بعبع أمريكا لإيران هو الحوثي!!

د. علي العسلي
الاثنين ، ١٤ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:٢٦ مساءً

 

في عالمٍ تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه القوى، لا تُخاض الحروب بالضرورة على الجبهات الأمامية، بل كثيرًا ما تُدار عبر رسائل غير مباشرة ووكلاء.

وفي قلب هذا المشهد الملتبس، يظهر الحوثي كورقة ضغط أمريكية في مواجهة إيران. فهل أصبح "بعبع الحوثي" هو العصا التي تلوّح بها إدارة ترامب الجديدة لطهران؟ أم أن الأمر أعمق من مجرد تهديد عابر؟

في تصريحٍ لافت، حذّر وزير الدفاع الأمريكي المعيَّن من قِبل الرئيس دونالد ترامب، إيران من مغبّة الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، مطالبًا إياها بالجلوس الفوري إلى طاولة المفاوضات لتفكيك هذا البرنامج، ومُلوِّحًا بأن مصيرها قد لا يختلف عن مصير الحوثيين في اليمن. وقد أشار صراحة إلى أن أمريكا تقوم حاليًا بتفكيك القدرات العسكرية للحوثيين، وهو تصريح يمكن فهمه على أنه تحجيم تدريجي لقدراتهم، لا سيما مع الاستهدافات الدقيقة والمركّزة لمخازن أسلحة ومنشآت ذات طابع مزدوج.

وقد جاءت هذه التصريحات بالتزامن مع استمرار الضربات الأمريكية على مواقع حوثية في شمال وغرب اليمن، كردٍّ على ما تعتبره واشنطن تهديدًا للملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. وبذلك، بات الحوثي يُوظَّف من قِبل واشنطن كنموذج تحذيري لإيران، ورسالة سياسية بأن العقاب قد يبدأ من الأطراف، لكنه قد يطال الرأس إن لزم الأمر.

ورغم تعدد الضربات وتكرارها، فإن تأثيرها لم يكن حاسمًا في عهد الرئيس بايدن، ما سمح للحوثيين بالظهور في الداخل اليمني كمقاومين للهيمنة الأمريكية، واستغلال الوضع دعائيًا لتعزيز خطاب "المظلومية والسيادة"، بل وتوسيع قاعدتهم التجنيدية.

غير أن الأمور بدأت تأخذ منحًى أكثر جدية بعد تولي إدارة ترامب الجديدة السلطة، حيث لم تعد الضربات مجرد ردود رمزية، بل باتت متواصلة وتستهدف مواقع لم تكن ضمن بنك الأهداف من قبل، مثل المصنع الذي قيل إنه مملوك لقيادي حوثي بارز، وتحوَّل إلى ساحة انفجارات هائلة، ربما نتيجة وجود أسلحة متطورة أو حتى ذخائر "فرط صوتية".

إلا أن هذه السياسة لا تهدف إلى اجتثاث شامل للحوثيين، بل إلى تأديبهم وضبط سلوكهم حين يتجاوزون الخطوط الحمراء الأمريكية، مع توجيه الرسالة الأقوى إلى طهران: هكذا سيكون المصير إن لم تخضعوا لاتفاق نووي جديد.

في المحصّلة، ورغم الاستهداف والتصعيد، لم ينهَر الحوثيون بعد، وما زالوا يطلقون الصواريخ والمسيّرات ويستهدفون السفن، بل ويزايدون بشعارات "الكرامة" و"الانتصار". لكن طهران تدرك تمامًا أن ما يجري هو نموذج لحرب مقنّنة، تضبطها توازنات إقليمية ودولية دقيقة، وقد لا تُخيفها مثل هذه الرسائل، بل قد تشجعها على المعاندة والتحدي.

رسالة أمريكا هذه بـ"البعبع الحوثي" تبدو ضعيفة، فعلى الرغم من أنها رسالة مزدوجة بطبيعتها؛ فهي من جهة تحمل التهديد والوعيد، لكنها من جهة أخرى تُظهر حدود القوة الأمريكية، التي لم تستطع حتى الآن أن تُسقط الحوثي أو تقضي عليه. وإذا كان المقصود من الضربات الأخيرة هو التمهيد لـ"قادمٍ أعظم"، فربما تتغيّر المعادلة لاحقًا.

لكن لندع التحليلات والاستنتاجات، ولنذهب إلى مكمن الخطر الأكبر: فبينما تتحوّل اليمن إلى ساحة لتبادل الرسائل بين واشنطن وطهران، فإن الثمن يُدفع من دماء اليمنيين، ومن بنية دولتهم المنهكة. لذا، فإن الشرعية مطالَبة اليوم باستعادة القرار السيادي المختطَف، حتى تتوقف هذه الرسائل القاتلة، وحتى لا يبقى الحوثي مجرد "بعبع" تُديره القوى الكبرى على إيران أو الجيران إذا اقتضت الحاجة، على حساب الأرض والإنسان اليمني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي