جداً للبيئة السلمية ، وتدني ملحوظ لثقافة التسامح والتعايش السلمي ' كل ذلك يضعنا أمام مؤشرات سلبية تنذر بخطورة المرحلة ' وتستوجب العمل بكل جهد على ترميم العلاقات المجتمعية ' وتكثيف الجهد على كل المستويات لتبني خطاب التسامح والتعايش السلمي لتهيئة الظروف للعودة بالمجتمع بالتدريج نحو البيئة السلمية والايجابية ' التي بات في أمس الحاجة لها كأولوية قصوى قبل فوات الأوان ..!!
-->