الأسرة الصفوية أسرة كلها صوفية اعتنقت التصوف باكراً منذ جدهم الأول فيروز بن محمد بن شرفشاه، الذي قيل أنه قاد مع أمير من أحفاد إبراهيم بن أدهم ثورة بدأت من سنجان إحدى قرى مرو، عاصمة خراسان، وامتدت حتى شملت أذربيجان كلها، وكانت ترمي إلى نشر الإِسلام في هذه البقاع، حتى نجحت في ذلك.
تأسست هذه الأسرة هناك بسبب إقامة فيروز هناك وامتلك الأموال والأراضي الكثيرة حتى صارت أسرته أسرة إقطاعية كبيرة، وتناسل الأبناء والأحفاد والإبن الأكبر يدير هذه الأراضي والأموال حتى توسعت وصارت متحكمة بمن حولها وصولاً إلى الحفيد الخامس تقريباً وهو أمين الدين جد الشاه إسماعيل. وبسبب غزو الكرج لأردبيل أفقد أمين الدين أراضيه، ولو مؤقتًا، فلبس ثياب الدراويش وقصد إلى شيراز حيث أمضى هناك عشر سنين، وصار من مريدي خواجه كمال الدين عربشاه الأردبيلي، أحد مشاهير الصوفية هناك، ثم تزوج ابنته دولتي فوق زوجته الأولى.
وقد بالغ المؤرخون في بيان أهمية هذه الزيجة بحيث جعلوها تبدو وكأنها اتحاد بين العنصر الفارسي وعنصر أمين الدين جبرئيل على صورة ترحيب الفرس به شخصيًا في تبريز قاعدة أذربيجان التركية منذ القديم، ثم أخيرًا بهذا الزواج، مما يدل على أن هذه العائلة لم تكن فارسية على الإطلاق. وعاد أمين الدين جبرئيل إلى كلخوران بعد زوال الأخطار ليزاول زراعته وإدارة أملاكه وهناك ولدت له دولتي: زوجه الفارسية صفي الدين إسحق سنة ٦٥٠، وقد بولغ في وصف السيدة دولتي بالزهد والولاية والعصمة حتى لقد قرنت برابعة العدوية تمهيدًا لجعل ولادة صفي الدين حدثًا يتصل بإرادة سماوية. ولم تطل حياة والد صفي الدين إسحق إذ توفي سنة ٦٥٦، وخلف وراءه ثروة وجاهًا. وكان العصر عصر تصوف، فاختار صفي الدين اليتيم المدلل هذا الطراز من الحياة. وفي الرابعة عشرة من عمره قصد إلى شيراز في الجنوب للأخذ عن نجيب الدين برغش الشيرازي، لكنه وجده قد مات.
ثم تنقل بين الشيوخ حتى وصل إلى صحبة الشيخ إبراهيم الملقب بالزاهد الكيلاني (ت ٧٠٠) في كيلان فلزمه وتزوج بنته بوصفه شابًا تركيًا. وكان هذا الحادث إيذانًا ببداية طراز جديد من التصوف قائم على الأرستقراطية والثروة، فأسلم كما تقضي طبيعة الأشياء إلى أهداف أخرى مادية في وقت تسلط فيه المغول على العالم الإِسلامي، والناس والحكومة معًا يتطلعان إلى كرامات الأولياء. وأدت هذه المصاهرة إلى أن جعل الشيخ الزاهد الذي قيل: إن مريديه كانوا يقاربون المائة ألف، يخدمه فعلا منهم ألفان، من ختنه السري الغني أميرًا صوفيًا تتهيأ الدنيا لخدمته.
ولما ارتفع نجم العلويين في بداية القرن الثامن منافسة من دولة المغول للمماليك الذين نصبوا من أنفسهم أوصياء على الخلافة العباسية المنهارة، رأى صفي الدين أن يستكمل سطوته بالنسب العلوي فادّعاه. وكان من ضعف هذا الادعاء أن صاحب صفوة الصفا نفسه روى أن زوجة صفي الدين نفسها لم تكن تعلم به. ولو كان صفي الدين علويًا حقًا لأشار إلى نسبه أستاذه ومرشده كالحال مع محمد نور بخش مثلاً، ولكنه لم يفعل. والغريب أنه، مع صراحة اتصال السلسلة التي سجلها أصحاب الكتب بالحسين، روى عن صدر الدين نجل صفي الدين ووارثه أنه لم يكن يدري أحسني هو أم حسيني، مما يشكك في السلسلة كلها ابتداءً من فيروز إلى موسى الكاظم الإِمام السابع.
وهكذا هم الشيعة والإماميون في كل زمان ومكان، يتم تزوير أنسابهم لسطوع نجم دولة العلويين الذين يستخدمهم كافة الدول الاستعمارية الخارجية المتسلطة على العالم الإسلامي ويحولونهم إلى معول هدم للأمة خدمة لهذه الدول، وهكذا يفضح نسب مؤسس الدولة الصفوية الذي كان تارة صوفياً على المذهب الشافعي، ثم ادعاؤه النسب التركي، وأخيراً التحول إلى النسب العلوي الذي كانت وراءه المغول للوقوف ضد المماليك والأتراك معاً، ومن هنا نفهم سر ذلك العداء المستفحل الذي كان يكنه الشاه إسماعيل للدولة العثمانية ومحاربته إياها نيابة عن المغول والصليبيين وغيرهم، حتى هزيمته الشنعاء التي أفقدته حياته كمداً على يد السلطان سليمان القانوني.
لقد تحولت الطريقة الصفوية على يد جنيد بن إبراهيم إلى حركة يغلب عليها الجانب السياسي، وقد لاحظ رجال من معاصريه أنه "كان على طريق الملوك لا على طريق القوم"، ولاحظوا أيضًا أن الأنصار كانوا يقصدونه من بلاد الروم والعجم وسائر البلاد. وفوق هذا ذكر الشيخ أبو ذر الشافعي أن "بعض أصحابه يدعي حياته" بعد قتله، مما يوحي بالشبه الكبير بين عقيدة جنيد والمشعشعيين فعلاً.
لكن هناك من المؤرخين من يقول إن الشاه إسماعيل حارب المشعشعيين ونكل بهم، "ففي سنة ٩٠٥ ظهرت دولة الصفويين في ايران بزعامة الشاه إسماعيل بن حيدر فأخذ نفوذ المشعشعيين يتقلص من تلك المناطق، وقد استعملت معهم الدولة الصفوية سياسة (فرق تسد)، وحرب العقائد، كما ظهر ذلك جلياً في سير حوادثهم التاريخية".
ومهما يكن الأمر فقد اتضح الآن أن الصفويين صاروا حزبًا سياسيًا، ثوريًا وأخذ التشيع الغالي يتسرب إلى عقائدهم، وسيتضح ذلك من موقف حيدر بن جنيد القائد التالي للصفويين.
كان حيدر هذا طفلاً صغيراً تربى تربية خاصة على أيدي أنصار أبيه جنيد الذي قتل، "ولما بلغ أشده خطا خطوة أخرى في دفع عجلة الطريقة الصوفية نحو التشيع الاثني عشرين، وذلك باتخاذه شعاراً يميز أتباعه عن غيرهم على صورة قلنسوة حمراء ذات اثنتي عشرة ذؤابة، دلالة على الأئمة الاثني عشر، إنه تاج حيدر".
شيئاً فشيئاً انتقلت الحركة من جنيد إلى ابنه حيدر، ليقتل هو الآخر وليؤسر ابناه إبراهيم وإسماعيل، ثم مقتل أخيه إبراهيم عند عودته إلى أردبيل، ولم يبق إلا إسماعيل الذي تم الاعتناء به وتربيته تربة خاصة من قبل جدته وأنصار أبيه وجده والتحالف الفارسي الصوفي الصفوي الكردي التركماني (الصليبي من وراء ستار).
بقي إسماعيل في لاهيجان بانتظار الفرصة المناسبة. وقام كاركيا ميرزا علي بإعداده وتربيته تربية عسكرية ودينية، وقد كلف الشيخ شمس الدين اللاهيجي الاهتمام به وتحفيظه القرآن الكريم.
وكان إسماعيل في حاجة إلى جيش قوي وإلى بداية موفقة. وفي لاهجان بدأ التنظيم النهائي على يد الصوفية الصفويين الذي ذكر القرماني أنهم "شيعوه وعلموه الرفض" وصار، وهو في صباه الباكر، زعيمًا محبوبًا يتفانى المريدون في خدمته والذود عنه، ونصحه أصحابه في لاهجان أن يقصد إلى بلاد الروم حيث أصحابه ليستنصرهم ويكون منهم نواة لجيشه ومساعديه، فقيل أنه فعل وعاد ببعض أنصاره من هناك. وبدأت الثورة بإسماعيل وسبعة من الصوفية كان اثنان منهم من تركمان قرمان.
وينبغي أن نذكر هنا أن حلب نفسها، حيث أقام جد إسماعيل مدة، كان فيها صوفي مشهور هو محمد بن يحيى الكواكبي (ت ٨٩٧ - ١٤٩١) وكان داعية للصفويين يقول للناس: سيظهر من أهل طريقتنا واحد على خلاف طريقة أهل السنة والجماعة". وذكر أنه كان في حلب من شيعة الصفويين "قوم صاروا هدفًا لخصومة فقهائها"، ومن هنا وصف هؤلاء الفقهاء بأنهم "كانوا يردّون على الرافضة سيما على طائفة أردبيل".
ومما سبق يبدو أن العنصر الفارسي المتحد مع العنصر الصوفي والكردي في تلك البلاد كان مخططاً على المدى البعيد، برعاية الجد أولاً، ثم تزويجه امرأة من أسرة مرموقة من نسل فارسي كما يذكر بعض المؤرخين، ثم ينجبون جد إسماعيل الصفوي (صفي الدين الأردبيلي إسحاق، صاحب الطريقة الصوفية الصفوية الأردبيلية)، يحظى باهتمام خاص ورعاية خاصة، ثم تتم كذلك رعاية أبنائه جنيد وابنه حيدر (أبو إسماعيل) بقدر كبير من الاهتمام والتقديس كإيجاد بيئة خاصة ومناسبة والبحث عن شخصية من ذلك النسل والنسب ليتموا به ذلك المخطط حتى تم اصطفاء في نهاية المطاف إسماعيل الصفوي الصوفي الذي تم تشييعه، مع أن أباه وجده صوفيَّان على مذهب الشافعي ، التي كانت أمه دسبينا خاتون، بنت كالو آيوانس آخر الأباطرة المسيحيين في طرابزون وسليل أسرة يونانية نبيلة. ثار إسماعيل مع الجانب الصوفي وبدأ التوسع ليصل إلى تأسيس الدولة في فترة وجيزة، ليتم عمل له كل ذلك التقديس، حتى أنه تم اتحاد عناصر الساسانية مع العنصر الصوفي المهوشم، وكذلك مع عناصر كردية تركمانية ثم صليبية فيما بعد، ثم توجيهه بعد تأسيس الدولة إلى التصدي للتوسع العثماني التركي، وخلق عدو بزي إسلامي لهذا التمدد التركي ليكون في المحصلة اليد العسكرية التي يبطش بها واللافتة التي يتم تخفي الجميع خلفها، لم تسقط كل تلك الهالة التقديسية إلا بهزيمة الشاه إسماعيل في معركة تشالديران/ جالديران، أمام الأتراك في 23 أغسطس من عام 1514م بقيادة السلطان سليم ياووز الأول، ليموت حسرة وكمداً وتنتهي دولته وقوتها بعد ذلك إلى أن تم انتشالها مجدداً مع حفيده الشاه عباس الذي دعمه ذلك التحالف بقوة وإنشاء إيران الحديثة.
مع استرداد الشاه عباس لقوة الدولة الصفوية من العثمانيين بتحالفه مع روسيا القيصرية والصليبيين وبريطانيا وكذلك اليهود واستقرار الدولة بدأ ينشر نفوذه خارج إيران ودعم البرتغاليين في عمان، ودعوته المتوكل إسماعيل في اليمن، وإقامة علاقات بين الجانبين بحكم الرابط الشيعي.
وفي الوقت الذي ظهرت الدولة الإمامية الحديثة في اليمن في القرن الحادي عشر الهجري، بعد خروج الأتراك من اليمن الخروج الأول، ظهرت الدولة الصفوية الشيعية في إيران، وكانت في أوج قوتها تعمل على مقاومة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وفي نفس الوقت تقوم بتطهير مذهبي عرقي في استئصال السنة عرباً وعجماً وشعوباً أخرى من البلوش والأكراد والأذريين وغيرهم، وفرض المذهب الشيعي الجعفري الإثنى عشري بقوة الحديد والنار، وتقليص السنة في إيران، وتصفية العرب منها، مع فتح الأبواب بمصاريعها للتبشير المسيحي واليهودي وتقديم كافة الدعم لهم والتسهيل في نشر الديانتين، حتى كان الشاه عباس الصفوي يبالغ أيما مبالغة في احترام وتبجيل المبشرين المسيحيين واليهود.
وكان هناك نوع من العلاقات والمراسلات الكثيرة بين الطرفين وتبادل الرسل وربما التعليمات لتطبيق النموذجين في اليمن وإيران، والدليل على ذلك ما قام به المتوكل إسماعيل في البلاد السفلى من نشر مذهبه والتكفير بالإلزام بقوة السلطة والحديد والنار.
-->