وصاية ناعمة وتشظٍّ خشن: اليمن بين التفتيت والاستعمار المعاصر

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ١٥ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٥٥ مساءً

 

يواجه اليمن لحظة فارقة تتقاطع فيها عوامل التشظي الداخلي مع تجاذبات إقليمية ودولية، تتدثر بمسميات مثل "الشراكات الاستراتيجية" و"المساعدات التنموية" و"تأمين الممرات الدولية"، بينما هي في جوهرها إعادة إنتاج ناعم لأشكال الاستعمار القديم.

في هذا السياق، يجب أن نتوقف بوعي وطني صادق لما يجري، حمايةً لوحدة اليمن واستقلاله، وتقديمًا لمصلحته فوق كل اعتبار.

فإعادة تشكيل الكيانات المحلية وفق مصالح إقليمية باتت واقعًا مفروضًا لكنه مرفوضًا، ومظاهر التشظي تتوسع في ظل غياب الدولة، وصعود كيانات تتجاوز الشرعية وتتلقى دعمًا خارجيًا، وتكرّس واقعًا مناطقيًا أو مذهبيًا أو سياسيًا مغايرًا لفكرة الدولة الوطنية.

في سقطرى، والمهرة، وحضرموت، والساحل الغربي، وصنعاء، وعدن، ومأرب... تتجلى مشاريع متباينة لا يجمعها سوى أنها لا تنضوي تحت مظلة وطنية جامعة.

الشرعية غائبة أو مُغيَّبة، والمشاريع البديلة تُصنَع وتُدعَم، بينما أدوات الدولة يتم تهميشها عمدًا وتفتقر إلى الإمكانيات لفرض هيبة الدولة واحترامها.

أما القرصنة البحرية، فقد عادت كمبرر لتدخل دولي، تمامًا كما حدث في التاريخ، واليوم تُستخدَم استهدافات الحوثي ذريعةً لحماية الممرات البحرية في ظل فقر وفوضى وغياب للسيادة، ما يفتح الأبواب لنهب الثروات، ودفن النفايات، واستغلال الموقع الجغرافي.

تأخير الحسم السياسي والعسكري لم يعد مجرد فشل، بل يُحتمل أن يكون جزءًا من سياسة مدروسة تهدف إلى تهيئة البيئة لإعادة تدوير الاستعمار، ولكن هذه المرة بأدوات ناعمة.

بريطانيا، التي قسّمت الجنوب خلال استعمارها لعدن إلى أكثر من 22 كيانًا، لا تزال حاضرة عبر مجلس الأمن والرباعية الدولية وتحالف "الازدهار"، وسياستها ثابتة رغم تغير حكوماتها، فالمصالح الاستراتيجية لا تتغير، لكن مصلحتها الحقيقية في استقرار اليمن الموحد والمنطقة.

إذا كانت الشرعية جادّة في الحسم، فعليها أن تتعامل بندِّيَّة مع بريطانيا، وتضغط لإقناعها بالتخلي عن مشاريع التفتيت، التي لا تفيد أحدًا، ولن تجلب الاستقرار لا لليمن ولا للإقليم.

وهنا يمكن للدكتور ياسين سعيد نعمان، سفير اليمن لدى المملكة المتحدة، بما يمتلك من رصيد ثقافي وسياسي وتاريخي، أن يكون مؤهلًا لحمل هذا الملف والتفاوض عليه بما يحفظ الجمهورية ومصالح اليمن ومحيطه. عقدة اليمن هناك، فهي المشكلة ومنها الحل!

التصريحات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وعضو المجلس العميد طارق صالح تثير الاستغراب؛ ففي الوقت الذي ينتظر فيه اليمنيون قرارًا تاريخيًا لحسم المعركة مع الحوثيين، يخرج الرئيس الذي ما زال يعوِّل هو ومجلسه وحكومته على "تطوير الشراكة الاستراتيجية مع المجتمع الدولي على كافة المحاور من أجل خلق معادلة ردع مشتركة ضد السلوك الإرهابي الحوثي، وإجباره على التسليم بإرادة الشعب اليمني، والشرعية الدولية سلمًا أو حربًا"، في حين أن هذه الضغوط لم ولن تؤتي ثمارها أبدًا!

ويدعو طارق صالح الحوثيين لتسليم صنعاء سلمًا، رغم بُعد قواته عن محيطها! هذه التصريحات أصبحت مادةً للسخرية من قبل الحوثيين، وتُضعف موقف أنصار الشرعية المتطلعين لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.

أما الرؤية المقدمة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي للبرلمان الأوروبي اليوم، وإن بدت مشجعة في ظاهرها، إلا أنها تتطلب تغييرًا حقيقيًا في الأدوات السياسية والعسكرية؛ فلا نصر إلا باستعادة الأرض أولًا، ثم السلاح، ثم المال، وهذه مهمة يمنية في جوهرها، تتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا صادقًا.

المطلوب اليوم هو توحيد الصفوف، وتمكين الدولة في المناطق المحررة، ودمج القوى ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، ومعالجة حقيقية للكانتونات، وتجاوز التشكيلات الموازية المدعومة خارجيًا. كما يجب إعادة تعريف الشراكة مع الإمارات وعُمان عبر حوار صريح مع كلٍّ منهما يحفظ السيادة اليمنية. لا بد من التحرر من مظلة التبعية البريطانية باتفاق وحوار الأطراف والمكونات اليمنية.

أخيرًا، إن وحدة اليمن لا تعني الصدام مع الجيران، بل تعني بناء علاقات قائمة على الندية والتعاون المشترك، في سبيل إقامة دولة اتحادية ديمقراطية، تحترم التعدد، وتحافظ على السيادة.

لا خلاص لليمن، ولا أمن للمنطقة والعالم، إلا بتجاوز منطق الكانتونات والتبعية، والعودة إلى دولة وطنية عادلة وقوية، يشارك فيها كل اليمنيين، وتنفتح على العالم من موقع الندية لا التبعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي