ربى الإسلام منتسبيه، وشرع لهم رفض الظلم والطغيان، وعدم الاستسلام له في كل حال. ورفض الظلم هنا تعليم لعزة النفس، وعدم الخنوع والركوع الذي يودي بالإنسان إلى العبودية الشاملة، والعبودية الشاملة تورث الذل والتخلف في المجتمعات، وعدم القدرة على النهوض بها.
وقد أعطى الشارع الحكيم للإنسان الذي بغي عليه سلطاناً، ومقاماً هو مقام صاحب الحق الذي لا يتنازل عنه إلا بغير انكسار، ورد اعتبار، وتراضي الأطراف المختلفة، وبما لا ينتج عنه تسلطاً مستقبلياً أو إذلالاً مجتمعياً.
قال تعالى، عن هذا الأمر: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}الشورى39، تربية المسلم على رفض الطغيان والبغي وصد العدوان، وعدم القبول بالضيم.
فرفع الشرع عنه الحرج، وعدم ترتب أية عقوبات على مسعاه للانتصار على ظلمه، بل شجعهم وحثهم على السعي للانتصار على الظلم والطغيان، وهي خلاصة الرسالات السماوية وتبليغ المرسلين بها.
قال تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}الشورى41، بل الأولى بالإثم والإدانة هم السعاة بالظلم والطغيان، والذين يجب ردعهم عن ظلمهم وطغيانهم، وإيقافهم عند حدهم في الدنيا وتحقيق الوعيد والعذاب لهم في الآخرة. قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}الشورى42
كما جعل الله للإنسان المظلوم سلطاناً وحقاً تشريعياً ودافعاً معنوياً وواقعاً حسياً في امتلاك قراره، والاقتصاص من الظالم الباغي، وعدم إكراره أو إحراجه على التنازل عن قضيته إلا عن طيب نفس، وجبر خاطر {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}الإسراء33
قد يخرج الإنسان المظلوم بكلام فيه إساءة، وخارج عن المألوف، وقد يكون في ساعة الغضب بعيداً عن اللياقة المطلوبة، ومع ذلك رفع الله عنه الحرج في هذا الموطن، وعدم مؤاخذته بما يقول، كما قال تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً}النساء148
أمام رد العدوان، تسقط كثير من المعايير والضوابط التي حددها الشارع للإنسان المسلم، وتستنفر المجتمعات، وتستنهض الطاقات، وتحرك كافة الإمكانات، ومن ذلك أسقط الشرع حرمة القتال في الشهر الحرام في حالة الاعتداء، والتعامل بالمثل،
كما قال تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}البقرة194 فلا يترك المسلم عرضة للذبح في الوقت الذي يراعي فيه بعض الضوابط؛ فقيمة الإنسان وحياته ودمه وكرامته، هي عند الله أعلى من الشهر الحرام نفسه.
هي المعاملة بالمثل إذاً، مع فارق الغاية والنية السليمة؛ ردع العدوان ليستقيم الاعوجاج، وليس لغاية الثأر ومجرد الانتصار وإشباع غريزة الانتقام.
كان هذا الأمر في إطار الرد وليس الطلب، أما في إطار الطلب والمبادرة فقد شرع الله سبحانه وتعالى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود الضوابط المعروفة؛ الدعوة إلى الخير، ضبط اعوجاج المجتمعات، الأخذ على يد الظالم، الانتصار للحق، عدم إلحاق الضرر بالآخرين وبالمجتمعات، عدم ترتيب منكر أكبر من المنكر الذي سيتم إنكاره، نية الصلاح والإصلاح، قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}آل عمران104
لقد رأينا في مجتمعنا اليمني نتائج وعواقب الرضوخ للبغي والظلم، وعدم رفضه، وعدم الانتفاضة عليه، كيف أن مليشيا الإرهاب الحوثي الإيرانية تسلطت على المجتمع، وكيف تسعى كل يوم لإذلاله واستعباده، وخلق الطبقات فيه، ونهب أمواله، وقتل الناس في الشوارع دون اكتراث.
-->