اتسعت دائرة الصراع اليمنية بفعل إجرام هوامير الداخل، تمددت خيوط الأطماع الإقليمية والدولية في اليمن لاستراتيجيته موقعًا جغرافية وثروات، لأنهم وجدوها كالتركة والأرض التي لم تجد من يحميها ويحمي مواردها من وحوش الأرض وحفظها من الهدر والضياع
..
وعلى إثر ذلك تصاعدت نداءات حضرموت التي تعتبر وأبناءها الشامةَ البيضاء في جبين اليمن كونها السفير الذي مثل اليمن في مشارق الأرض ومغاربها إسلامًا وعروبة وقيم، ورسمتها كأجمل صورة وخلدها في الذاكرة الذهنية عند كل تلك الشعوب..
وبرغم تميزها إلا أنها ارتضت اللحاق بمشروع اليمن الديموقراطية بعد استقلال الجنوب وبمشروع الوحدة بعد تحققها في العام 1990م ألأنها آمنت وتؤمن بمشروع اليمن التاريخي الكبير، أصبحت ضحية سلميتها ومدنيتها وميلها إلى شروط الأمن والاستقرار، احتسب البعض ذلك ضعفًا منها وشُبِهَ لهم وجوب تبعيتها وانقيادها الدائم لهم دون شروط
..
تمتلك حضرموت كل مقومات بناء الدولة المتعددة، وبمقدورها أن تصبح إما نموذجًا لتطبيق نظام الأقاليم في دولة اليمن الاتحادية "فدرالية" أو تبني لها دولة في ظل نموذج كونفدرالي يحقق طموح أبناءها بعيدًا عن مسارات الصراعات التاريخية المزمنة لدى سكان جبالهم والهضاب، التي لم تجن اليمن منهم إلا الهون والتشضي والخراب المستدام
..
ألا يحق لحضرموت أن تصنع لليمن نموذجًا لنظام الحكم المحلي في إقليمها كما أشار الدكتور رشاد العليمي أثناء زيارته لها وقال بالحرف "أن حضرموت ستدير نفسها إدارة كاملة ماليًا وإداريًا وأمنيًا من قبل السلطة المحلية وهي القاطرة والقائد لهذه التجربة التي ستعمم إذا ما نجحت على باقي المحافظات لما تتمتع به حضرموت وأبناءها من خصائص ليست متوفرة عند كثير من المحافظات"
نعم وتقديم تجربتها كهدية يحتذى بها في ربوع اليمن، ألا يحق لها أن تنفك من رباق التبعية المقيتة لصُناع الفوضى، وتكسر أول حلقة من حلقات القيد المضروب على أيادي باقي أقاليم اليمن؟ اليمن الغني بثرواته وبقدرات أبنائه الذين اينما ذهبوا حلوا أفادوا وشاركوا ببراعة علمية خيرية واجتماعية وأبهروا الأخرين، آخرها نموذج الجالية اليمنية في أمريكا التي فرضت على ترامب تعيين أحد اليمنيين كسفير يمثل أمريكا في الكويت بفعلها،،ونجاحها..
بحت حناجر أبناء حضرموت وهي تهتف خائفة على اليمن، جَمَّلها وأجملها الرمز الوطني الحضرمي الشريف محمد باسندوة في ندائه ودموعه تنهمر يبكي قبل السقوط وقال هي " صرخة أُطلقها في واد إن ذهبت اليوم مع الريح لقد تذهب غداً بالأوتاد" صُمَّت الآذان ولم يسمعه أحد ولم يعر حرقة دموعه يومها أحد، وفعلاً ذهبت صرخته مع الريخ كما ذهبت أصوات كل الحضارم المنادية بإقامة نظام عادل يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة الحقيقية في السلطة والثروة بين الجميع وفعلاً ذهب الكل مع الريح..
لقد انتهى عهد الغلبة والقوة والطغيان الثقافي السلالي والمناطقي، وحل محله عهد حضور المصالح المشتركة والتحالفات الداخلية والخارجية، وإذا ما استمرت قوى الشر والطغيان بعدوانها وشرها ستجر اليمن في نهاياتها إلى إقامة كنتونات اجتماعية وسياسية صغيرة.. ولن تبخل قوى إضعاف الشعوب بدعمها، وإجهاض مشروع الدولة اليمنية الجامع الذي تبلور في مخرجات الحوار الوطني الشامل، وأسس لنظام الأقاليم وأعطى كل ذي حق حقه دون تمييز على أساس..
ومن ثم لابد من تجاوز مفهوم ضرورة انقياد جزء من جغرافيا اليمن لجزء طاغي آخر في الشمال أو الجنوب، والإيمان بأن الظروف الموضوعية والمعادلات السياسية والاجتماعية والتباهي بامتلاك عوامل الشجاعة القوة قد تغيرت، غيرتها الأحداث الأخيرة وأثبتت بأن القوة ليست فرض بيد المتسلط المجرد من لبوس الوطنية الساعي لاستعباد الآخرين وسرقة ثرواتهم وجهودهم إلى ما لا نهاية..
وبدلاً عن ذلك لابد من صناعة النماذج السياسية الإدارية والإنسانية الحية والنافعة لليمنيين، وإعادة رسم الصورة اليمنة الحضارية المشرقة ونفض الغبار الذي ران على وجهها بفعل إجرام شياطين الحرب وعشق التسلط ومصادرة حقوق الأخرين دون وازع ديني أو صحوة ضمير..
ومن حق الحضارم كما هو من حق كل يمني أن يطالب ويسعى إلى نيل حقه المشروع في الحياة والاستفادة من الثروة واحترام ذاته الإنسانية والكفر بدعوة "حقنا وحدنا" ومبدأ هي لمن تغلب والحكم "فينا بصك من الله دون سوانا"، وضرورة تجاوز استغلال الدين والمنابر وفتاوى التكفير وعدم اتخاذها مطايا تيسر الوصول إلى السلطة إلى رحيق المصارف والمداخل المالية، وإلى أكل أكباد الضأن بعد كسر قرونها، والسعي إلى سحب منابع الثروات وتوريد عائداتها إلى حسابات خاصة بعد العبث بها..
أمن العدل أن تُضاء العواصم بالكهرباء طيلة العقود السابقة من محطات كهرباء غاز مأرب وهي تعاني وحشة الظلام؟، وتوزع عائدات نفطها وأهلها يعانون أنواع الفقر والحرمان؟ وعلى ذلك فقس، أمن العدل أن تقع عيون الطامعين على ثروات حضرموت شبوه والمهرة مأرب والجوف للسيطرة عليها لتبديدها في غياب تام لمتطلبات المواطن من تنمية تعليم صحة كهربا مياه وغيرها من ضرورات الحياة؟
أمن العدل أن تنهب تهامة الحديدة أرضها ميناءها ثرواتها؟ وأبناءها الفالح منهم يعمل كحارس لدى مزرعة نافذ أو عسكري مرور في جهنم أحد الشوارع الحارة، أمن العدل أن تذهب جمارك وضرائب وواجبات محافظة لتصب في جيوب أصحاب مشاريع قروية سلالية طائفية تعيش في أبراج زجاجية عالية لا تأبه لموتى الفاقة على الأرصفة، والمرضى في بيوتهم دون دواء؟..
-->