انطاليا… حكمة الدبلوماسية اليمنية في لحظة التباس

د. عبدالغني الريمي
الثلاثاء ، ١٥ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٢٨ صباحاً

في عالمٍ تتشابك فيه الخطابات وتتقاطع فيه المصالح، تبرز أهمية الدبلوماسية كأداة لإيصال المواقف دون تفريط، والحفاظ على العلاقات دون تمييع للثوابت.

وهذا تمامًا ما عبّرت عنه اليمن خلال مشاركتها في قمة أنطاليا، من خلال لقاء وزير الخارجية اليمني الدكتور شائع محسن الزنداني بنظيره العراقي، ضمن السياقات الاعتيادية للعلاقات الثنائية وتفاعلات الدول. لكن ما لم يكن اعتياديًا هو البيان الصادر عن الخارجية العراقية على مواقعها الرسمية عبر الشبكة العنكبوتية، والذي تضمّن إشارات فسّرت لاحقًا على أنها اعتذار يمني، في وقتٍ تشهد فيه الساحة اليمنية إجماعًا على رفض الاعتراف بجماعة الحوثي المصنفة دوليًا ومحليًا كجماعة إرهابية انقلابية وعلى أي دعم تتلقاه من جهات خارجية.

وتقاطع ذلك مع منشور سابق لوزير الإعلام اليمني، عبّر فيه عن قلق وطني صادق تجاه دلالات أي لقاء مع أطراف قد توحي بالاعتراف الضمني بالميليشيات. وقد تم تلقّي ذلك المنشور – على ما يبدو – خارج سياقه الزمني والمؤسساتي، وهو ما أضفى على الموقف اليمني بُعدًا تأويليًا في الإعلام العراقي بعد اللقاء.

ورغم ذلك، استطاعت دبلوماسية وزير الخارجية اليمني أن تستوعب اللحظة وتعيد ضبط التوازن بلغة دقيقة، أكدت على ثوابت اليمن في رفض الاعتراف بأي جماعة انقلابية أو التعاطي مع مشاريع تشرعن واقع الانقسام. وفي الوقت نفسه، حافظت على نبرة ودّية تُراعي مقتضيات العلاقات الثنائية واحترام سيادة الدول، دون الحاجة إلى بيانات نفي أو تصعيد إعلامي.

ومع أن البعض قرأ في بيان بغداد تلميحًا باعتذار يمني، إلا أن المتأمل في الخطاب اليمني يدرك أن ما صدر لم يكن تراجعًا، بل استيعابًا دبلوماسيًا ذكيًا للموقف، عبّرت فيه اليمن عن رؤيتها بلغة سيادية تؤكد أن اليمن لا تعتذر عن ثوابتها، ولا تتهاون في مواجهة الجماعات الإرهابية، أياً كان موقعها أو مسماها.

وفي هذا السياق، حافظت الدولة اليمنية على تماسك خطابها بين الداخل والخارج؛ فوزير الإعلام عبّر عن الهواجس الوطنية بلغة داخلية صريحة، فيما عبّرت وزارة الخارجية عن ذات الموقف بلغة تتسق مع قواعد العمل الدبلوماسي، في تناغم غير معلن، لكنه واضح في ثنايا الأداء السياسي. اخيراً؛ ما حدث في أنطاليا لم يكن أزمة دبلوماسية، بل لحظة التباس أدارها اليمنيون بحكمة، أكدت أن المواقف السيادية لا تُقاس بحجم الضجيج، بل بمدى قدرتها على إيصال الرسائل الواضحة دون أن تقطع الجسور.

ففي السياسة – كما في الحياة – ليس كل ما يُقال يُذاع، وليس كل بيانٍ يعكس الحقيقة كاملة. وما لا يُقال… أحيانًا أبلغ مما يُقال.

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي