مازالت النخب السياسية اليمنية ، وحتى اللحظة الراهنة ، ومع كل الإخفاقات والفشل ، الذي أوصلت اليمن إليه ، تمارس تدليسا واستغفالا وانتهازية وتلبيسا للمواقف بثياب الوطنية ، ما إن تتوالى الأحداث وتتكشف خيوطها ، سرعان ما يكشف القناع عن الوجه الآخر ، لتلك الأوكسترا الوطنية ، التي صدعت رؤوس الجماهير بها ، ويزاح القناع عن الوجه الخفي من المصالح الشخصية أو الفئوية والمناطقية .
لا يستقيم النضال الوطني للنخب اليمنية ، وغياب المصداقية والشفافية والوضوح ، مع رفقاء النضال الوطني ، كما أنه لا يمكن لأي يمني يقدم نفسه ثائرا من أجل العدالة السياسية والاجتماعية ، متبنيا قصة الكفاح للقضاء على التمييز بكافة أشكاله وألوانه ، وهو في ذات الوقت يمارسه بصور وتخريجات شتى .
تكتفي كثير من النخب بما حققته من مكاسب سلطوية أو عوائد مالية ، ضاربة عرض الحائط بقضية مهمة وجوهرية ، لا تأخذها في الحسبان ، رغم حساسيتها وضريبتها الكبيرة ، التي ستعمل مستقبلا على تفاديها ، دون جدوى ، تتمثل في فقدانها ثقة الجماهير بتوجهاتها الوطنية المزعومة ، والتي تتكشف في اختبارات السلطة والنفوذ وما يتبعها من عوائد .
تمارس النخب اليمنية السياسية والتقافية والفكرية مغالطات ، تبدو في نظرها ، أنها في نظر غالبية الشعب اليمني أنها منطقية ، لكن يغيب عنها أن الشعب اليمني يدرك ويعي ، أنها ليست سوى ضرب من ضروب التذاكي ، الكاشف لمحاولات تلك النخب تمرير أهدافها ، التي تتقاطع مع كثير من الشعارات واللافتات المرفوعة ، والتي ليست سوى حصان طروادة ، الذي تجيد كثير من النخب ركوبه ، خصوصا عندما يكن الأمر متعلقا بمضمار السباق في البورصة السياسية أو الاقتصادية ، كعملة واحدة في سوق المتاجرة بحماس الجماهير ومطالبها .
تكاد تنفرد النخب اليمنية بشكل عام قديمها وجديدها ، بنزوع قياداتها أو بعضها ، نحو تخليق كانتونات أو لوبيات من المصالح والارتباطات البينية ، يتهيأ لها أنها تمنحها أرضا صلبة للبقاء ، وحصانة لمواقعها لفترة أطول ، وقدرة افضل ؛ لتوجيه دفة القيادة والتحكم بها ، وفق توجهاتها الشخصية ، أو على الأقل ضمان السير طبقا لمحدداتها الفكرية أو السياسية أو الجغرافية ، بينما هي تأكل من رصيدها النضالي المزعوم ، الذي عملت جاهدة على إقناع الآخرين به .
إن أسوأ ما ارتكبته ، وترتكبه النخب اليمنية ، ليس عجزها أو فشلها في الايفاء بشطحاتها السياسية أو الاقتصادية ، بقدر ما تمارسه من انتهازية ونفاق وتدليس نضالي مخادع ، يخاطب عواطف الناس ويدغدغ مشاعرهم الوطنية الجياشة ، ورغبتهم في التغيير ، وطرق مسالك سياسية جديدة ، يظنون من خلالها أنها قد تخرجهم من التكلس والجمود ، الذي تربعت عليه نخب ، سئم الناس منها ، كونها شاخت ، واستهلكت في صراعات كانت هي أحد أهم أسبابها .
المشهد اليمني يعاني من ازدحام نضالي ، وكثافة وطنية مزعومة ، تمثل عنوانا لكل أنواع المخاتلة ، وممارسة أسوأ أنواع استغلال العزف على أوتار الانسداد السياسي ، أو سأم الجماهير من النخب المعتقة ، ورغبتها في إحداث ثقوب في جدارها المتصلب ، نحو فتح منافذ لجيل جديد ، يسدل الستار على التنظير الممجوج بالتشدق بالألفاظ الوطنية البراقة ، التي مل اليمنيون سماعها ، من نخب ظلت ومازالت تصدح صباح مساء بالنضال والثورة ومبادئ الوطنية ، بينما هي تنخر في جسد اليمن ، انفصاما وطنيا حتى الثمالة .
سيظل اليمن معلولا ، طالما ظل متخما بنخب وقوى سياسية واجتماعية وثقافية ، تعاني من انفصام شاسع بين التنظير والسلوك ، أجادت التوزيع ، ولعب الأدوار بين السلطة والمعارضة ، بينما لم تجد تقديم نماذج بناءة في تقديم حلول لمشكلات المجتمع اليمني الاقتصادية والتنموية ، زادت من استمرار الصراعات ، وتوفير أدواتها ، وضياع الطاقات وقدرات الأجيال المتعاقبة ، في معارك ظن اليمنيون أنها من أجلهم ، بينما هي من أجل مصالح نخب أجادت وتجيد تقديم نفسها كحارس أمين على اليمن والقيم الوطنية الجامعة .
يتطلع اليمنيون لنخب لا تتكسب من آلامه وأوجاعه ، ولا تتاجر بها ، تقوده لنهضة حقيقة شاملة ترسي دائم الاستقرار والتقدم ، لا نخب تزداد ثراء ، كلما زاد اليمنيون فقرا ، وتحصد مغانما سلطوية ، كلما عجت اليمن بمزيد من القلاقل والفوضى والاضطرابات .
-->