سوف تتغير مفاهيم فالاسلام ليس ضعيف!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
السبت ، ١٤ مايو ٢٠٢٢ الساعة ٠٧:٢٠ مساءً

الاخت توكل كرمان تحدثت في منشور لها عن أن الاسلام في خطر وأن لا مستقبل له في عالم اليوم، اذا لم يكن كما توصف هي كنصائح شخصية، وانا لا اريد نقاش نصائحها هنا كون العبارة المطلقة  "أن الاسلام في خطر وأن لا مستقبل له في عالم اليوم" هي الاهم وهي خلاصة منشورها. الطرح من الاخت توكل كرمان جعلني اعود للذاكرة، ان في هذه المدينة -في الغرب التي اعيش فيها- من قبل ٣ عقود لم يكن هنا شخص يعرف اتجاه القبلة، وقبل عقدين ونصف لم نستطيع نجمع ١٠ اشخاص للصلاة برغم تواجد الكثير من العرب طلاب ومقيمين وغيرهم منسلخين عن دينهم. لكن ماذا حصل خلال ٣ الى عقدين لتتغير التركيبة الديموغرافية في مدينتي او غيرها في اوروبا او الغرب والشرق ؟ 

ولفهم ذلك نرجع الى الأبحاث في التركيبة الديموغرافية كمؤاشرات، والتي هي معروفة لمن يهتم، وتقول ان معدل التكاثر او معدل الاحلال يجب ان يكون ليس اقل من ٢,١١ حتى يمكن لأي حضارة غربية او شرقية جديدة او قديمة كانت ان تبقى لأكثر من جيل، اي اكثر من ٥٠ سنة. فاذا كان لكل اسرة داخل اي بلد او داخل اي حضارة معدل انجاب اقل من طفلين وربع اي ٢,١١ فأن هذا سيؤدي في المحصلة الى تراجع هذه الحضارة لاسيما وحتى اليوم لم تستطيع اي حضارة الاستمرار تحت هذا المعدل السكاني. فمعدل تكاثر بنسبة ١,٣ يعني النهاية المتوقعة للحضارة لانها سوف تحتاج الى ما يقارب من ١٠٠ سنة لتصحيح نفسها ومعالجة كوارث ذلك لاسيما لا يوجد مثلا أي نظام إقتصادي او نظام اجتماعي يستطيع ان يصمد امام هذه المتغيرات بشكل واضح.

  وحتى تفهمون ما اقصد فأنه عندما ينجب زوجين اي شخصين طفل واحد حسب معدل ١,٣ فإن عدد الأطفال سوف يكون نصف عدد الاباء، واذا استمر الابناء بذلك فان الاطفال في الجيل الثالث يكونوا ربع العدد ايام الاجداد، ويمكن التخيل ان خلال ١٠٠ سنة تكون حلت الكارثة لاسيما و سن الانجاب لا يتحقق الا الى تحت الاربعين من العمر.

ولتوضيح اكثر بارقام خذ ورقة، وقلم رصاص وخط ما اقول، إذا كان هناك مليوني طفل مواليد عام ٢٠٠٠ فانه سوف يكون عندنا بعد ٢٥ سنة فقط مليونين عامل اي اقل من ٤ مليون شخص كما في عهد الاباء بحكم انهم فقط انجبوا طفل واحد، اي كما كان عام ٢٠٠٠. كل واحد منهم مثلاً يتحمل شخصين "الاباء" في نظام الرعاية الاجتماعية بجانب اسرتة وطفله و مجتمعة وقتها، اي مع كل جيل سوف تتضاعف المشاكل. وعندما يتقلص عدد السكان تتقلص ليس الرعاية الاجتماعية والخدمات وانما الاقتصاد. ولا يقف الامر هنا بل ان ذلك ينعكس على الثقافه والمعرفة والتقدم والمنافسة، اي بالمفهوم العام الحضاره. 

 

ولذا ففي الغرب تتحرك الابحاث والبرامج والتسهيلات اليوم لمعالجة ذلك لاسيما ومعدل التكاثر في بريطانيا ١,٦ وفي ايطاليا ١,٢ وفي المانيا ١,٣ وفي اسبانيا ١,١ اي معدل الزياده الطبيعيه للسكان في أوروبا يساوي متوسط ١,٤ مع تحسن طفيف في ال ٥ سنوات الاخيرة، لكن يظل ذلك تحت ١,٥ . ولكي يكون هناك حل لهذه الاشكالية فيقتضي الامر ان كل امرأة اوروبية عاملة او طالبة تضاعف الانتاج ليس الى الضعف، وانما الى ٣ اضعاف، وهذا مستحيل في مجتمع راسمالي عنيف لا ينظر للانسان الا كعنصر منتج لا اكثر.

 

ومن يزور اليوم اوروبا سوف يجد هناك تغيير عن قبل ٤ عقود، اي ان قارة أوروبا، التي يعرفها الجميع كشعوب بيضاء شقراء "فقط" ستختفي كما نعرفها اي سوف تتخالط مع اجناس عدة، اذا ظلت معدلات التكاثر والهجرة كما هي الان. ولكي تفهم ما اقصد فان في فرنسا معدل التكاثر كمعدل الزيادة الطبيعية عند الفرنسيين ١,٨ الان بينما عند العرب او الاجانب كمقارنة هناك ٤ الى ٧ وهكذا. لذلك اوروبا حتى تستمر لابد من الهجرة وليس من اوروبا الشرقية حيث يعانون ايضا من قلة المواليد، وانما من العالم الثالث - العربي والاسلامي او افريقيا او الهند وغيرها - كونهم منجم اطفال وشباب، ولكن بشرط ان يتم التفريخ للثقافة  فيهم ويفضل ترك هويتهم الحضارية وراء البحر. 

 

لذا العقود الماضية سجلت ارتفاعا في أعداد المهاجرين مع خصوبة النساء المهاجرات بمعدل ٣,٤ أطفال وذلك ٣ اضعاف نظيراتهن الاوروبيات بوجود حوافز الرعاية الاجتماعية في اوروبا، الأمر الذي يغير التركيبة السكانية جذريا لصالح المهاجري، خاصة أن أوروبا قارة مسنة، يتجاوز أكثر من ربع سكانها سن الستين. وبناء على ذلك سوف تتغير مفاهيم المهاجرين والشباب المتعلم الواصل الى اوروبا حول اوطانهم وحول عقيدتهم وحول العنف المنتشر في اوطانهم السابقة والافكار اذا نظرنا لشريحة المسلمة، التي لا تتعايش مع بعضها.

 

 سوف تتغير كذلك وجهة نظر الأوروبيين مع الواقع الجديد مما يعني ان أوروبا ستخرج متحولة من مواجهتها مع الإسلام الى التعاطي مع إسلام جديد بنسختها مهما ارتفعت خطابات الرفض والعدأء من احزاب ردكالية الان. وفي هذه المتغيرات هناك احتمال بأن يظهر إسلام اخر قابل للتذويب في الثقافة الغربية بعد ان فشلت ثقافة التعايش والتسامح في المشرق في احداث ثورة اصلاح ديني ومجتمعي ومعرفي وتنموي، والاسباب عديدة داخلية وخارجية سياسية طائفية مذهبية معقدة التركيب لا يتسع المقال الى التعريض اليها. 

 

الاسلام في خطر فقط في المواقع الافتراضية ممكن، لكن في الواقع لا، ولو نظرنا للاسلام في العالم  اليوم بشكل شامل وتكاملي، وقبل ٥٠ سنة، وقبل ٥٠٠ سنة في اطاره الجغرافي او خارجه  كثقافة وشعائر ومظاهر و انتشار، فهو في افضل حال عن قبل ٥٠ سنة او ١٠٠ سنة او الف سنة برغم النكسات، والجماعات الدينية العنيفة، والاسلام السياسي والصراعات .  

 

اعرف ان  كلامي غريب للبعض هنا، لكن خذوا قلم رصاص، وسجلوا ما اطرحه امامك في ميزان مؤاشرات اضافة لما سبق. اليوم الاسلام دخل الى داخل كل بيت في الريف او في الصحراء او المدينة او الجبل  فسبغها بمظاهر اسلامية بشكل واضح، وليس بالضرورة بقيم اسلامية عليا تزرع الفضيلة، انظروا لكل مظاهر المجتمع امامكم سوف تجدوها اليوم مظاهر اسلامية اكثر من قبل حتى في دول لم تكون بذلك الشكل مثل تشاد والسنغال وتركيا، وايران واليمن الجنوبي سابقا وغيرها، خذوا مظاهر بسيطة من امامكم، مثل لن تجدوا امرأة اليوم دون حجاب في اليمن الجنوبي او الشمالي سابقا  مثلا، بينما قبل ٣٠ سنة كان ممكن، ولو نظرنا لمصر وجامعتها وشوارعها والجزائر والمغرب وتونس وتركيا  فمظاهر الاسلام اليوم هناك واضحة اكثر من قبل عقدين او ثلاثة. واذا نظرنا لممارسة الشعائر في الجمع او رمضان او الحج فهناك فيضان من المظاهر الاسلامية، واذا نظرنا للمسلمين في اوروبا  والغرب او الشرق واعداد الجوامع والمدارس فهي قد تضاعفت بشكل هندسي وحتى اعداد من التزم بدينه. 

 

ومثال عندما دخلت انا هنا مدينتي كان العرب يجتمعون بشكل كبير في المراقص او الخمارات،  ولم يوجد شخص يصلي، وكان في بداية التسعينات فقط امرأة واحدة محجبة هنا،  بينما الان العدد تضاعف اكثر من ١٠٠٠ ضعف لمن هو ملتزم،   ولذلك اسباب مختلفة يطول نقاشها،  وصار هناك مظاهر اسلامية واضحة، ومن لم يصلي صار يصلي ويذهب للجامع، ومن كان مركسي صار اسلامي، حتى الاحزاب اليسارية صار طرحها اسلامي. وانظروا الى الاسلام الان في روسيا والبلقان،  وايضا في التعاطي السياسي من الغرف الحاكمة في الغرب، وارسال الرسائل للمسلمين في مناسبتهم برغم ذلك كان غير وارد قبل ٢٠ عام لان المسلم اليوم صار جزء من تركيبات مجتمعات الغرب وبنسب كبيرة. فكيف نتحدث ان الاسلام في خطر وأن لا مستقبل له في عالم اليوم، وهو اكثر دينامكية، وحضور، وتأثير وتجيش من بقية الاديان.

 

ومختصر الامر اليوم الاسلام ليس ضعيف كما يتم تصوير ذلك، لكن لا يمتلك مثالية منا ناجحة ومبهرة تجسده فكرا وسلوكا وفضيلة وعلما بصورة حديثة. في الوقت الراهن الإسلام في مركز قوة كونه ينتصر ديموغرافيا، ولكن في مركز ضعف بسبب ابنائه، لكي ينتصر فكريا امام الراسمالية كنظام مهيمن على البشرية، وهذا يجعل الاجيال الحالية والقادمة غير متحمسة للتوجهات الدينية الاسلامية، وتشك في كل طرح او فكرة او محاولة لتحديث مفاهيمه لاسيما بعد ظهور العنف المبالغ فيه،  وتحت نصوص ومواريث دينية وسلالية متناقضة مبنية على جهل متراكم وفكر ضيق لمفهوم التعايش والانفتاح.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي