تتسول وهي تحمل طبقاً من ذهب!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاربعاء ، ٠٨ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٠٨:٥١ مساءً

 

الفنانة اروى طلعت تتحدث عن شعور المغترب اليمني، وانه لم يجد بلده بعد، ويبحث عن وطن بديل بمفهوم السرد. وكلامها صحيح فقد دخلت هذه المدينة، وكنت وحيد احسب الايام للعودة لليمن، ولم اتصور انني اغرس خراسنة عميقة فيها لي مع الايام تجعل طريق العودة صعب. عندما دخلت مدينتي هنا لم اجد فيها الا طالب على وشك الرحيل مكمل من ابناء عدن، وهو صديق واخ عزيز له مكانة في نفسي، واليوم هنا ليس اقل من 60 من ابناء اليمن نصفهم اطفال لن يرتبطوا باليمن، كون ينظرون ان المانيا بلدهم. نحن الجيل الوحيد، الذي يؤمن باليمن واصلاحها، ولا اعتقد ان نجد نفس الشغف لاصلاح اليمن من ابنائنا في الاغتراب، كون فكرهم وجذورهم في عالم اخر.

وبرغم ما وصلت اليه، الا انني اجد انني اخفقت، احتمال لاني لم اخطط ان ابقى في الاغتراب كل هذا الوقت. لذا خسرت فرص كثيرة رفضتها، لاني كنت في كل قراراتي كعابر سبيل انظر للعودة لليمن كنهاية المطاف او الرحلة. اليوم اجد اننا كمجتمع يمني مغترب نبتعد مع الوقت اكثر فاكثر عن اليمن كجغرافيا، ومسيرة الاغتراب تتوسع.

اليوم ينتابني قناعة انه سوف يأتي وقت وقريب نقول ان الشمس لاتشرق على بلد، ولا مدينة صغيرة ولا جزيرة في هذا الكوكب لايوجد فيها واحد او جالية من ابناء اليمن. وبرغم ذلك لاتستفيد اليمن منهم، لان المسؤول اليمني بدائي التخطيط، لايمتلك مشروع، ولا مصداقية، ولا حتى قدرات برغم ان اليمن بها شعب مكافح عظيم يبحث عن الحياة، ولقمة العيش، ويدفع عمره لكي يكن شعب منتج، والبلد بها امكانيات، ولازالت ارض واعدة وبها فرص. بلد معها مشاريع قديمة وتنتعش بسبب الجهل اكثر فأكثر فلاتصنع كرامة او منتج غير الوقوف بشكل مستمر نستجدي المساعدات حتى لا نهلك.

هذا الشعب يحتاج مشروع مستقبل لاينظر للماضي له ابعاد متعددة من خدمات، وتنمية، ومعرفة وبناء، ننسى امراضنا، ونتخندق حوله، وسوف ينطلق. الاتراك يمتلكون مشروع او اليونانيون، او اصحاب اوروبا الشرقية، وافريقيا مثل اثيوبيا والهنود وغيرهم. الكل يعمل هنا لكن يجد نفسه عنصر في مشروع بلده، لذا الكل يكدس نتيجة عمله في بلده لانها تنمو وتزدهر. نحن نشاهد عبث وفساد وفوضى، ولانثق بالدولة، ولا قيادات البلد، ولا قدرتها، لانهم لم ينجحون بمؤشر واحد، ولذا نحن في اسفل قائمة التنمية بعدنا 3 دول فقط ننافس على اخر القائمة. الفشل نشاهده امامنا بخطط ومشاريع وشطحات بدائية لاتستمر.

واعطيكم مثال في ال 31 سنة هنا في المانيا لم تقوم السفارة هنا في بناء مشروع بيانات، او مشروع نقل معرفى، او مهارات لليمن، او تجميع كفاءات اليمن لصناعة مشروع يمد اليمن بكل ماتحتاج من خبرة، وكل ما تقوم به فقط تعميد الوثائق والاهتمام فقط بالمسؤولين اثناء العلاج او المشاركة هنا وهناك. السفارات بوابات لنقل المعرفة ولربط المغترب او الاجنبي المستثمر بمشاريع الدولة المختلفة او لنقل افضل تجارب ما عند الاخر للوطن او لتسويق التعاون والشراكة مع الدول.

لايوجد اي مشروع في اي مرفق، وانما تحركنا هنا وهناك كمجتمع وطبقة متعلمة تخبط دون معالم مشروع شامل. كان ممكن مثلا تجمع السفارة شريحة الاطباء هنا، وتقول لهم نحن الدولة، وانتم كفاءات يمنية مهمة استفيدوا وافيدوا بلدكم، ولذا نطرح عليكم مشروع بناء مدينة طبية المانية كقطاع مختلط دولى انتم والبلد والتجار. تبنوا مشروع لكم ينمو ككتتاب، تنقلون لها قدراتكم وعلمكم وبذلك لاداعي لسفر اليمني بعدها للخارج. والمشروع ناجح لاننا الدولة، وانتم ابناء اليمن، والارقام تقول ان مايقارب 290 ألف مريض يمني يغادرون سنويا كان قبل الحرب للعلاج في الخارج و الجوار اي بمعدل 800 شخص يوميا (او حتى نصف هذا العدد 400 ). كل شخص من هذا العدد كان قبل الحرب ينفق كتقدير 4 الف دولار وهذا قليل كتكاليف علاج لاسيما وهناك مرافق مما يعني ان اليمن تنفق مايقارب 1,2 مليار دولار سنويا. نصيب الاسد منها يذهب الى مستشفيات الاردن و مصر والهند، وانتم 1000 طبيب هنا. بمعنى كجدوى اقتصادية جدير بالاهتمام والعمل. ويمكن ان تتحرك السفارات في كل بلد بنفس النهج في المجالات المختلفة، واقل التقدير لو تنجح كل سفارة في الخارج بمشروع واحد استراتيجي فقط كل 4 سنوات لكان معنا عشرات المشاريع، لكن الله غالب لتواجد مسؤول يمني بدائي في العمل وتضيع وقته والتخطيط فيقتل المشاريع لعقود قادمة ويضيع الفرصة ويهدر الوقت برغم انه نقدر نستقطب الكثير اقلها في المناطق البعيدة عن الصراع.

الدول في العالم هدفها بناء استراتيجيات واقعية وايجاد الركائز وصناعة البيئة لتنفيذ ذلك كمشاريع مختلفة تبحث تمويلهم بامكانيتها ودعم المجتمع في الداخل والخارج وتحفيز الكل ان يتحرك. الدول في العالم هدفها تحريك القطاع الخاص والاستقطاب ونقل المعرفة وليس تدمير هذه المفاصل او عدم استيعابها، لذا وجودها في اي مشروع تخفيف فقط -الرزك- اي الاخطار لتحفز المستثمر والمغترب. الدول في العالم هدفها الاستفادة من المغترب وامكانياته لاصلاح وانتشال المجتمع الا عندنا هم يبيعون لنا هدرة -قلي قالك وهات ياهدرة لاتنتهي-، ونحن نصفق بشكل مستمر كذلك. احتمال ذلك ناتج عن ثقافة الدواوين، الكل يتحدث بمشاكل درب التبانة، لكن لاينظر احد الى حاله بمقياس المؤشرات مما يضع مجتمعه في اخر القائمة، وفوق ذلك لا يدرك ان حالنا من سيء الى اسوء، ودائما نقف امام اختيار احتراب او اغتراب، ونخسر الوقت والفرصة والجغرافيا ايضا.

وكما اورد السفير الصيني بمجمل حديثه مع فريقنا حيث قال للاسف انتم في اليمن مثل التي تتسول وهي تحمل طبقاً من ذهب، انتم لا تعرفون قيمة بلدكم، ولكن سوف تاتي دول وتنتهي دول، وتبقى الحضارات العريقة مثل الصين واليمن.

وفعلا نحن مثل التي تتسول وهي تحمل طبقا من ذهب.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي