تشخيص عشرية الأزمة اليمنية .. وأفكار جديدة لبناء سلام حقيقي في العام 2022 ( 5 )

د. علي العسلي
الأحد ، ٠٩ يناير ٢٠٢٢ الساعة ١١:٢٠ مساءً

ولا زلت اسرد لكم مقارباتي من نقاشي لِعَشْرِيّة الأزمات اليمنية ... فعندما قامت الوحدة واختلف المُتحدّون، كان المبعوث الاممي (الأخضر الابراهيمي) مع الوحدة، بينما مبعوثي ما بعد ثورة 11 فبراير لم يكونوا بالحماس ذاته، وربما انحاز بعضهم كليا للحوثي المنقلب، وبعضهم قد شجع في احاطاته وأشاد باتفاقات تمكنهم، أو قد قابل قادة تشكيلات ذات نفس انتقامي، أو انفصالي وغير شرعية في البلد بحجة الأمر الواقع.. الله ما اتعسه هذا الأمر الوقع؟!   .. لذا.. وجب تنبيه مجلس الأمن بهذا الموضوع، كي يحافظ على روح قراراته عبر مبعوثيه المبعوثين إلى اليمن.  وكانت الأحزاب قبل الوحدة سرّية باستثناء الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب  لوحده، والمؤتمر الشعبي العام الذي كان يحكم الشمال لوحده، فأظهرت الوحدة الأحزاب  للعلن وهذه أحد ثمار الوحدة اليمنية المباركة؛ لكن تلك الاحزاب العتيدة والتقليدية لم  تستطع أن تتكيف بسرعة مع العلنية، فتغير من سياساتها وأساليبها وبرامجها، فأبقت نفسها  حبيسة ماضيها وتخوفها من أي تغيير، أو تحسب له ألف حساب، كالجيش مثلا عندما يتقدم بالجبهات يحسب حساب للعملية التي سينفذها، فإن رأى أنه سيخسر العملية العسكرية او لا تستطيع تأمينها او ستخسر من افراداها أكثر تتراجع وهكذا هي أحزاب اليمن مع التغيير..؛ بينما نرى ذلك العكس تماما مما ينهجه الجيش والأحزاب؛ المنقلب مغامر و "كب" لشعوب كما يقال، جنون دون عقل أو تعقل ،فأحيانا يحقق انجاز، لكن على حساب الآلاف ممن يدفع بهم للجبهات من اليمنين!؛ إن  الأحزاب بعقليتها وتصرفها سالف الذكر، أفرغت ثورة الشباب من محتواها في المطالب والأهداف، والشباب استعانوا بهم وهم يدركون أنهم فاشلون ابتداءً، فهم لم يستطيعوا تعزيز حضورهم قبل ثورة الشباب؛ ولم يستطيعوا الوصول للحكم عبر الصندوق بعد الوحدة، لان الديمقراطية كانت هشة وبسيطة، ولأن المجتمع قد جُبل على القوي، فلم يكسبوه، لانهم ببساطة، لأنهم عاجزون عن تحقيق طموحه وآماله..؛ والاشكال انهم لا يزالون هم في المشهد، وهم من سيقررون مستقبل اليمن والاجيال، غابوا طويلا بسبب الاقصاء، وعندما ظهروا نمو ببطء، لأن مواقفهم من القضايا الوطنية لم تكن فيما كان يؤمل منهم بعد ظهورهم. على الأحزاب إذاً مراجعات كل شيء، ومطلوب تجديد الفكر والقيادات، وتحديث البرامج والسياسات!؛  أيام حكم ((صالح)) اختلفت الأحزاب معه، تكتلوا عدة تكتلات ضده، راوغوه وراوغهم، وانتصر بالحق أو بالباطل وفي المعظم بالتزوير وبالاستقطاب والاغراء والاحتواء، وعندما جاءت الظروف واختلف الحاكمون النافذون فيما بينهم في ا نظام((صالح))؛ قوي عود المعارضة عندئذ، فنافسوه بقوة في انتخابات 2006م،فشعر بخطورتهم وقرر توريث الحكم أي أن ينقل الحكم لذاته وذويه!؛  فقامت ثورة الشاب وانقسم حولها ومعها المجتمع، وجرت تسوية استبعد منها الحراك الجنوبي فانتج ذلك مجلس انتقالي انفصالي،  واستبعد الحوثين من المشاركة في التوقيع على المبادرة أما الغنيمة ففازوا بها بنسبة تفوق حجمهم، ومع ذلك  انقلبوا ، وكانت مواقف الاحزاب قبيل الانقلاب وبعده باهتة وضعيفة ولم تحدد موقفها بقوة وبشكل واضح وصارم ،وحصل الذي حصل؛ وأُطلقت مبادرات حزبية متعددة على مستوى الحزب الواحد وعلى مستوى بعض الأحزاب مجتمعين لحل الأوضاع التي كانت متردية اقتصادية ومتوترة سياسيا بفعل الاستفراد والاحتكار والمخالفة لما أتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني ،او التنفيذ ببطء بغير ما زُمِنَّ له، وبشكل مشّوه وانتقائي كذلك، كان ذلك تذرّعا للحوثين فانقلبوا على مجمل العملية السلمية، وانتقال السلطة بشكل سلس ، لم تنفع مبادرات الأحزاب ولا  "اتفاق السلم والشراكة الوطنية "، فاستعملت القوة، وتم الانقلاب بمساعدة الرئيس السابق ((صالح))، تمدّد الحوثي  ومارسوا ((الإرهاب المنحط)) كما شخصهم ووصفهم به الشيخ "محمد عيضة شبيبة" وزير الأوقاف والإرشاد، ففجروا بيوتاً بعد اخذ التقاط صور تذكارية في الغرف الخاصة، وفجروا  مساجدا ودور علم بد ان حولوها إلى قاعات والرقص في محاربيها على وقع الزامل، وقتلوا أناس ولغموهم حتى من يأتي يواريهم ينفجرون به، وأرهبوا المجتمع كله ، تمكنّ الرئيس من المغادرة بعد أن قدم استقالته، لكن الحوثة أغلقوا مجلس النواب فتراجع عنها واستطاع الخروج واستعان بعد خروجه بالتحالف العربي الذي ربما التقى طلبه  بهواهم وقرارهم  للتدّخّل، تدخلت المملكة والتحالف وامتدّت الحرب حتى بلغت سبع سنوات ولا تزال، رافق  هذه الحرب مبادرات؛ و حتى ان السعودية قد أعلنت ان تدخلها فقط للضغط على الحوثين وإعادتهم لطاولة المفاوضات والاتفاق السياسي، وقُدمت مبادرات دولية، وأقيمت حوارات مباشرة وغير مباشرة ، وكان الاتفاق في الكويت قاب قوسين أو أدنى، وتمّ التفاوض في جنيف،  وفي ستوكهولم  تم توقيع اتفاق جزئي ، اتفاق شهير بشأن الحديدة وبعض الملفات الاقتصادية وتعز ومطار صنعاء؛ لكنكم ترون أن هذه المنشآت المدنية قد حولها الحوثي لورش التصنيع ومخازن  للصواريخ ،ومنصات للإطلاق. فكان اتفاق ستوكهولم الأسوأ. وهكذا عشنا السبع السنوات من مبادرة لأخرى؛ فمن مبادرة كيري  إلى ولولد الشيخ إلى مبادرات المملكة العربية السعودية والتي كانت تجابه بالرفض من قبل الحوثي، الى دخول سلطنة عمان على الخط مؤخرا بمبادرات او القيام بوساطات،  فمبادرة المبعوث الأمريكي  ليندر كنج، وقبله غريفيث، وأخيراً المبعوث الجديد "هانس غروندبرغ " الذي بالتأكيد سيأخذ بعين اعتباره  سلبيات وايجابيات المبادرات السابقة  لينتج خلطة جديدة قد ترضي عنها الأطراف، او ترضي اطرافاً وتعارضها أخرى، هكذا سنستمر في حلقة مفرغة؛ إن لم يصحي العالم من سباته ونسيانه لشعب يباد في  هذه الكرة الأرضية،  في جغرافيا اسمها "اليمن"!؛ وفي اعتقادي أن جميع المبادرات السابقة إما أن بعضها  ركزّ على بناء الثقة وتوقفت عند ذلك، او على الملف الإنساني الذي هو نتيجة لخلاف سياسي، أو بعضها رأت ان الخلاف منصب فقط على تقاسم المناصب، فأسهبت المبادرات حول تشكيل مجلس رئاسي على الرغم من اننا جربنا هذا في اليمن وفشل،  والبعض  اقترح رئيس ونائبين أو عدد من النواب، والبعض أقترح نقل السلطة لنائب كما في المبادرة الخليجية السابقة _ تكرار المكرر وتجريب المجرب_ ،والبعض طرح تقاسم للسلطة بشكل مناصفة شمالا وجنوبا!؛ .. وعموماً.. وإن كان هناك بعض الوجاهة فيما طرح؛ لكن الحل لم يعد قط بين اليمنين، فالمشكلات اليمنية اتسعت وامتدت للإقليم وللعالم، وتداخل الوطني بالإقليمي، والسياسي بالديني او المذهبي، والمشروع الوطني بالمشاريع الصغيرة الداخلية او بمشاريع دول الإقليم والعالم !؛ بعد كل هذا سأورد لكم لاحقاً بعض الأفكار على شكل نفاط.. يتبع..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي