الصوفية الرافعة الثانية للهاشمية والتشيع(الحلقة الرابعة)

توفيق السامعي
الاربعاء ، ٠٩ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٤٨ مساءً

 

والصوفية على قسمين:

القسم الهاشمي: لهم اعتقاد قريب من اعتقاد الإماميين في اليمن، في أمور كثيرة، وإن كانوا سنة، كتعظيم الهاشمية وعلي وبنيه ونهجهم باعتبارهم قرابة النبي و(آله)، كما هو مغلوط، وسب يزيد والنيل من معاوية والأمويين بشكل عام، ويتعاطفون مع الإماميين، والإماميون يتعاطفون معهم، ولا يجدون مواجهة ولا تضييقاً من قبل الإماميين.

 

أما القسم الثاني: وهم الصوفية اليمنيون، من غير الهاشميين، وهؤلاء كان الأئمة يضيقون عليهم، وتحدث بينهم مواجهات واعتداءات وتنكيل من قبل الإمامة، كحال العلاقة بين الإمام صلاح الدين محمد بن علي (حكمه 773 – 793هـ) مع الفقيه الصوفي أحمد بن زيد بن عطية الشاوري. 

 

وكان هذا يقبح الإمام، وصنف كتاباً يحذر فيه من البدعة، فقصده الإمام المذكور إلى بلاده في عسكر كثير وهجموا على بيت الفقيه وقتلوه هو وولده أبو بكر وجماعة من أهله وأصحابه من غير قتال منهم ظلماً وعدواناً وذلك سنة 793هـ.

 

وكان هذا التصرف مصدر تذمر كبير من الصوفية بمن فيهم العلامة الكبير إسماعيل بن أبي بكر المقري المتوفي سنة 837هـ الذي قال قصيدة في الإمام:

أراني الله رأسكَ ياصلاح *** تداوله الأسنةُ والرماحُ

 

وقد طلعت وأنت بها صريع *** تقاسمك الأسنة والصِّفاحُ

 

لقد أطفأت للإسلام نوراً *** يضيءُ العلمُ منه والصلاح

 

فتَكْتَ بأولياء الله بغياً *** وعدواناً ولج بك الجناحُ 

...إلخ القصيدة

 

فما كان من هذا الإمام إلا أن هلك بعد هذه الحادثة بسبب ظلم ما قام به.

قال المؤلف: "اتصل العلم أن الإمام لما ارتفع عن بلد الشاوريين ، وأراد التقدم إلى بلده، سقطت به البغلة التي هو عليها، وحصل عليه شيء عظيم أفتك وركه وانكسر كعبه، وما دخل به إلى ذمار إلا في محمل، ووقف مدة في شر ما يكون ثم مات، وكان ذلك في شعبان سنة 793هـ". 

 

كذلك قام الإمام شرف الدين بمواجهة بعض الصوفية وقتلهم في أكثر من حادثة، يخيرهم بين ترك الصوفية أو الحكم عليهم حكم المرتدين ومن ثم قتلهم.

 

فقد كان الإمام شرف الدين يرسخ في ذهنه أن هؤلاء الصوفية يدخلون في النصب بالإيماء إليه أو بالتلويح كقول بعضهم أن آل النبي إنما هم من كان أتباعه، فما كان منه إلا أن تصدى لهم وعقد معهم أولاً المناظرات ثم أودع بعضهم السجن والبعض قتله. 

وكذلك إحراق الأئمة لبعض كتب الصوفية كحرق المتوكل إسماعيل لكتب ابن عربي.

 

وأيضاً فقد كان الفقيه سعيد بن صالح بن ياسين الهتاري العنسي الدنوي، صاحب الدنوة في إب، معارضاً لحكم وطغيان الأئمة، بسبب أنهم كانوا يبيحون ويهدرون إب وتعز وعدن واليمن الأسفل عموماً وريمة أرضاً وإنساناً للقبائل المناصرة للإمامة وقطع الطريق، من قبائل بكيل من "ذو محمد" و"ذو حسين" وبقية قبائل الجوف ومن قبائل حاشد وغيرهم. 

 

قام الفقيه سعيد بن صالح العنسي للتصدي لتلك الهمجية، فاجتمع الناس حوله من اليمن الأسفل ككل والمناطق الوسطى حتى قال المؤرخون إن اليمن الأسفل كله من عدن وحتى سمارة شمالاً وحتى زبيد غرباً دان للفقيه سعيد، واجتمعوا تحت رايته، وكونوا الجيوش المحاربة للتصدي للإمامة، وكانت أول ثورة وانتفاضة سنية كبرى ضد الإمامة منذ إسقاطهم الدولة الطاهرية، إلا أن الإمام الهادي محمد بن المتوكل استطاع التغلب عليه وعلى ثورته بسبب خيانة من تلك القبائل البكيلية التي راسلت الإمام سراً، ونخروا جيش الفقيه من الداخل، وغدروا به، وقبضوا على الفقيه سعيد وأسلموه للإمام الذي ضرب عنقه على الفور.

 

ثم قام عسكر الهادي بنهب قريته الدنوة وأغاروا على كل ما فيها سلباً ونهباً، رغم أن الثورة ما قامت عليه إلا لذات السبب. قال الكبسي في تاريخه: "غنم عسكر الهادي جميع ما في هذه البلدة، وهو شيء خطير ومغنم كثير يجل عن الوصف ويفوت".( )

وكذل مضايقة الإمامين يحيى وابنه أحمد حميد الدين لبني حسان في تعز، وهدمه ضريح بن علوان وأضرحة وقباب بعض المتصوفة في تهامة.

على أن هذا العداء وهو الوجه الآخر للأئمة تجاه الصوفية لم يكن بدافع تصحيح العقيدة وغيرة على الدين بل تخوفاً من المنافسة السياسية والروحية.

 

فقد تنافس الفريقان في استمالة الناس عن طريق التأثير الروحي وبعض الزعامات الدينية، وإلا فما هناك عداوة. وقد رأينا بعض الأئمة المعتدلين الذين لا هم لهم في النفوذ السياسي يتساهلون مع الصوفية، بل نجد منهم من لم يكتف بهذا كما هو الحال مع الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة المتوفي سنة 749هـ الذي كان يردد الثناء على الصوفية.. 

فألف مؤلفاً حافلاً في التصوف، يعتبر من أهم ما تركه أهل اليمن في هذا الباب من حيث التقسيم وسلامة التعبير، بل إنه يدخل من ضمن الكتب النادرة التي تناولت سلوك المجتمع على مستوى شامل، وعالجت مسألة سياسة الأفراد الخاصة والعامة.

هذا الكتاب يسمى (تصفية القلوب عن درن الأوزار والذنوب).

 

ومن هذه المنافسة الروحية التاريخية التي خاف منها الإمامان يحيى وابنه أحمد من بني حسان في تعز، فالطاغية الظالم ساءه فرار عبدالله، فما كان منه إلا أن أخذ والده محمد بن حسان بدلاً منه حتى يأتيه بابنه، واقتاده بالسلاسل والحديد إلى سجيناً ورهينة ومعتقلاً سياسياً بعد ذلك في سجن حجة.

 

ثمة سبب آخر لاعتقال هذا الشيخ الطاعن في السن الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً، وهو أن الرجل ذو صلاح وتقوى، وقد كان بعض الناس والعوام يعتقدون صلاحه وأن له كرامات، وبدأ الناس يتحلقون حوله، وهذا ما يخيف أي حاكم طاغية خفيف العقل، "ومع ذلك فقد زج به في السجن ونفي إلي حجة بعيدًا عن رعاية أهله الذين يحتاج إلي رعايتهم وقد توفي بعد أشهر في سجنه ودفن في حجة. ولم يكن له شأن بالسياسة وإنما كان معتقدًا في منطقة لواء تعز كولي له كرامات ويأتي الناس لزيارته وطلب دعواته من سائر المناطق، وكان هذا يجعل منه في نظر ولي العهد منافسًا خطيرًا". 

 

ولكن للأسف الشديد أن في العهد الجديد للإمامة وهي الحوثية اليوم، لم يتذكر بنو حسان ذلك الظلم الذي وقع عليهم من الإماميين سابقاً، وعلى الرغم من أنهم أسرة يمنية صوفية بامتياز إلا أنهم مع الانقلاب الحوثي على الدولة وغزو الحوثية لتعز سارع بنو حسان لإعلان الولاء للحوثية ومناصرتها، وادعاء النسب الهاشمي، وناصروا الحوثية من باب النسب الهاشمي، وهي المعضلة والجريمة التي وقع فيها كثير من الأسر الصوفية في تعز؛ كبني الصوفي والقرشي في شرعب، وبني حسان في منطقة الصراهم من جبل حبشي، وبعض بني الأهدل والجلال وبني السروري كذلك في جبل حبشي، حتى أنهم وللأسف الشديد صاهروهم وأكثروا من هذه المصاهرة، وكذلك بني المساوى في العدين، وبني البحر في ماوية، وبعض أسر الأحكوم وبني السقاف والنهاري في محافظتي تعز والحديدة، وغيرهم كثير.

 

أما في الجنوب والشرق فعلى الرغم من أن الأسر الصوفية فيها كثيرة وتدعي الهاشمية، غير أن الإمامة الجديدة الحوثية لم تصلها بعد، وربما كان هناك تنسيق وتواصل خفي، يمثلهم (حبايب) حضرموت، وكذلك آل الجفري منهم، غير أن من بني السقاف والجفري وعيدروس والجيلاني وغيرهم في تهامة والجنوب كالضالع وعدن ولحج وغيرها لهم صلات وتواصلات، وبعضهم قيادات عسكرية تعمل مع الحوثية، ناهيك عن الأذرع الناعمة في منظمات المجتمع المدني التي تزين كل قبيح في هذه المليشيا الحوثية الإرهابية الطائفية. ناهيك عن بعض الأحزاب التي تدعمها من تحت الطاولة وتقسم نفسها أقساماً بين الشرعية والحوثية والانتقالي وغيرها من المكونات.

 

إن هاشمية اليوم هي أشد خطراً من هاشمية الأمس بمئات المرات؛ ذلك أن هاشمية الأمس اقتصرت على أسر بعينها، اختلف معها بعض الأسر الهاشمية الأخرى، وكلها من منطقة محددة كان يسميها اليمنيون (الزيود) على أساس من المذهب الزيدي والتكتل القبلي الزيدي، وكانت تجد مقاومة شرسة من كل القبائل والأسر اليمنية، بما فيها هاشمية اليمن الأسفل، غير أن خطر هاشمية اليوم هي في هذا التكتل العرقي والتصاق الصوفية بها ومناصرتها حتى في مناطق السنة التي تعد عمق السنة اليمنية التي قاومت الفكر الإمامي الشيعي بمختلف فرقه وفروعه.

......يتبع

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي