حتى لا تظل "الخارطة" حِبراً.. والسلام يضل طريقه!

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٠ مساءً

 

نريد خارطة طريق تفضي إلى استعادة الدولة وموسساتها، وإلى سلام دائم وشامل، سلام يجازي المتمرد المنقلب عن انقلابه، لا يشرعن له فعلته.. سلام يعوض اليمنيين معاناناتهم، ويسعدهم بعد تنكيدهم، ويحسن معيشتهم بعد تصفيرها، ويجمع بينهم بعد أن تقطعت أوصالهم، ويعيد حريتهم بعد أن ضاقت عليهم وفاضت السجون من اعتقال احرارهم ونشطائهم وسياسيهم وأكاديميهم ومفكريهم، وأن يسمح بعودة نازحيهم ومهجريهم.

 وكما تعلمون أن جهود الوساطة العمانية والسعودية، قد أثمرتا التوصل إلى خارطة طريق، تبنتها الأمم المتحدة، وما ضهر من تسريب لمسودتها؛ من أنها تشتمل على ثلاث مراحل.

فالمرحلة الأولى؛ مدّتها عام لبناء الثقة.. والثقة يا كرام لا تُبنى بالأقوال، ولا بحسن النوايا، إنما بالأفعال، ولا تقاس بالمدّة الزمنية، فما قد سبق من الزمن اختبرت هذه النقاط الواردة أكثر بكثير مما حددته هذه الخارطة، ولم يستجب الحوثي وينفذ أي منها.

وعموماً.. فمرحلة بناء الثقة، تتضمن: ( وقف العمليات العسكرية بشكل كامل على مستوى الجمهورية(متحققة منذ أكثر من سنتين مع بعض الخروقات، أأزدادت الثقة؟ أم ضعُفت وتلاشت؟!).

 تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وفتحه لوجهات أخرى جديدة، وما يسري عليه، المفروض انه يسري على باقي المطارات(حصل هذا، فهل أعاد الثقة أم استفاد منه الحوثي فقط، ولم يقابله بما عليه من التزامات، ومنها انهاء حصار تعز وفتح الطرق منها واليها، بل أن الحوثي مستمر في تصعيده، فمنع هبوط الطائرة المقلّة للعائدين العالقين بالسودان الشقيق في مطار المخا، بل انه مؤخراً هدد باستهداف مطار المخا حديث الإنشاء بحجج واهية؟).

رفع القيود على موانئ الحديدة( تم ذلك بموجب اتفاق ستوكهولم، واستفاد الحوثي منه فقط في السيطرة على الحديدة وموانئها، وتهريب السلاح الايراني، ومصادرة أربعين مليار من العائدات عقب الاتفاق، التي كانت قد خصصت لدفع رواتب الموظفين، واستمر بحلب الموانئ لحسابه الخاص، واستفاد منها بتهديده للملاحة البحرية في تصعيده المستمر، فهل كل ذلك بنى الثقة بين الطرفين، لا، وربي لم يعزز إلا من بقاء الحوثي؟).

فتح كافة الطرقات والمعابر في عموم محافظات البلاد، بما في ذلك الطرق الرئيسية في محافظة تعز( لم يتم ذلك.. والسبب بسيط للغاية، ان هؤلاء القوم لا يمكن أن يكونوا مصدراً للثقة؛ لأنهم ببساطة ثأربون حاقدون على تعز وعلى كل اليمنيين السبتمبرييين الجمهوريين).

صرف مرتبات الموظفين في القطاع العام "مدنيين وعسكريين"( الثقة تتم من هنا.. عندما الحوثي يلتزم بموجب اتفاق ستوكهولم، فيدفع الرواتب وما نقص يوفّى من المساعدات السعودية، ومن تصدير النفط والغاز لا منعه وايقافه.. وكما تعلمون ان الذي يجنونه ليس بقليل، لكن ينفقونه على الموالين والمشرفين، وعلى المجهود الحربي، وعلى المراكز الصيفية والمناسبات غير الوطنية...).

استئناف تصدير النفط والغاز( المفروض ألا يدخل في المساومة والتفاوض، ولا في الترضية والتقاسم والمحاصصة، بل بناء الثقة يبدأ منه، بأن يلتزم الحوثي ويقف عن استهدافه ومن دون قيد أو شرط).

توحيد البنك المركزي اليمني(قِيل.. أن هذه الجزئية قد عولج الاختلاف فيها، بإنشاء غرفة عمليات مشتركة في دولة محايدة تشرف على إدارة البنكين ويكون عمل الغرفة تحت إشراف الأمم المتحدة.. هذا تدويل لا يجلب الثقة، بل المفروض يعمل البنك المركزي بعدن لموجب القانون، ويضمن إدارة الموارد وتحصيلها لصالح كل اليمن.. فهذا الإجراء ان قُبل له، ليس ليناء الثقة بل لإظهار مدى الفجوة والاختلاف وإن كان قد قبل الحوثي الإجراء، فلماذا انفرد الحوثي بطبع عملة مزورة أذاً؟!).

إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين تحت قاعدة "الكل مقابل الكل" ( وهذا ملف إنساني مستعجل.. وهذه الفقرة ليست جديدة ايضاً، بل لها سنوات مرتبطة باتفاق ستوكهولم هي، وباقي النقاط السابقة، ولم ينفذ الحوثي ما عليه من أي منها، ولم تبنى الثقة بكل هذه المدّة، بل العكس هو الصحيح.. فما الذي سيجعلها تبنى الثقة خلال عام لزمن آت، إلا إذا كان هناك ضامنين، وهناك إلزام حتى لو استدعى استعمال القوة، فالأمر هنا مختلف؟!).

 أما المرحلة الثانية؛ فتتضمن إطلاق عملية سياسية يمنية شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة كافة الأطراف.

فالعيب أن يتم ذلك بعد عام، وربما بعد عام قد تختلف الظروف وينقلب المنقلبون.. الخارطة لم تحدد ما هي الإجراءات المتخذة في حال حدث تعطيل أو إعاقات أو نكوص..

 أما المرحلة الثالثة؛ فتتضمن مناقشة شكل الدولة، والتركيز على مناقشة القضية الجنوبية..

وفي هذا البند، الخضوع للحوثي، لإعادة النظر في شكل الدولة الذي اتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بموافقته. فهذا ارتداد عمّا كان قد قرره الشعب بفسيفسائه كلها في مؤتمر حواره الوطني، وبالتالي فإن المرحلة الثالثة خروج عن المرجعيات المتفق عليها..

وعموماً فإن كل النقاط السابقة، سبب حدوثها سياسي بامتياز، وما لم يُتفق على الشق السياسي ابتداءًا، والإقرار بشكل الدولة كما جاء في مؤتمر الحوار الوطني ، فلا أفق للحل، والمسألة كلها مضيعة للوقت وقد يستفيد منها الحوثي دون غيره..

إن تحريك الملف اليمني في هذا الوقت الذي تتصارع وتتشاكس فيه دولتين ارهابيتين، إيران وإسرائيل، لهو امر مريب، واخشى ان يكون أحد الآثمان للتهدئة فيما بينهما لصالح الحوثي لا الشعب اليمني والمنطقة، فكليهما سبب استمرار الشفاء في اليمن.. ويأتي تحريك الملف في خضم استعراض عضلات القوة والقدرة لكلا الطرفين في الفعل ورد الفعل بالأصالة أو عن طريق الوكلاء والأذرع والعملاء. إن ربط قضيتنا بهما لهو أمر خطير، ويبعد اليمنيين عن التوصل لسلام حقيقي، وسيجعل اليمن وقضيته رهينة لما قد يسفر عنه من صراع تلك الدولتين!

وتأتي الخشبية مما يتداول في مواقع التواصل الاجتماعي وموقع مكتب المبعوث الأممي، من أن المبعوث الأممي (هانس غروندبرغ)، قد التقى قبل يومين بـمحمد عبد السلام فليته، وبمجموعة من كبار المسؤولين العمانيين في مسقط، وناقشوا سبل إحراز تقدم في خارطة الطريق الأممية لليمن. غير ان (فليته) ناطق الحوثي،لم يؤكد ولم ينشر الخبر كما هو مُعتاد؛ مما يدلّ على رفضه لطلب خفض التصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن، كشرط للمضي بخارطة الطريق والتوقيع عليها.

ولقد تناولت المواقع والأخبار أيضاً من وصول أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى الرياض للتشاور بهذا الخصوص، لاستكمال إجراءات التوقيع على اتفاق خارطة السلام .. واتصالاً مع ما ذكر، فقد التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي أمس بسفير الولايات المتحدة الأميركية(ستيفين فايجن). وتطرق اللقاء على ما أحدثه الحوثي من توتر وتصعيد، من بعد موافقته على خارطة الطريق الأممية؛ ومنها الهجمات على خطوط الملاحة الدولية وتداعباتها، ومنها انتهاكه المستمر لحقوق الانسان، وتقويضه لفرص السلام، بما في ذلك مماطلته في تسهيل دفع مرتبات الموظفين، واستمراره في تصعيده الحربي في مختلف الجبهات، وحصار تعز، وتحشيده للاطفال الى معسكرات طائفية.

وللمضي نحو بناء الثقة والوصول إلى تسوية سياسية والتوقيع على خارطة للسلام، فأنه ينبغي من الحوثي كما اعتقد فعل الآتي: إيقاف تصعيده البري والبحري، والغاء إقامة المراكز الصيفية الطائفية وإيقاف التعبئة والتحريض والكراهية ضد المملكة والافتراء عليها، بل عليه هو التوقف عن تحريف وتغيير المناهج، والتوقف عن تجنيد الأطفال، وسحب العملة المزورة، وعدم الاعتراض على تصدير النفط والغاز اليمني، والتعهد بعدم التعامل مع إسرائيل وذلك بالامتناع كلياً عن استيراد المبيدات الإسرائيلية السامة المسرطنة لليمنين وفتح تحقيق في ذلك، وايقاف تأسيس مصنع( دغسان) الذي كان قد وضع حجر أساسه الحوثي محمد، والذي قيل انه بالشراكة مع شركات إسرائيلية.. ما لم فلا فائدة من الجلوس معه والتفاوض على ما قد وافق عليه من قبل!

نريد خارطة طريق متفق عليها تخرج اليمن من النفق المظلم الذي وضعه الحوثي فيه.. ما لم يتم ذلك.. ستظل الخارطة حِبراً على ورق، حتى وإن وقّع الحوثي عليها. ففي التوقيع فقط، تثبيت سلطته كأمر واقع، وشرعنة مركزه التفاوضي في المستقبل.. وإذا لم تُفصل القضية اليمنية عن الصراع القائم بين (إسرائيل) وايران.. سيضل طريق السلام في اليمن (حبيس)، رهينة للاتفاق أو التصعيد بين محوري الشر إيران واذرعها، ودويلة إسرائيل وعملائها.. سيضل السلام اليمني أسيراً ومرتهناً بين الفعل ورد الفعل القائم بين إيران ودويلة إسرائيل بالأصالة عن نفسيهما أو عن طريق الوكلاء والاذرع والعملاء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي