المعركة الدائمة..وصدق الموعد..

د. محمد شداد
السبت ، ١٢ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:١٣ مساءً

عندما تتعرض الشعوب عادةً للظلم والانكسار، تتجلى حينها العزائم وتبرز قوة الإرادة، وتحشد قواها في مواجهة التحديات بكل ما لديها من إمكانيات، ما يدور في اليمن ليس مجرد معركة بين حق وباطل وخيانة ووفاء وعدلٍ وظلم.. إنها معركة بين ألف سنة من التشضي الكهنوتي المتعمد والتجريف السلال الحاقد، وستين سنة من عمر ثورة 26 من سبتمبر والتي هي بدورها اختُطفت من ورثة الكهنوت السلالي والقبلي، ولذا لم تتمكن من تحقيق أهدافها كليةً، لأن من خطط وأعد وأطلق القذيفة الأولى في صدر قصر البشائر مساء الثورة شباب لم تكن عقولهم قد تلوث بهراء الإمامة ولم يتشبع فكرهم بخرافة الولاية..

ولم يتقلَّبوا بين موائدها يومًا ما، على خلاف كثير ممن تربعوا على كرسي السلطة بعد فك حصار السبعين كان معظمهم قد جاء من هناك من أروقة الإمامة خالط عقولهم رهابها وسكنت أرواحهم ليالي سجونها ومُلأت بطونهم من عطاياها وتبقت خيوط الصداقات مع الكهنة في مسار الثورة فاعلة ومؤثرة.. ولهذا لم يتم تصفية الثورة من أدران ماضيها، وبناء أسس الدولة الوليدة على أساس حدية الموقف الثوري إلا في سنينها الأولى، حينما حمل همها وأهدافها الشباب المتقد ذكرهم حبًا وولاءً للثورة والوطن، دون تشوه في معنى الوطنية والفكر..

وإذا ما تجاوزنا فترات حكم الحمدي والسلال سنجد أن منهجية حكم النظام الجمهوري للأسف لم يختلف كثيرًا عن حُكم الإمامة إذ حلت عصبية القبيلة محل عصبية السلالة وظل نظام القيد والرهائن وسلوك شراء الولاءات يسري بعيدًا عن رقابة الدولة وقوانينها..

وتم توزيع موارد الدولة ووديانها الزراعية بين مجموعة نافذين على غرار ما كان يفعل دهاقنة الإمامة من توزيع وديان الزراعية في المحافظات الخصيبة لأذنابها، ومنح خراج بعض المديريات والمدن لتصب في خانة هذا الشيخ أو ذاك السلالي.. في تطابق تام بين تلك المرحلة 26 أيلول أي مرحلة ضعف بناء هياكل الدولة ونظمها المالية والإدارية والسياسية، مع ما جرى ويجري للشرعية قادةً ساسةً وأجناد، أمةً وجدت نفسها مؤسساتها جيشها أمنها وجنودها في صحراء مأرب وأخرى في مرمى مدفعية الحرس العائلي في تعز دون سلاح ، نزحت الدولة بعد الانقلاب "الحوثفاشي" لتجد نفسها مبعثرة وموزعة في الداخل والخارج..

مأرب الملاذ الواسع والضيافة كلها التي استقبلتهم كانت تفتقر لأبسط الخدمات لم يكن فيها من الشوارع المسفلتة غير اثنان وجد الناس أنفسهم على المحك دون أي نظام كما سبق دون أي مؤسسات في مبانيها ونظمها قائمة، دون جيش دون سلاح دون أجهزة أمنية واستخباراتية دون منهجية سياسية واضحة وموحدة..

وعليه لماذا البعض يُحمِّل شخص الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس الرآسة أعباء كل حمولات الماضي والحاضر وأخطاؤه وعثراته، حُمِّلَ الرجل مسؤولية ثقيلةٌ وزنها، يسير في حقل واسع ومعقد من الألغام، وبين ركام مجتمعي وسياسي وعسكري واقتصادي هائل، بحاجة إلى سنين من الصبر والعمل، لإعادة بناء جيش وطني قوي يحمل عقيدة قتالية موحدة وأجهزة أمنية عامة وخاصة سياسية قومية جامعة وفقًا لمقتضيات الحرب ومتطلبات أمن الدولة والمجتمع.. 

إنها ليست مجرد معركة عسكرية بالقوة الصلبة خاضها الشعب اليمني مع أذناب الفرس وأزلامهم بل كانت ولا زالت وستظل معركة ذات أبعاد مختلفة سلالية جهوية لا تدار بقوى فكرية وثقافية مضادة بوسائلها الناعمة، بل أغفلتها نُظم ما بعد قيام ثورة 26 من سبتمبر تركوا عمقها واتجهوا كرفاقٍ فرقاء نحو الصراعات السياسية الخائفة من طغيان بعضها على البعض الآخر..

سلك اليسار طريق التطهير والتحرير بأدوات وشعارات أخافت الأطراف القبلية والدينية التقليدية في الاتجاه الآخر استُخدمت آلة التكفير والملاحقات الأمنية والتطهير على أسس عقائدية وجهوية..

الخطاب الحاد والمتطرف أخاف الشيخ على مركزه القبلي خاف من عودته إلى مواطن مستقر منتج وترك ثقافة العنف التسلط والنهب واللهوطة، ارتاع الداعية على حزبه وخشِيَ على منبره المثير للجدل، وفزع عالم الدين من التعدي على الذات الإلهية بحسب زعم البعض والتهى بها..كبرت دائرة الخوف البينية المتبادلة بين القوى السياسية وتوسعت قائمة التُهم والصراعات اللاوطنية فكانت النتيجة ما نراه الساعة..

ذهبت أحزاب البعث في اتجاه مغاير لليسار برغم تبنيها الفكرة الاشتراكية وتواصلها مع معسكر الشرق المنتج للفكرة الأساس، في مفارقة عجيبة وقفت نظم البعث العراقي والسوري في حرب الشطرين عام 1979م مع نظام صنعاء، وهددوا بالتدخل المباشر لحماية النظام القبلي المفرغ من كل معاني البناء الجمهوري، اعتقدوا بأن كسبهم للحلقات الاجتماعية العليا بما فيهم المشايخ وغير قليل من القادة العسكريين سيمكنهم من الفوز بالسلطة..

لم يدركوا طبيعة وتركيبة العقلية القبيلة الانتهازية السارحة بالنهار مع دافع والسامرة بالليل على فرش دافعٍ آخر، توقفت الحرب بعد أن تقدم جيش جنوب الوطن، وكاد أن ينتصر ولم يتوقف الصراع السياسي والمجتمعي بين النور والظلام بين الباحثين عن الدولة والنظام والمهتمين بكروشهم وقروشهم..

سيبقى الصراع مستمر والمعركة دائمة مادام الكهنوت السلالي المناطقي الطائفي حيًا وباقي، وسيبقى ما دام للإقزام موطيء قدم ويد في صناعة القرار وإن صمت العالم، وإن صعرت الأنظمة المستبدة خدها لليمن وتآمرت على حقه في الحرية والحياة الكريمة، ستنفجر قوة الشعب اليمني كرسائل الأنبياء وترص صفوفها كالملائك وتطلقها صيحةً نحو صنعاء حينها سينزل الشعب بساحاتها ويؤذن مؤذن آلا فقد ساء صباح المنذَّرين..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي