إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاربعاء ، ٢٢ فبراير ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٠٢ صباحاً

 

في المانيا يوجد 18 مليون و 6 الف عمارة سكن، فيهن 41 مليون و 221 الف شقة، يندفع ايجار شهري من  35مليون و 350 الف مستاجر و4 مليون و470 الف شقة تمليك والباقي فاضي. طبعا هذه احصائيات العمائر وليس البيوت امر طبيعي تعرفه الدولة. طلع قانون من 2013 يفرض رسوم على التلفزيونات في كل شقة وبيت،  وهذا الامر سوف يضخ 8 مليار و 400 مليون يورو سنويا لا يمكن ان تغالطهم في 10 يورو لانهم يعرفون من الذي لم يدفع وتظل مسجلة على ذلك المكان الشاغر، وهذا بند بسيط جدا في التخطيط عند الدولة على دقة الارقام. 

في بند الضرائب الحكومة الاتحادية تجمع  218 مليار يورو، والولايات 267 مليار والمدن الصغيرة 91 مليار وغير ذلك. لذا وصل رقم الضرائب في خزانة الدولة الى 671 مليار و 7 مائة مليون يورو في عام  2015 ، وفي 2021 كانت 833 مليار، وفي 2022 ارتفعت الى 887 مليار يورو، وهذه السنة سوف تتجاوز حاجز 937 مليار يورو، ولذا كل رقم نعرف مصدره ونعتبره قيمة مطلقة في التخطيط، ويتم بناء كل مشاريع وخطط الدول على كل رقم وبدقة -مثل المكينة مفاصل وتروس لها وهي الارقام-, لذا فهم يستطعون ان يضمنوا كمية الارقام في بند الضرائب الى عام 2030 باسقاطات احصائية لاتحتوي حتى على واحد في المائة خطأ فذلك مسلمة وليس انجاز في التخطيط عند الدولة.

 حتى عدد السيارات، والتي بلغ عددهن اكثر من 53 مليون سيارة يعرفوها في الدولة وبالتفصيل وعدد الاطباء والمهندسين والعاطلين وغير ذلك، و عدد المطاعم والبقالات وعدد الصيدلايات والمخازن وعدد المسافرين في القطارات يوميا وغيره،  ويعرفون عدد ايام المرض وسن من مرض وغياب الاطفال وغير ذلك، واستهلاك الناس من الجبن واللحوم في شهر مايو او اي شهر، ويعرفون التوجه العام ونسب القلق والمخالفات والحوادث واسبابها، ويعرفون مستوى الطلاب وعدد ايام المرض لموظفين القطاعات المختلفة، وحتى عدد  الكلاب يعرفون كم عددها بالدقة، وعلى سبيل ذلك عدد البيوت، التي فيها كلب واحد 7 مليون و 890 الف بيت و عدد البيوت، التي فيها اكثر من 3 كلاب بلغ مليون و 180 الف بيت وهكذا. 

و حتى الشجر والزهور لم يسيبوها، فالدولة تعرف عدد الغابات وانواع الشجر والزهور والحيونات ونسب التوزيع وعدد الموظفين في العناية بالغابات، لدرجة ان عدد عمال الغابات يوزي عدد عمال مصانع السيارات في المانيا، اي 700  الف عامل وعدد العمال المربوطين بصناعة مُنتجات  الخشب مليون و 200 الف شخص، يعرفون حجم الاقتصاد من الشجر، والذي بلغ كايرادات 170 مليار يورو سنويا، ويعرفون كمية القمامة من كل عمارة  وكيفية التدوير، وحجم انواع القمامة كمواد خام ، وكمية استهلاك الغاز والبترول، وحتى استهلاك الماء، وحتى كمية المطر على سطح كل بيت كون مرتبط بدفع مبلغ على الكمية.

 وقبل كم شهر كنت بلقاء مع وزارة البيئة وعرفت انهم لايعرفون فقط عدد الشجر في برلين وانما انواعها وعمرها وتوزيعها وحتى موقعها وكمية الظل للعمائر التي بجانب الشجر، ولديهم قواعد بيانات مفصلة لذلك، وكان الحديث كيف نجعل الشجر تستفيد من منظومة الذكاء الاصطناعي في تحديد احتياجها للماء والقائمة طويلة لا تنتهي عنما تعرفه الدولة هنا. لذا هذه نسميها دولة.   وهناك حكاية غريبة على دقة البيانات في الثقافة الالمانية واهمية ذلك، وهو في 1939 كانت المانيا تراهن على غواصتها كثيرا. لذا فالقوات النازية من باب الاستعداد قامت بتكليف مجموعة من الاشخاص في الفترة من عام 1938 الى 1940 بقياس قاع المحيط الاطلسي وبحر الشمال وغيره. الشغل لتلك المجموعة كان ممل على مايقارب من 3 سنوات، لاسيما وهم كلما قطعوا مسافة بسيطة في البحر عليهم ان يأخذوا الاحداثيات ويقومون بقياس العمق في عدة نقط و بدقة وان يسجلوا تلك النقط في جداول. لو كانوا مثل وزراء اليمن كانوا قالوا "ياعم هو هتلر حيجي يقيس ورانا النقط" خلينا نمشع ارقام من راسنا، ونفتهن، ونكمل الجداول في الليل من رأسنا بدل التعب في النهار.

المهم ظلوا على هذا الحال الى ان كملوا المحيط الاطلسي، وعندما احضروا الجداول الى الجهة المسؤولة، ارادوا ان يرسموا خريطة بموجب تلك القيم . ورسموا القياسات في خريطة على اساس انها للغواصات وهنا كانت المفاجأة فقد اكتشفوا حسب دقة القيم من الجداول سلسلة المرتفعات المغمورة الممتدة في وسط قاع المحيط الأطلسي بين الشمال والجنوب بموازاة ساحليه الشرقي والغربي. وقد أطلق عليها "حيد منتصف الأطلسي" . ثم وجد أن في منتصف هذا الحيد أخدود ممتد على طول امتداده.  هذه الخريطة كانت لعلماء الارض اهم حدث من عام 1922 عندما نشر العالم الألماني فجنر نظرية "زحزحة القارات" ودليل لما كانوا يبحثون عنه لاسيما وقد تعددت التخمينات والتي ظهرت على شكل فرضيات و نظريات تشرح كيفية تكوّن السلاسل الجبلية، وتوزع اليابس والماء الى ذلك الوقت. ولم يأت عام 1960 بعد هذه الخريطة إلا وفكرة الصفائح التكتونية قد اكتمل هيكلها ورسخت في الفكر العلمي وشكلت منذ الستينيات من القرن الماضي ثورة في الفكر العلمي لعلماء الأرض، والتي قدمت أساساً لفهم أفضل لشكل سطح الأرض ومظاهره التضاريسية الكبرى والزلازل. والفضل في ذلك يرجع الى دقة الارقام وإتقان العمل والاخلاص خلال مايقارب من 3 سنوات لعمال لم يفهموا ماذا تعني نظرية زحزحة القارات او نظرية تيارات الحرارة الصاعدة في وشاح الأرض لكنهم تعلموا بسلوكهم عدم مشع الارقام ومراقبة الذات وبعملهم استطاع العلماء ايجاد الدليل والاجابة عن اسئلة كثيرة مثل، لماذا يتكرر حدوث الزلازل وتثور البراكين في مناطق محددة من العالم؟ او كيف، ولماذا تشكلت سلاسل الجبال العظمى مثل الهملايا بارتفاعاتها الشاهقة؟ ولماذا سطح الأرض عديم الاستقرار؟واخيراً كيف أخذت القارات والمحيطات مواقعها و أشكالها الحالية.

 اما نحن  في دولة اليمن يتحدث الوزير عن ارقام في وزارته ومجاله ان نظرت لها تجدها غير صحيحة. وتتحدث الحكومة عن ارقام ايضا ليست صحيحة ولا قريبة منها مما يعني ان الارقام مجرد مشع بعد جلسات القات والعمل والتنفيذ في جهة والارقام في جهة اخرى وانجازتنا تكاد تكن صفر ولاتكون الا مثل ورق اليانصيب او نستجدي مساعدات او وديعة ونعتبر ذلك انجاز. ولذا نحن كدولة ننافس على اخر مكان في قائمة 167 دولة، حيث لايوجد بعدنا بالفشل والتنمية الا 3 دول ونحن اول امة على وجهة الارض، وصرنا افشل دولة ليس في المنطقة وانما في المجرة، والغريبة ان المثقف والصحفي والعالم والمجتمع بدل ان يكونوا سلطة رقابية لسلوك وحديث الدولة حتى تنتهي سياسة اغتصاب الارقام والتخطيط، الا انه من الواضح اننا نعيش سياسة التبرير وثقافة "خينة يقصد شيء ثاني" بالغلط او خينة لم ينتبه ونتعامل مع مصائر البلد واهدار الفرص وفشل التخطيط والمشاريع بثقافة "ان المسؤول اليمني إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد"  ونستغرب بعدها ليش  حالنا دائما من فشل لفشل اكبر.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي