تتسلل القاره العجوز إلى ذهنك
كفتاه حسناء ترتدي فستاناً وردي يُبرِز كل مفاتنها، ظهرت أمام عينيك فجاة وأنت منهمكاً في صفحات التواصل الاجتماعي، أثارتك بقوه وجعلت جسمك ودماغك يعلن حالة الطوارئ القصوى للتفكير في الوصول إليها مهما بلغت التكاليف وكيف ما كانت المصاعب والتحديات ، في ألليله التاليه تستلقي على سريرك بعد يوم عمل شاق فتظهر لك كخيال وليس كحقيقه كما في المره السابقه، تسرق منك نعاسك ألذي بدأ يداهمك ليزيل عنك أعباء ما عانيته نهاراً،
تسبح في الافكار والخيال ترسم الطرق وتضع الخطط للوصول إلى تلك الفاتنه ألتي ترى إنها ستجلب لك ألسعاده وتخلصك من شقائك وتعاستك، في هذه الليله تبدو عازماً على السفر أكثر من ما سبق وكإنك ستصل إليها نهاية نهار الغد، في بداية اليوم التالي تستهل نهارك بالذهاب إلى كل من تظُن إنه لن يُخيب آمالك، تطرق الأبواب الواحد تلو الآخر وتكثف اتصالاتك لمن تثق بوفائهم، تهرع إلى مدخرات أمك واخواتك من المجوهرات وابوك من السلاح وكل ما قد يباع بسعر مثالي، تستنفد كل طرق الاستديان وكأن حاجتك ستنتهي ومشاكلك ستُحل عند النظره الأولى، ها انت ذا قد جمعت مبلغاً لا بأس بهِ ترى إنه سيمكنك من الوصول إلى معشوقتك ذات الأعين الزرقاء والشعر الاشقر، تسابق الزمن في البحث عن اقرب مسار للخروج من أليمن وعبر اي وسيله،
لاشك إن باصات النقل الجماعي ستكون الأنسب والاكثر سفراً في خطوط وطنك المكلوم، الساعه الخامسه عصراً موعد إنطلاق الباص إلى محافظة المهره الساحره ذات الهواء النقي والساحل العملاق، ربما ستودع اهلك وقد تخفي موعد إنطلاق رحلتك عن اصحابك خشية تسرب ألخبر إلى آذان قاطعي الطرق، يبدو إن الرحله طويله من محافظة صنعاء إلى المهره لكن حلمك اطول واكبر من أن يقوضه كثرة النقاط وتَكسُر الطريق وعجرفة عناصر الميليشيات الحوثيه، إبتسم وردد في اعماقك وداعاً يا عيال الكلب فلن أعود إليكم بعد اليوم، ها نحن ذا نقترب من محطه الوصول ويبدو إن الساعه تشير الى الرابعه عصراً اليوم الثاني، اعتقد ان نبضات قلبك تتسارع خشية حدوث امراً ما وعودتك مجدداً إلى صنعاء، في المنفذ اليمني تنهي إجراءات الخروج سريعاً منطلقاً نحو المنفذ العماني، ما أن يقول شرطي الجوازات تفضل بالدخول منهياً ختم جوازك حتى تنهمر منك قطرات العرق ويبدأ علامات التعب تظهر عليك والسهر قد بلغ منك مبلغ الأرق، على متن حافله اخرى نحو المطار تتجه متحدياً الإرهاق والنوم، تلفت نظرك الإناره في أركان المنازل وعلى أطراف الأرصفة، نظافة الشوارع كل شيئ مرتب، تقف الحافله قليلاً وتترجل منها ذاهباً لشراء بعض حاجياتك، على جانب الطريق محل يبدو إنه مفتوح تقترب من الباب حيث الإضاءه مُناره والأبواب من الزجاج الشفاف، للأسف لا أحد هنا، هل يعقل أن يُترك هذا مفتوحاً بهذا الشكل وهل هناك حارساً لا أراه؟ لو دفعت الباب بقوه لانفتح بسهوله، تبدو منذهلاً ! لا عليك العالم يعيش بهذا الشكل. تتدفق التساؤلات عليك وكإنك في كرسي الإتهام، ما الفرق بيننا وبينهم؟
ألسنا في كوكب واحد؟ لماذا نحن نسير خائفين ونحن مدججين بالسلاح ؟ محلاتنا مكدسه بالأسلحة خشية من اللصوص، يبدو أن هذا ألعالم ليس الذي نحن جزء منه، في كاونتر المطار يبدأ التدقيق في اغراضك وجوازك وكأنكَ متهم بأكبر جرائم الإرهاب. يبدء الخوف يدب في اعماقك. مالذي حدث ؟ يأخذ الموظف جوازك ويذهب إلى المدير ، في تلك اللحظات يزاد خوفك وقلقك ويزداد ألليل وحشة رغم الإنارات ألتي يكتض بها المطار، أحدهم قادم إليك الآن، قف جانباً يا سيدي لكي يمر الآخرين، هذا ما قاله ثم انصرف، تزداد تعجباً ورعباً في آن، انا في العشرينيات من عمري، مالذي عملته، ليس لي ذنب ولا عليّ جريمه، تُحصي أعمالك وعلاقاتك في تلك الدقائق، على ما يبدو إن سجلك نظيف في نظر نفسك وحسب مراجعتك الآخيره في هذه اللحظه، ها قد آتى الموظف الذي أخذ جوازك، إتبعني يا صديقي من فضلك، يبدو إن هناك خطباً ما هكذا تحدث نفسك، أيقنت بالعوده إلى الميليشيات التي ودعتها بلعناتك سابقاً، يخاطبك المدير بنبرة تكبر وعنجهيه، انت يمني؟ نعم يا سيدي.
هل هناك مشكله في كوني يمني ؟ اين ستذهب؟ هل لديك إقامه في ذلك البلد؟ اين فيزة العوده؟ أسئله لم أعتد عليها ابداً فأنا فقط اعتدت على اسئلة والدتي اين كنت؟ لماذا تاخرت ؟ مع من كنت؟ الصمت سيد الموقف، بعد دقائق من تفحص المدير لجوازك وملامحك وأركان وزوايا الغرفه، تستطيع ان تذهب ولكن في المره القادمه يجب أن يكون لديك إقامه وفيزة عودة إلى هنا، على متن الطائره تستمتع بحركات السحب وصفاء السماء، تحلق بروحك ابعد من تحليق الطائره تتنفس بعمق رافعاً يديك إلى العرش مثنياً على صانع هذا الكون ومسَيّر أحداثه ومُقدر اقداره، فله الفضل وحده في كل ما وصلت إليه .
رفيق علي هادي
لندن
14.8.2020
-->