أعتقد جازماً ......
بأن أغلب الأزمات والصراعات والخلافات التي تعاني منها المجتمعات العربية عموماً ، والمجتمع اليمني خصوصاً ، هي النتيجة الطبيعية والمنطقية لسعي بعض القوى إلى الاستيلاء على السلطة والقوة والثروة والمناصب القيادية والوظيفية خارج الأطر الدستورية والقانونية ، واعتبارها غنيمة حرب ، وتوزيعها على المقربين والأتباع بحسب الولاء والطاعة والجهد ، واستبعاد كل المعارضين من مواقعهم ومناصبهم بغض النظر عن كفاءاتهم وخبراتهم ، والذي بدوره يساهم بشكل كبير في إغراق مؤسسات الدولة في مستنقع العبث والفساد المالي والإداري والقانوني ، وعدم إخضاعها لأسس ومبادئ الإدارة الحديثة ، وللشفافية المالية والإدارية ، وإخضاعها للتدخلات السياسية والحزبية بدون أي اعتبار للوائح والقوانين النافذة ، ولا يحلم أي نظام سياسي في العالم ، بتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتنموية وتقدمية بدون إصلاح منظومته الإدارية ، وإخضاعها لقوانين الإدارة العلمية الحديثة ، وتطبيقها لمبدأ الشفافية الإدارية والمالية. في كل تعاملاتها وإجراءاتها ومخرجاتها ومدخلاتها وقراراتها وتحريرها من الولاءات الحزبية والمذهبية والمناطقية والعنصرية الضيقة ..!!
ولا تحلم أي مؤسسة بتحقيق التطور والتقدم بدون إصلاح منظومتها الإدارية ، وتحقيقها للشفافية الإدارية ، وتطبيقها لقوانين الإدارة الحديثة ، لأنه من غير الممكن عقلاً ومنطقاً ، إحداث إصلاح مالي وإداري ، وإحداث تطور وتميز في الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسة أو تلك ، ومنظومتها الإدارية تحكمها البيروقراطية الحزبية أوالمذهبية أوالمناطقية أو الطائفية ، وللوساطات والمحسوبيات والوجاهات تأثير على قراراتها وتعييناتها ومخرجاتها ومدخلاتها ، فالإدارة الناجحة والفاعلة يجب أن تخضع لأسس ومبادئ الإدارة الحديثة ، من تنظيم ، وتخصيص ، وتنسيق ، ورقابة ، وتوجيه ، ويجب أن تخضع جميع التعيينات في المناصب الإدارية للكفاءة والخبرة والمؤهل والأقدمية والتخصص بحسب اللوائح والقوانين ، وبدون تحقيق تلك الأسس الإدارية والإلتزام بها ، من الصعب تحقيق أي نجاح أو إنجاز أو تطور ، كون نجاح العمل الإداري يتطلب تحريره من كل القيود التي تكبل تطوره ونجاحه ، والمتمثلة في الولاءات الحزبية والمذهبية والطائفية ، ومن كل السلبيات التي تعيق تقدمه كالمحسوبية والوساطة والوجاهة والقرابة والعنصرية ..!!
وفي الوقت الذي ندرك فيه ونؤمن بأن الإدارة علم وفن وخبرة وكفاءة وأقدمية ، عندها فقط يمكننا إصلاح منظوماتنا الإدارية ، من خلال التزامنا بمبادئ الإدارة الحديثة ، ومن خلال احترامنا للوائح والقوانين ، وبإصلاح منظوماتنا الإدارية سوف تصلح كل أحوال مجتمعاتنا ، وتتوقف صراعاتنا السياسية والسلطوية ، التي هي في الحقيقة ، ليست سوى صراعات للاستيلاء على السلطة ، وللتحكم في المنظومة الإدارية للدولة ، وللسيطرة على الموارد المالية للدولة ، وللاستيلاء على المناصب الحكومية ، بعيداً عن الأسس الإدارية الحديثة ، ولوائح وقوانين الخدمة المدنية ، لكن لو كانت منظوماتنا الإدارية الحكومية ، تعمل باستقلالية تامة بعيداً عن التدخلات السياسية والحزبية ، وكانت خاضعة للأسس والمعايير الإدارية الحديثة ، وكل تعييناتها وقراراتها وترقياتها خاضعة للوائح وقوانين الخدمة المدنية ، وكل إجراءاتها المالية والإدارية تتم بشفافية ووضوح ، فلن يكون هناك من داعي لكل تلك الصراعات والخلافات ، التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية ، طالما والجميع خاضعون للنظام والقانون ، والذي بدوره سوف يقطع الطريق أمام الأطماع والصراعات الفردية والجماعية ، ويولد لدى الجميع القناعة بأنهم سوف يحصلون على حقوقهم الإدارية والمالية كاملة ، بدون الحاجة لممارسة السلوكيات السلبية والعدائية ، وبدون الحاجة للعنف والقوة والغلبة ...!!!!
فعدم الإلتزام بالنظم واللوائح والأسس الإدارية العلمية الحديثة ، يشجع على حدوث المزيد من الصراعات السياسية ، التي بدورها تحول الوظيفة العامة إلى غنيمة ، وهو ما يفتح شهية أصحاب الأطماع السلطوية ، للفوز بالغنائم خارج إطار النظام والقانون ، ويفتح المجال للغير مؤهلين ، وعديمي الكفاءة والخبرة والفاشلين والفاسدين لتولى أعلى المناصب الحكومية ، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك بالنسبة لهم ، هي طريق الاستيلاء على السلطة بالقوة ، وهو ما يدفع إلى حدوث المزيد من الصراعات السياسية ، بينما الالتزام بالنظم الإدارية العلمية الحديثة ، يقطع الطريق أمام أصحاب الأطماع السلطوية ، لأن الوظيفة العامة في هذا الحال ، لن تصبح مغنم ، ولن تخضع للمزاجات والأهواء ، وكل ما يحدث من صراعات سياسية في مجتمعنا اليمني ، هي النتيجة الطبيعية لاعتبار البعض مناصب ومؤسسات وأموال الدولة غنيمة حرب ، ولن يصلح حال هذا الشعب لا إذا تغيرت هذه النظرة السلبية ، وعندما يدرك الجميع بأن الوظيفة الحكومية والقيادية علم وشهادة وخبرة وكفاءة وأولوية وليست غنيمة حرب ..!!
-->